
في تطور ينذر بتحول جذري في طبيعة التهديدات الإلكترونية، باتت أنظمة الذكاء الاصطناعي نفسها ضحية لهجمات ذكية تستخدم تقنيات مماثلة، في سيناريو يشبه “اختراق الذكي بالذكي”. هذه الظاهرة الجديدة تفتح باباً خطيراً في عالم الجرائم الإلكترونية، حيث يتم توظيف تقنيات التعلم الآلي لاختراق أنظمة كانت تعتبر في السابق منيعة.
أحدث التقارير التقنية تكشف عن أساليب متطورة تمكن القراصنة من اختراق حتى أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي تقدماً وحماية، مثل نظام “جيميني” التابع لشركة جوجل.
وتعتمد هذه الهجمات على ما يعرف بـ”الحقن الفوري”، وهي تقنية خبيثة تخدع الأنظمة الذكية لتجاوز ضوابطها الأمنية الأساسية من خلال استغلال ثغرات في طريقة معالجتها للبيانات.
خطورة هذه الهجمات
تعمل هذه التقنية الجديدة من خلال آلية معقدة تبدأ بتحليل دقيق لردود فعل الأنظمة الذكية على مختلف المدخلات، ثم تنتقل إلى مرحلة اكتشاف الثغرات في آلية استجابتها للاستفسارات، لتصل في النهاية إلى تطوير نصوص خبيثة مخفية قادرة على اختراق الضوابط الأمنية.
والمقلق أن هذه الأساليب الجديدة تصل نسبة نجاحها إلى 82 بالمائة في بعض الاختبارات، مقارنة بنسبة لا تتجاوز 30 بالمائة في الهجمات التقليدية.
تكمن خطورة هذه الهجمات في عدة جوانب تجعلها تهديداً غير مسبوق. أولاً، يمكن نقل الهجمات الناجحة بسهولة بين أنظمة مختلفة، مما يوسع نطاق التأثير.
ثانياً، التكلفة الزهيدة لهذه الهجمات التي قد لا تتجاوز 10 دولارات في بعض الحالات. ثالثاً، التأثير الواسع الذي قد يمتد إلى تسريب بيانات حساسة أو تقديم معلومات مضللة. رابعاً، صعوبة اكتشاف هذه الهجمات مقارنة بالهجمات التقليدية، حيث تترك آثاراً أقل.
إجراءات وقائية
في مواجهة هذا التهديد الجديد، بدأت الشركات التقنية الكبرى في تعزيز أنظمتها الأمنية بشكل استباقي. يجري حالياً تطوير آليات متقدمة لاكتشاف الهجمات الذكية، كما تدرس بعض المنصات تقييد بعض الميزات لزيادة مستوى الأمان.
وتعمل فرق الأمن السيبراني على تطوير أنظمة مراقبة أكثر ذكاءً قادرة على رصد الأنماط غير الطبيعية في سلوك الأنظمة الذكية.
ينصح خبراء الأمن السيبراني المستخدمين بعدة إجراءات وقائية في ظل هذه التهديدات الجديدة. من أهمها الحرص على تحديث الأنظمة الذكية بانتظام، وتجنب مشاركة المعلومات الحساسة مع هذه الأنظمة، واستخدام طبقات حماية إضافية، مع ضرورة مراقبة سلوك الأنظمة الذكية لاكتشاف أي تغييرات غير طبيعية في أدائها.
سباق محموم بين المخترقين والمطورين
يشير هذا التطور إلى دخول مرحلة جديدة من الحرب الإلكترونية، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي سلاحاً وهدفاً في نفس الوقت. ويتوقع خبراء الأمن السيبراني أن تشهد الفترة المقبلة سباقاً محموماً بين المخترقين والمطورين، مع تطور أساليب أكثر تعقيداً وزيادة في الهجمات الموجهة خصيصاً للأنظمة الذكية.
في ظل هذا الوضع المتغير، أصبحت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لتطوير استراتيجيات أمنية متقدمة قادرة على مواكبة هذه التهديدات المتطورة.
التحدي الأكبر يتمثل في الحفاظ على التوازن الدقيق بين الابتكار والأمان في عالم يتجه بشكل متسارع نحو الاعتماد الكلي على التقنيات الذكية في جميع مناحي الحياة، من الخدمات المصرفية إلى الأنظمة الصحية الحيوية.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله