تكنولوجيا

إدمان وسائل التواصل في عصر الرقمنة

بين التأثيرات السلبية والحلول المقترحة

بدأت وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة للتواصل وتقريب المسافات بين العائلة والأصدقاء، لكنها سرعان ما تحولت إلى جزء لا يتجزأ من حياة الكثيرين. مع مرور الوقت، أصبحت هذه الوسائل وسيلة للهروب من الواقع أو قضاء ساعات طويلة دون إدراك تأثيرها النفسي والعقلي. تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل ملحوظ، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث لم تعد مجرد وسيلة للتسلية، بل تحولت عند البعض إلى حالة من الإدمان السلوكي الذي يصعب التخلص منه.

يتسبب هذا النوع من الإدمان في تأثيرات مباشرة على الدماغ، فعندما يستخدم الفرد تطبيقاته المفضلة، يتم تحفيز إفراز مادة الدوبامين المرتبطة بالشعور بالسعادة والمتعة، مما يدفع العقل إلى تصنيف هذا النشاط على أنه ضروري للتكرار. لكن بمجرد انخفاض مستويات الدوبامين، يعود الشخص لاستخدام تلك الوسائل بشكل قهري، مما يخلق حلقة مفرغة يصعب الخروج منها.

ورغم بعض الفوائد التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن آثارها السلبية على الصحة النفسية والاجتماعية أصبحت واضحة. أبرز هذه الآثار تشمل انخفاض الثقة بالنفس بسبب التعرض الدائم لحياة الآخرين المثالية، مما يُشجع على المقارنة المفرطة. إلى جانب ذلك، يؤدي الإفراط في الاستخدام إلى الشعور بالوحدة والعزلة عن العالم الواقعي، مما يزيد من فرص الإصابة بالاكتئاب والقلق. كما أن اضطرابات النوم، خاصة عند استخدام الهاتف قبل النوم مباشرة، أصبحت ظاهرة شائعة.

من بين الإشارات التي تدل على وقوع الشخص في فخ الإدمان، نذكر تأثير وسائل التواصل على الأداء اليومي سواء في العمل أو الدراسة، واستخدامها خلال الجلسات العائلية أو أثناء تناول الطعام، فضلا عن الشعور بالتوتر والانزعاج عند عدم القدرة على الوصول إليها. كل هذه العلامات تشير إلى تجاوز الاستخدام الطبيعي وتحوله إلى إدمان فعلي.

للحد من هذا السلوك، يتطلب الأمر اتخاذ خطوات عملية تساعد على استعادة التوازن في استخدام التكنولوجيا. من بين الحلول المقترحة، يمكن تقليل الوصول إلى هذه الوسائل عبر حذفها من الهاتف الشخصي أو وضعه في مكان بعيد خلال أوقات النوم والدراسة. كما يُمكن تخصيص أوقات محددة للتصفح مع الالتزام بها، بالإضافة إلى تبني أنشطة بديلة مثل ممارسة الرياضة، الفنون، أو قضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء، مما يعزز الروابط الاجتماعية بعيداً عن العالم الافتراضي.

في نهاية المطاف، يُعد الاعتدال في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أساسياً للحفاظ على التوازن النفسي والاجتماعي، وتجنب الوقوع في دائرة الإدمان التي قد تترك آثاراً طويلة المدى على الفرد والمجتمع.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى