
بعد جهود استمرت أكثر من عامين وسط تحديات تقنية وتأجيلات متكررة، كشفت شركة “أوبن آي” عن نموذجها الأحدث المسمى ” نموذج جي بي تي 5 “. وهو الإصدار الأكثر تقدماً في تاريخ أنظمة المحادثة الذكية. إذ يمثل نقطة تحول فارقة في مسار تطور هذه التقنية. حيث صُمم ليجمع بين القدرة الحسابية العالية والفهم المتعدد للوسائط والقدرة على التفاعل السلس مع المستخدمين. ما يجعل العلاقة بين الإنسان والآلة أكثر طبيعية وواقعية من أي وقت مضى.
ويؤكد القائمون على تطوير “جي بي تي 5 ” أن هذا النموذج ليس مجرد تحديث تقني. بل هو نقلة نوعية في طريقة عمل الأنظمة الذكية.
فهو لا يكتفي بالإجابة على الأسئلة بل يحاور ويقترح ويضع الخطط، كما لو أنه خبير بشري متمرس يمتلك بعد نظر. وقد أوضح المدير التنفيذي للشركة “سام ألتمان” أن التفاعل معه يشبه النقاش مع شخص يحمل شهادة دكتوراه في أي مجال. في حين أن الإصدارات السابقة بدت الآن أقل تطوراً مقارنة به.
نموذج جي بي تي 5 .. نظام موحد وقدرات برمجية متقدمة
جاء “جي بي تي 5” معتمدا على بنية تقنية موحدة. حيث أُزيلت الحاجة لتقسيم النظام إلى نماذج متعددة بقدرات متفاوتة كما كان الحال في الإصدارات السابقة. وأصبح قادراً على التمييز تلقائياً بين الأسئلة البسيطة والقضايا المعقدة ليختار مستوى التحليل المناسب.
وهو ما يمنحه مرونة عالية في التعامل مع جميع أشكال الطرح. فيستجيب بسرعة حين يلزم الأمر ويتأنى حين تحتاج المسألة إلى تفكير معمق.
في المجال البرمجي، حقق هذا الإصدار أرقاماً غير مسبوقة. حيث يستطيع إنشاء مواقع إلكترونية وتطبيقات وألعاب بفعالية عالية.
إضافة إلى تقديم أداء متميز في مجالات الرياضيات والكتابة والتحليل البصري، ما يجعله أداة قادرة على تحويل الأفكار إلى منتجات ملموسة خلال وقت قصير.
ويؤكد “ألتمان” أن حتى من لا يمتلكون أي خلفية في علوم الحاسوب سيكون بمقدورهم عبر هذا النموذج إنشاء برامج متكاملة بسهولة. الأمر الذي يفتح المجال أمام شرائح أوسع للاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي.
كذلك يتميز “جي بي تي-5” بقدرة هائلة على معالجة النصوص الطويلة جداً دفعة واحدة. حيث يمكنه التعامل مع ما يصل إلى مئات الصفحات من المعلومات وتحليلها والاحتفاظ بالسياق الكامل.
وهو ما يسمح باستخدامه في قراءة التقارير المعقدة أو دراسة الملفات الضخمة وتقديم ملخصات دقيقة دون فقدان الترابط أو التفاصيل المهمة.
نموذج جي بي تي 5 .. ردود فعل متباينة وآفاق مستقبلية
مع إطلاق “جي بي تي 5” شهدت الأيام الأولى ردود فعل متفاوتة. إذ عبّر بعض المستخدمين عن إعجابهم بقدرته على تبسيط البرمجة وإجراء أبحاث متقدمة.
بينما أبدى آخرون إحباطهم بسبب استمرار بعض المشكلات مثل اختلاق المعلومات أو التعثر في مسائل رياضية وإملائية بسيطة.
وقد أوضح المدير التنفيذي للشركة أن هذه الملاحظات طبيعية في الأيام الأولى من الإطلاق. خاصة أن النظام يتعامل مع ملايين المستخدمين في وقت واحد، وهو ما قد يؤدي إلى أخطاء مؤقتة سيتم تداركها مع مرور الوقت.
ويرى خبراء أن هذا النموذج يمثل بداية مرحلة جديدة في الذكاء الاصطناعي. حيث لم يعد مجرد أداة للرد على الأسئلة، بل أصبح شريكاً فعلياً يمكن الاعتماد عليه في اتخاذ القرارات وإنجاز المهام المعقدة.
ومع ذلك لا يزال بعيداً عن الوصول إلى مستوى “الذكاء الاصطناعي الخارق” الذي يطمح إليه العلماء. وهو ما يجعل هذه المرحلة تمهيدية نحو إنجازات أكبر في المستقبل القريب.
كما يشدد المختصون على ضرورة عدم التسرع في إصدار الأحكام النهائية حول قدرات “جي بي تي 5” قبل منحه الوقت الكافي للتجربة والتطوير.
إذ إن المرحلة التي تلي الإطلاق تعتبر حاسمة في صقل الأداء وإصلاح الثغرات بناءً على التجارب الواقعية، وهو ما سيحدد مدى نجاح هذا النموذج في تلبية توقعات المستخدمين حول العالم.
في سياق المنافسة العالمية. يمثل إطلاق “جي بي تي 5” ورقة قوة استراتيجية لشركة أوبن آي، في وقت تتسابق فيه الشركات الكبرى للسيطرة على مستقبل هذه التقنية.
فالنموذج الجديد لا يعد مجرد إنجاز تقني، بل هو خطوة لتعزيز موقع الشركة في السوق العالمي وفتح افاق جديدة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية. مع ضرورة مراعاة الأبعاد الأخلاقية والإنسانية لهذه التطورات المتسارعة.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله