محلي

إبراهيم الجرادي” شيخ الزاوية العلمية الصوفية للشيخ “سيدي أمحمد بن الجراد الكرزازي” لـ “البديل”:

"سنجعل الزاوية منارة لتحفيظ القرآن وتدريس أصول الدين "

تكملة للجزء الأول من حوارنا مع الأستاذ الشيخ “إبراهيم الجرادي”، حفظه الله، هذا الشيخ الجليل الذي يملك زمام لغة التعبير وجلاء الفكرة بسحر الكلمة، وهو حقا من شيوخ الزوايا القلائل الذين بلغوا ببصيرتهم وصرامتهم وواقعهم المفتوح حقولا متعدّدة من الفكر الموسوع وأتقنوا أسلوب التبليغ ولغة التخاطب. فكان لنا هذا الحوار الشيق.

 

ماذا عن استقبال الطلبة، ومنهج هاته الزاوية العلمية…؟

والله نحن لانفرّق بين الألوان ولا بين الولايات، من جاءنا فـباب الزاوية مفتوح للطلبة، وحاليا عندنا 200 طالب بعد أن كان عدد الطلبة بالزاوية منذ افتتحها سنة 2017 لايتجاوز الــ 50 طالبا، منهم 80 طالبا مقيما ودائما على مدار السنة للدراسة، قدموا من مختلف ولايات الوطن تمنراست، تندوف، اليزي وورقلة وغرداية، وكذا مستغانم وعين الدفلة والجزائر العاصمة ومن ولاية الشلف، بلعباس، سعيدة، والباقي خاص بالفترة الصيفية، لأن هناك من له دراسة طول السنة ومنهم من يدرسون في العطلة الصيفية والتي تدوم 03 أشهر فقط، وتكون الدراسة بالزاوية حسب التفويج ففي الصيف الدراسة تقتصر على حفظ القرآن الكريم وبعض المتون، على عكس الدراسة على مدار السنة التي يتلقى هؤلاء الطلبة حفظ القرآن الكريم، أصول الفقه، النحو، التجويد، علوم الحديث، علوم التفسير، السيرة النبوية، علم الدراية وعلم الرواية ويقرؤون الخليل، رسالة القيروان، ابن عشير، الأجرومية والأدب، وكذا هداية الألباب والأخضري وسيرة السالك وكل أنواع هذه العلوم، والحمد لله نحن في هذه الزاوية نجمع بين الأصالة والمعاصرة، معناه منهجنا الذي نسير عليه هو منهج الإمام “مالك”.

 

وماذا عن طريقتكم لتحفيظ القرآن الكريم، والبرنامج اليومي للطالب؟

لازلنا نمشي على الطريقة الأولى بالنسبة للكتابة، لأن الإنسان لابـدّ له باللوحة لابد أن أقول لهم “اللوحة والسبيحة إلى خروج الرويحة) وواجب الفتوى، فممنوع على الطالب الكتابة من الكتاب، نحن عندنا قاعدة (خذها من رأس الحامق ولا تاخذها من رأس الكتاب)، لذلك لمّا يفتي الشيخ على الطالب لوحته، فإنه يعطي له 3 ذاكرات، أولها ذاكرة التلقين، ثم ذاكرة الكتابة وبعدها ذاكرة النظر، فالطالب لما ينتهي من فتوى اللوحة تكون قد دخلت ذاكرته بسبب إعادة الفتوى أثناء الكتابة عدة مرات، وهذا معناه من الحكمة الإلهية، الذي جعل الله لهذا التعليم التقليدي باللوحة.

أما بخصوص البرنامج اليومي المتبع داخل الزاوية، يبدأ من الساعة الرابعة صباحا الطالب يقوم من مرقده يتوضأ ثم يدخل قاعة الصلاة، أين يشتغل بحفظ كتاب الله بالتكرار وبعد صلاة الصبح، يتم قراءة حزب الفلاح، وهو عبارة عن أذكار الصباح وأدعية مع قراءة سورة يس والدخان والواقعة وسورة تبارك ويختم بالمعوذتين وفاتحة الكتاب، ثم يذهب بعدها الطالب إلى كتابة لوحته، وفي حدود الساعة الثامنة يتناول فطور الصباح ويعود بعدها للقراءة إلى غاية الساعة العاشرة صباحا، أين ينتقل بعدها الطلبة جلّهم إلى حصة أحكام تجويد القرآن الكريم مع أحد المعلمين.

وفي حدود الساعة الحادية عشر، ينتقلون للدرس العام الذي أشرف شخصيا على تدريسه لهم، حيث كل يوم له برنامجه الخاص من فقه، حديث، والحكم العطائية… وعقب أداء صلاة الظهر يتناول الطلبة وجبة الغذاء وبعدها الخلود إلى استراحة (النوم) إلى غاية الرابعة مساء، وبعد النهوض يقرؤون القرآن إلى غاية مجيء الشيخ وأداء صلاة العصر، أين يواصلوا بعدها حفظ القرآن الكريم. وقبيل صلاة المغرب بحوالي ساعة، يتناول الطلبة قهوة المساء، وبعدها قراءة حزبين وبعد أداء صلاة المغرب يتم قراءة حزب الفلاح رفقة الشيخ وتكرار حزبين من القرآن وبعدها درس في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعد صلاة العشاء، يتناول الطلبة العشاء وفي حدود الساعة العشرة ليلا الخلود إلى النوم، وبخصوص البرنامج دائما يوم الأربعاء، يتم فيه قراءة المتون في الليل ويوم الخميس ليلا قراءة الهمزية والجمعة ليلا البردة، وأما الأيام الأخرى المتبقية تسير على نفس المنوال من البرنامج اليومي، كما خصّصت الزاوية يوم الخميس والجمعة صباحا راحة ثم بعدها يواصل الطلبة دراستهم أو التحاقهم بالزاوية.

 

ما دور الزوايا في تحقيق السلم، الأمان، البناء والتشييد…؟

في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا، الكثير من الناس من يجهلون حقيقة معنى الزاوية، ولكن الزاوية هاته التي تشتمل على 7 أحرف، كل حرف يدل على معنى من المعاني، فأنا لا أقول (زاوية) أنا أقول (الزاوية)، إذا تكلّمنا عن ألفها نقول بأن هذه الزاوية ألّفت بين قلوب الناس في الحاضر والماضي، فأصبح كثير من الناس تحت سقف الزاوية وتحت رعاية الشيخ، أصهار، أصدقاء وأحباب وتجار…إلى غيرهم، فجمعت بذلك القلوب ولمّت شمل الأمّة، لأن الزوايا تجد فيها عابري السبيل والغني والفقير…

أما حرف الزين تعلّم الزهد في الدنيا وتعلّم أبنائها وأتباعها أن الدنيا زائلة لعلّنا ماذا حتى نرغب في الآخرة لأن الدنيا دار الممر والآخرة دار المقرّ “زوّدوا من ممرّكم إلى مقرّكم”، أما الألف فهو يعلّم الإيمان الناشئ عن الإيمان، لأن هناك إيمان عن تقليد وإيمان عن معرفة وإيمان نشأ عن إيمان، أما حرف الواو تعلّم الورى والورى هو ترك الشيء من الحلال حتى لاتقع في الحرام، والياء تعلّم اليقين اليقين ضد الشك، يقين نموت يقين نقبر ويقين نسأل، والتاء التعليم بأنواعه، هذه الزوايا فيها من الأسرار ما فيها وشيوخها علماء لهم غيرة وطنية، غيرة دينية على هذه البلاد، فنحن ندعـو للجزائر في كل وقت أن يحفظها الله ويهيئ لمسؤوليها البطانة الصالحة تبيّن لهم الحقّ وتعينهم عليها.

 

وماذا عن الزوايا في الحفاظ على المرجعية الدينية…؟

والله الزاوية هي التي كوّنت رجالا ولازالت تكوّن، وابن زاوية له ثقة في ربّه أولا وله ثقة في وطنه ثانيا يعلّمه الشيوخ الإخلاص، يعني من تخرّج من الزاوية ترى بأنه له غيرة على وطنه وعلى وطنيته، نحن والحمد لله لازلنا نحافظ على المرجعية الدينية وقد ماذا لأننا تربينا عليها، وسنبقى على المرجعية، لأن ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ومشايخنا، فنحن نتحمل كل الصعاب من أجل إيصال هذا القرآن لأن الله حفظه وتولّى حفظه ورعايته، وسنبقى ونسير على هذا المنهج حتى الممات ونلقى الله سبحانه وتعالى عليه.

 

ماهي الآفاق المستقبلية للزاوية…؟

نحن نعمل ونطلب من الله القبول، والآفاق إن شاء الله الزاوية تزدهر، فإذا كان أبناؤنا على مرّ الأزمنة الماضية يذهبون من هنا إلى سوريا ويدرسون العلوم في المعاهد السورية، ولم لا أن تصبح زاويتنا قبلة للطلبة من داخل الجزائر وخارجها كبوركينافاسو، مالي، النيجر، وغيرها من الدول الإفريقية من أجل تعلّم القرآن وعلومه، وتكون مدفوعة التكاليف الكل على عاتق الشيخ وبمساهمة المحسنين.

ولكن الشيء الذي أتأسف عليه حقيقة بالنسبة لولاية تلمسان، عدد الطلبة بالزاوية قليل مقارنة بـ 53 بلدية، والآن أوجه ندائي عبر منبركم بأن أقول للطلبة بأن أبواب الزاوية مفتوحة لكل من يرغب في حفظ القرآن الكريم وتعلّم مختلف العلوم الشرعية من فقة، حديث، متون…

 

كلمة أخيرة…؟

أشكر مديرة جريدة “الــبـديل” على المجهودات، وعلى تنقل صحافيها إلى الزاوية العلمية والمدرسة القرآنية الداخلية لتعليم القرآن الكريم وعلومه وأصول الدين للشيخ “سيدي أمحمد بن الجراد الكرزازي”، واهتمامها الكبير بالزوايا من خلال ما ينشر على صفحاتها والتي تساهم في نشر العلم والمعرفة، وأكبر فـيكم صبركم واجتهادكم من أجل هذا اللقاء الذي سعـيتم إليه منذ مدة، ويسّر الله اليوم أسبابه، وأرجو منه تعالى أن ييسّر جميع أمورنا، ويجعل أسبابها موصولة بحبله المتين، ونحن الجزائر كلها وتلمسان نقول اللّهم أنت ربّ الجزائر وخالق من فيها، اللّهم اجمع شملنا ووحّد صفوفنا وألّف بين قلوبنا، وقلت وقولك الحق: (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

ع. أمــيــر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى