
في مشهد احتفالي اتسم بالهيبة والوقار، احتضن مجلس قضاء غليزان مراسم افتتاح السنة القضائية 2025/2026، في حفل رسمي مميز جسّد رمزية القضاء كمؤسسة سيادية تضمن الحقوق وتصون الحريات، وترسّخ مبادئ دولة القانون.
وقد جرت فعاليات الافتتاح بحضور والي الولاية السيد ‘كمال بركان’ ورئيس المجلس الشعبي الولائي السيد ‘عبد القادر بغدادي’، إلى جانب ممثلي السلطات الأمنية والعسكرية والمدنية، نواب البرلمان بغرفتيه، المندوب المحلي لوسيط الجمهورية، نقيب المحامين لمنظمة غليزان، وممثلي الأسرة الثورية، إضافة إلى الأسرة القضائية ومختلف الشركاء والمتعاملين مع القطاع، وجمع من ممثلي المجتمع المدني.
كلمة رئيس مجلس القضاء: “العدالة صمام أمان المجتمع”
وفي مستهل الحفل، ألقى رئيس مجلس قضاء غليزان، السيد ‘عثماني حسين’، كلمة تناول فيها الأبعاد الرمزية والقانونية لافتتاح السنة القضائية الجديدة، مبرزا أن هذا التقليد السنوي يعكس “ترسيخ أعراف المؤسسة القضائية في تقييم ما تحقق من إنجازات خلال السنة الماضية، واستشراف آفاق العمل خلال السنة الجديدة”، وأكد أن “مهمة القضاء نبيلة وشاقة في الوقت نفسه، لأنها تتعلق بالفصل في النزاعات وبعث الثقة والطمأنينة لدى المتقاضين.
مشددا على أن القاضي مطالب دوما بالتحلي بمبدأ الحياد والنزاهة والالتزام بأخلاقيات المهنة، التي نص عليها القانون الأساسي للقضاء، وأضاف أن العدالة تبقى صمام أمان المجتمع والمدافع عن قيمه ومكتسباته، وهي التي تتصدى لمختلف أشكال الجريمة، خاصة تلك العابرة للحدود مثل الإرهاب، تجارة المخدرات، الاتجار بالبشر، تبييض الأموال، الجرائم السيبرانية، وجرائم عصابات الأحياء.
كما ثمّن رئيس المجلس المجهودات الكبيرة التي تبذلها المصالح الأمنية بمختلف أسلاكها، في محاربة الجريمة والحفاظ على النظام العام، مؤكدا أن التنسيق بين أجهزة الأمن والنيابة العامة، يمثل ضمانة أساسية لاستقرار المجتمع وصون أمنه.
نحو رقمنة قطاع العدالة وتعزيز ثقة المواطن
أشار السيد ‘عثماني’ إلى أن تحسين جودة الخدمات القضائية لم يعد مجرد هدف، بل أصبح ضرورة ملحّة، داعيا إلى تسريع وتيرة التحول الرقمي عبر نظام التقاضي الإلكتروني الذي من شأنه تسهيل الإجراءات وتقريب العدالة من المواطن، تماشيا مع توجيهات رئيس الجمهورية السيد “عبد المجيد تبون”، ومعالي وزير العدل حافظ الأختام، الذين أكدا على ضرورة تجاوز الأساليب التقليدية والبيروقراطية نحو أداء مرفقي حديث وفعّال. وفي هذا السياق، دعا المحامين إلى الانخراط الفعّال في مسار الرقمنة، بوصفهم شركاء أساسيين في تحقيق العدالة وضمان حسن سير المرفق القضائي.
كما نوه بقرار رئيس الجمهورية المتعلق بإحالة مشروع القانون الأساسي للقضاء إلى المجلس الشعبي الوطني قبل نهاية السنة الجارية، مؤكدا أن هذا القانون سيكرّس بشكل أكبر مبدأ استقلالية القضاء ويدعم مكانة القاضي، باعتباره ركيزة أساسية في بناء دولة القانون.
وختم رئيس مجلس القضاء كلمته بدعوة جميع القضاة إلى “التحلي بالضمير المهني، وعدم الخضوع لأي تأثير مهما كان نوعه، والعمل وفق أحكام القانون ومبادئ العدالة فقط، لأن في ذلك تكريسا لثقة المواطن في مؤسساته القضائية وضماناً لمناعة الدولة وهيبتها”.
النائب العام: السياسة العقابية الجديدة تراعي البعد الإنساني والإدماجي
وفي كلمة بالمناسبة، تطرق النائب العام لدى مجلس قضاء غليزان السيد ‘جلولي أحمد’ إلى أهم ملامح السياسة العقابية الجديدة التي تنتهجها الدولة، والتي تقوم على مبدأ التوازن بين الردع والإصلاح، وأوضح أن الهدف الأساس هو حماية الحقوق والحريات وضمان محاكمة عادلة وتجسيد قرينة البراءة، مع التركيز على تدابير بديلة للعقوبات التقليدية كآلية لإعادة الإدماج وتقويم السلوك.
وكشف النائب العام أن السنة القضائية المنصرمة، شهدت استفادة 605 محبوسين من نظام الإفراج المشروط، و24 من العقوبة البديلة للنفع العام، بينما استفاد 528 محبوسا من إجازات الخروج في إطار لجنة تطبيق العقوبات، أما بخصوص مراسم العفو الرئاسي الصادرة عن السيد رئيس الجمهورية، فقد استفاد منها 304 محبوسين عبر مختلف المؤسسات العقابية التابعة لدائرة اختصاص المجلس.
التعليم والتكوين داخل المؤسسات العقابية
وفي سياق الإصلاح وإعادة الإدماج، أشار النائب العام إلى النتائج المشجعة المحققة داخل المؤسسات العقابية، حيث نجح 176 نزيلا في شهادة البكالوريا، و89 في شهادة التعليم المتوسط، و819 في التكوين المهني، إلى جانب تسجيل 632 نزيلاً في الطور المتوسط، و315 في الثانوي، و206 في دروس محو الأمية.
وذكر أن هؤلاء النزلاء يستفيدون من امتيازات قانونية تشجيعاً لهم، من بينها العفو الرئاسي والإفراج النسبي وإجازات الخروج والزيارات المقربة، تجسيداً للبعد الإنساني في السياسة العقابية للدولة. وأكد السيد “جلولي أحمد” أن تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية يعد مؤشراً جوهرياً على فعالية العدالة، مشيراً إلى أنه تم خلال السنة الماضية تسجيل 1583 قضية، تم تنفيذ 1442 منها بنسبة إنجاز بلغت 93.75 بالمائة، أما في مجال الحالة المدنية، فقد تم الفصل في 6765 طلبا من مجموع 6801، بنسبة إنجاز بلغت 99.47 بالمائة، وهو ما يعكس ـ حسب قوله ـ “الحرص الكبير الذي يوليه القطاع لتحقيق العدالة الناجزة وضمان حقوق المواطنين دون تأخير”.
قضاء إصلاحي لعصر جديد
تُظهر هذه الأرقام والمعطيات ـ كما خلص الحفل ـ، أن قطاع العدالة بولاية غليزان، يواصل خطواته الثابتة نحو ترسيخ قضاء مستقل وفعّال، يجمع بين الصرامة في تطبيق القانون والمرونة في الإصلاح والإدماج، في إطار رؤية وطنية شاملة يقودها رئيس الجمهورية لبناء مؤسسات قوية تستند إلى العدل والمساءلة والشفافية.
وبذلك، يكون افتتاح السنة القضائية الجديدة بمجلس قضاء غليزان مناسبة لتجديد العهد مع العدالة، والالتزام بمبادئها، ومواصلة الجهد من أجل قضاء مواكب لعصر الرقمنة قريب من المواطن، حارس للقانون، وسند لدولة الحق والعدالة الاجتماعية.
جيلالي.ب