الثـقــافــة

ارحلوا لأن فاقد الشيء لا يعطيه

بـخُـصُـوص الـسّـرقـة الأدبـيّـة

الكتابة مخاضٌ عسيرٌ وغوايةٌ مُمتعةٌ وجُنونٌ مهيبٌ ومُغامرةٌ شيّقةٌ، بحثٌ عميقٌ واكتشافٌ دقيقٌ واحتراقٌ مثتواصلٌ واحتراقٌ يٌضيىءُ الجانب المُظلم لكُلّ غُمُوض ويُذيبُ جليد الرّتابة في حالة اللاموت. حين نكتُبُفإنّنا لا نمُوت بل نُؤرّخ لذاتنا ونُؤسّسُ لوُجودنا، والكاتب المُبدع الحق هو الذي يُنتجُ المفاهيم والرّؤى ويطرحُ الأسئلة لواقعه ويبحثُ الإجابة بداخلها، وهو بذلك يصنعث قيمًا مثجرّدة من كلّ خلفيّة ويُكرّسُ أبجديّة التّحاوثر والتّخاطثب مع مُجتمعه أوّلا ثمّ الإنسانية بعد ذلك.

يُخطئ من يعتقدُ بأنّ الكتابة الإبداعيّة شيئًا من العبث أو ضربًا من العبث أو التّرف الفكري، وأنّ المُبدع هو الدذي يصطادُ في البُحيرات المعروفة لديه فقط ويُمارسُ لثعبة التّخفّي تارةً والسّرد الخيالي تارةً أخرى أو الموضوعيّة والواقعيّة والميثاليّة أحايين أخرى، وفي بعض الأحيان الشّاذه نجدُهث يصطنعُ الكذب المُباح لحظة يُحاولُ إقناع نفسه بأنّهث فعلاً يصنغُ إبداعًا أدبيّا مُتجدّدًا.

وانطلاقًا من الحديث النّبويّ الشّريف (السّاكتُ عن الحق شيطانٌ أخرس)، ومن باب الغيرة على شرف الكتابة الإبداعيّة البحثة، أجدُني مُرغمًا على طرح قضية جوهرية أصبحت ظاهرةً عاديةً لدى العديد من الكتّاب والمُبدعين على حدّ سواء. وأعني هنا القرصنة الأدبية العلنيّة في وضح النّهار، أو بمعنى آخر الجُرأة على السّرقة الأدبية والاحتيال على النّصوص أو القصائد لكُتّاب وشُعراء آخرين، حتى أنّ مسألة الإقتباس أصبحت مُمارسة تُخلُّ بمصداقية الكاتب والشاعر، لأنّها في الغالب لا يذر حتى المراجع فيُخيّلُ للقارئ أنّها من إنتاجه وإبداعه. وإنّ المُتتبّع للنُصوص الشعريّة عبر المجلّات الإكترونيّة وبشكل خاص الصفحات الأدبية الفايسبوكيّة، يرى العجب العُجاب، فالكُلّ يدّعي النُّبوغ في الشّعر تحديدا على أنقاض صاحب القصيدة، فكم من نص تمّ نسخهُ حرفيّا أو أخذُهُ بأخطائه من مواقع أخرى دون أن يُكلّف الناشر نفسهُ حتى تغيير العنوان، ولعلّ ما زاد الظاهرة إستفحالا وانتشارًا كالنّار في الهشيم، استعمال الأسماء المُستعارة من باب التخفّي حتى لا يتمّ اكتشافُه وبالتّالي فضحه.

إن هذا النّمط من المُبدعين المُزيّفين موجودين في كل المُجتمعات وفي كلّ الأزمنة مثل المُجاهدين والمثقفين والمسؤولين المزيّفين وهلمّ جرا، وهؤلاء المُبدعين المُزيّفين، لديهم عُقدة حُب الظهور الدّنكيشوتي، والحُلُم في الواقع والغُرور الزائد وفُقدان الثّقة في أنفسهم وضعف ٌ شديدٌ في شخصيّتهم، وخاصّة البحثُ عن الشّهرة الكاذبة والنُّجومية الوهمية ولو دوسًا على رقاب صُنّاع الكلمة وعلى حساب أبسط أخلاقيات الكتابة، ويُريدون أن يُصبحوا أدباء وشُعراء بين عشيّة وضُحاها.

إنّ السّرقة الأدبية جريمة لا تُغتفر في حقّ الأدب والإبداع، ومن هُنا يتأكّدُ لدينا حقيقة هيمنة الضُّعف المعرفي الأدبي وطُغيان التّفكير المُعطّل (في غياب القراءة والمُطالعة والبحث) ومُحاولة الوُصول إلى عُروش المُؤسّسات الثّقافية وسرقة الأضواء بشتى الوسائل، لأنّهم ببساطة من المُتطفّلين على الأدب والإبداع، ولعلّ إستفحال الظاهرة والإجرام الحاصل الآن في حقّ الكتابة الأدبية هو الذي دفع بالكثير من الأدباء والشعراء الحقيقيين والصّادقين بوهج الحرف، يُؤثرون الخفاء والإبتعاد عن هذا الزخم مما يتمُّ تناقله عبر الوسائط الإجتماعية وبشكل خاص الفضاء الأزرق، ويُفضّلون العمل في صمت والبقاء في الظل لأنّهم يُدركون جيّدًا بأنّهم غير مُستبعدين من تعرُّض إنتاجهم الأدبي إلى السّرقة ومُعظمهم يُفضّل النّشر مُباشرة، على طرح باكورة أفكاره الإبداعية في الفايسبوك على سبيل المثال.

إنّ هذه الجريمة في حقّ الأدب والإبداع، تؤدّي إلى تحطيم كل ما هو إبداعي وثقافي أصيل، ويُؤدّي بالضرورة إلى إنتاج السّراب وقتل المواهب في مهدها وخلط كلّ الأوراق على المُبدعين الحقيقيين والقرّاء معًا، وبالتّالي الخُروج عن كلّ ما هو عادي وفطري ومألوف. ونصرُخُ في وُجوه هؤلاء، إرحلُوا واتركوا الإبداع الأدبي واختاروا لكُم حرفة أخرى، إتركوا الحرف والكلمة لأصحابها قصد تأصيل إبداع أدبي واعي يحترمُ نفسه بتأكيده لمبدإ الإختصاص أولا. ارحلوا لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

بقلم: هشام رمزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى