
في خطوة غير متوقعة، قد تثير الكثير من التساؤلات والتكهنات حول مستقبل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، أعلن الرئيس المنتخب (دونالد ترامب) عن تعيين (إيلون ماسك) الملياردير الشهير والمستثمر الأكبر في التكنولوجيا على رأس وزارة جديدة تحمل اسم (وزارة الكفاءة الحكومية).
هذا المنصب المستحدث، يأتي كجزء من تعهدات (دونالد ترامب) في حملته الانتخابية بتقليص البيروقراطية الحكومية وإعادة هيكلة المؤسسات الفيدرالية لتحقيق كفاءة أكبر، ومع هذا التعيين يبدو أن (إيلون ماسك) الذي لم يكن بعيدا عن مراكز القوى الاقتصادية والتكنولوجية سيحظى الآن بنفوذ سياسي غير مسبوق.
.. (إيلون ماسك) ليس مجرد اسم كبير في عالم الأعمال، بل هو رمز للابتكار الجريء في القرن الحادي والعشرين، (تسلا سبيس إكس ستارلينكوني ونيورالينك) كلها شركات تحت قيادته وكل واحدة منها تدفع بحدود التكنولوجيا إلى آفاق جديدة، ومع تعيينه كوزير جديد يبدو أن هذه الشركات قد تجد لنفسها موقعا أوسع وأكثر تأثيرا على المستوى الحكومي.
إلى جانب (إيلون ماسك) تم تعيين (فيفيك راماسوامي) رجل الأعمال الجمهوري لتشارك المسؤولية المهمة واضحة “تفكيك البيروقراطية الحكومية وتقليص اللوائح والتخلص من النفقات غير الضرورية”ب عبارة أخرى، الهدف هو تسهيل عمليات الحكومة ولكن السؤال الكبير:” هل سيصب هذا التسهيل في مصلحة الشركات الكبرى مثل تلك التي يملكها ماسك؟”.
تسخير هذا الدعم السياسي لتعزيز مصالحه التجارية
إن الدعم الهائل الذي قدمه ماسك لحملة (دونالد ترامب) الانتخابية ليس خافيا على أحد، حيث ضخ ما يزيد عن 100 مليون دولار لدعم (دونالد ترامب) في سباقه نحو البيت الأبيض، والآن يجد (إيلون ماسك) نفسه في موقع يمكنه من تسخير هذا الدعم السياسي لتعزيز مصالحه التجارية، فمن غير المستغرب أن تكون شركات مثل (تسلا وسبيس إكس ونيورالينك) والتي تعتمد بشكل كبير على العقود الحكومية والتعاون مع وكالات الفضاء والهيئات التنظيمية، في موقع مثالي للاستفادة من هذا التعيين. وما قد يبدو واضحا هو أن هذا التعيين قد يمثل “عائدا استثماريا” كبيرا بالنسبة لماسك ليس فقط على المستوى الشخصي، بل لشركاته التي تعمل على مجموعة واسعة من المشاريع الحساسة والتكنولوجية التي تتداخل بشكل مباشر مع أعمال الحكومة.
لكن، من بين جميع الشركات التي يملكها (إيلون ماسك)، قد تكون (إكس أئي) الشركة الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، هي الأكثر استفادة من هذا التطور الجديد تأسست (إكس أئي) بهدف طموح يتجاوز مجرد التطبيقات التجارية العادية للذكاء الاصطناعي، حيث تسعى “لفهم طبيعة الكون الحقيقية” على الرغم من أنها لا تزال جديدة نسبيا في السوق مقارنة بعمالقة الذكاء الاصطناعي مثل (أوبن أئي وأنتروبيك)، إلا أن هذا القرب من الحكومة قد يتيح لـ(إكس أئي) فرصة ذهبية للتفوق.
يذكر أن الحكومة الأمريكية تعمل حاليا مع العديد من شركات الذكاء الاصطناعي مثل (أوبن أئي) ومجموعة (ميتا) لتطوير تقنيات تخدم الإدارة الفيدرالية، ولكن مع (إيلون ماسك) في موقع السلطة قد تتحول الأنظار نحو (إكس أئي)، لتصبح أحد اللاعبين الأساسيين في هذا المجال وربما يشهد السوق تغييرات جذرية بفضل عقود حكومية جديدة وأموال استثمارية ضخمة تدفق على الشركة.
تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي
من المعروف أن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي يتطلب استثمارات ضخمة فبعد أن جمعت (إكس أئي) 6 مليارات دولار في وقت سابق من هذا العام، ها هي الآن تدخل في مفاوضات جديدة مع مجموعة من المستثمرين لجمع المزيد من الأموال، ووفقا لمصادر مطلعة قد يصل التمويل الجديد إلى 5 مليارات دولار، مما قد يدفع بقيمة الشركة إلى أكثر من 40 مليار دولار. هذه المبالغ الهائلة تعكس الثقة المتزايدة في قدرة الشركة على المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي العالمي.
إحدى العوائق التي كانت تواجهها شركات الذكاء الاصطناعي هي اللوائح التنظيمية الصارمة التي فرضتها إدارة (جو بايدن)، هذه اللوائح كانت تهدف إلى ضمان سلامة وأمان الأنظمة الذكية عبر إخضاعها لاختبارات متعددة بإشراف المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا، ولكن مع إدارة (دونالد ترامب)، من المرجح أن يتم إلغاء هذه القيود مما يتيح لشركات مثل (إكس أئي) العمل بحرية أكبر ودون الخوف من العوائق التنظيمية.
تزايد نفوذ “إيلون ماسك”
مع ازدياد نفوذ (إيلون ماسك) يمكن أن تشهد الأدوات التكنولوجية التي طورها قفزة كبيرة (Grok – غروك) محرك الذكاء الاصطناعي الخاص بشركة (إكس أئي)، متاح حاليا فقط لمشتركي منصة (إكس) المعروفة سابقا بـ(تويتر)، قد يصبح قريبا متاحا للجميع، إذا حدث ذلك فإن توسع قاعدة المستخدمين سيمنح (إكس أئي) ميزة كبيرة في السوق ويزيد من حجم البيانات التي يمكن استخدامها لتحسين أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
وفي ولاية (تينيسي)، يمتلك (إيلون ماسك) بالفعل جهاز حاسوب عملاق يدعى (كولوسوس) مصمم خصيصا لتدريب شبكات الذكاء الاصطناعي التابعة لـ(غروك) هذا الجهاز الذي يقال إنه الأقوى في فئته عالميا، يتميز بقوة معالجة هائلة، ولكنه أيضا يستهلك كميات كبيرة من الموارد، حيث يستخدم نظام التبريد الخاص به نحو 4.9 مليون لتر من الماء يوميا، وهو أمر أثار قلق البيئيين المحليين. وبالإضافة إلى ذلك، يتطلب الجهاز قدرة كهربائية تصل إلى 150 ميغاواط أي ما يعادل استهلاك مدينة كاملة مثل (غرونوبل) في فرنسا. وللتغلب على نقص الطاقة المحلية، لجأ ماسك إلى تركيب توربينات غازية دون الحصول على التراخيص اللازمة، مما دفع البعض للتساؤل، هل هناك حدود لقدرة إيلون ماسك) على تجاوز القوانين؟
في نهاية المطاف، يبدو أن تعيين (إيلون ماسك) كوزير في حكومة (دونالد ترامب) قد يفتح فصلا جديدا في قصة الذكاء الاصطناعي، ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن على مستوى العالم، بفضل نفوذه الجديد قد تصبح (إكس أئي) القوة الأكبر في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد يشهد العالم تطورات تكنولوجية غير مسبوقة، لكن السؤال الذي يبقى: “هل سيكون هذا التقدم في مصلحة الجميع، أم أنه سيعزز فقط نفوذ (إيلون ماسك) وأمثاله في صناعة المستقبل؟