الثـقــافــة

أول كتاب في الجزائر يعالج “الوان مان شو” للدكتور “إبراهيم سلامي”

عرض الممثل الواحد "المسرح الفردي" يزاحم الأجناس المسرحية ويستقطب الجماهير

 بقلم الدكتور : بغداد أحمد بلية

(صــورة)

يعرض الباحث الدكتور “إبراهيم سلامي” في كتابه “الوان مان شو” وعلاقته بالأشكال التعبيرية في المسرح موضوعا لفت انتباهي كثيرا، نظرا لما تعرفه الساحة المسرحية العربية من تحولات فنية، تكاد تقضي على الحركة المسرحية في بلادنا.

هذا ما أشار إليه الكاتب من ظهور عروض الشخص الواحد في ألمانيا منذ القرن الثامن عشر أي ما بين 1775 إلى 1780، واستمرارها مع الكوميديا “دي أرتي” الإيطالية في نفس الفترة، وبروزها من جديد في أوروبا وأمريكا في النصف الثاني من القرن 19، وعودتها من جديد في النصف الثاني من القرن 20 بأوروبا، لا يسمح لنا بأي حال من الأحوال أن نقارن بين مسار المسرح الغربي والعربي، إذ نلاحظ  تنوعا في العروض عند الغربيين، ما بين مسرح تقليدي إلى مسرح العبث وأنواع أخرى من العروض المسرحية يستوعبها المسرح كفن استعراضي جماعي.

وفي هذا الجو، يبرز عرض الرجل الواحد ومسرح المقهى وستاند أب كأحد النماذج الجديدة السهلة بالنسبة للمسرحيين في الغرب، ومثلما أشار إليه الكاتب “براهيم سلامي” يبدو عرض الرجل الواحد حلا  بالنسبة للعاملين في الحقل المسرحي المغاربي والعربي، فأعباء العمل الجماعي كبيرة من تعدد الممثلين ووجود ديكور وإضاءة وملابس وغيرها .

قد يكون في الغالب الممثل هو المخرج وكاتب النص

وهكذا يبدو عرض الممثل الواحد حلا مثاليا، إذ يستعاض عن الممثلين بواحد مع انعدام كلي للديكور وقد يكون في الغالب الممثل هو المخرج وكاتب النص، فمرجع الظاهرة اقتصادي مالي مثلما يشير إليه الناقد بوعلام رمضاني، وفي هذا تهديد مباشر في استمرار فن المسرح في مفهومه الحقيقي، كما عرفه العالم منذ عصر الإغريق إلى يومنا، فلا ننسى أن المغرب العربي الذي تأخر في ممارسة المسرح أصبح يبحث عن بدائل سهلة  عنه، مما ينبئ عن إمكانية تلاشي فنا من أعرق الفنون.

الرجل الواحد

يستعرض الكاتب أنواعا من عروض الرجل الواحد منها المونودراما وستاند أب و”الوان مان شو”، وفي النوع الأول تبدو تجربة “عبد القادر علولة” في منتصف السبعينات بمسرحية “حمق سليم” 1972، أهم عمل مسرحي عربي، فالممثل والمخرج والكاتب الدرامي “عبد القادر علولة” أدى ثلاث مهام، في عرض متماسك نصيا وإخراجيا، ويعد هذا العمل نموذجا حقيقيا للمونودراما التي ترتكز على نص مسرحي متكامل، شد إليه الجمهور بالرغم من مأساوية أحداثه، ولم تعرف الساحة المسرحية الجزائرية  إلا أعمالا قليلة بنفس الكتابة المونودرامية، وما شهدته الساحة من بروز لأسماء أمثال “محمد فلاق” و”عبد القادر السيكتور”، إنما هي أنماط كتابة وعرض مختلفة تماما فنصوص “الوان مان شو” مهلهلة تربطها أحداث منفصلة لا تشكل بناء دراميا متكاملا، ويشكل الممثل في صفاته وحركاته وإيماءاته الكوميدية أساس العرض، إذ الملاحظ أن عروض الممثل الواحد كلها هزلية، لذا يستقطب المشاهدين من وهب قدرات تمثلية من حركات أو لغة متميزة  غير معتادة تشد انتباه  المتفرج.

النموذج الجلي

يختار الكاتب “ابراهيم سلامي” نموذجا تطبيقيا في كتابه العرض المسرحي “حياة حراق أو حياة كلب” لـ “عبد القادر السكتور” الذي عرض بدار الثقافة بمستغانم في 23 أوت 2011، إذ يعتبره النموذج الجلي لعروض “الوان مان شو” في الجزائر، إذ يقسم العرض إلى خمس وضعيات تشكل محطات رئيسية للحكي، وفي تحليله للعرض يقف الكاتب على عناصر العرض المختلفة مبينا وظائفها الفنية ومنها وظيفة الإضاءة و تشكيل الألوان في الركح، وطبيعة الديكور والأزياء ووظيفة المؤثرات الصوتية والموسيقية والإكسسوارات والماكياج.

أما لعبة الممثل فهي الحجر الأساس للعرض، فقد أظهر “عبد القادر السكتور” تحكما كبيرا في الجهد العضلي طيلة العرض الذي يفوق الساعة وخمس دقائق، أما الصفة الثانية فهي الذاكرة الانفعالية أي الربط بين عرض الأحداث الخيالية والتجربة الشخصية للممثل، وهذا يؤدي بالضرورة إلى التبرير والاعتقاد أي التمكن من إقناع المشاهد أن ما يحكى له حقيقة واقعية وليس مجرد خيال وأوهام.

الوان مان شو.. عروض فنية حقيقية

ويبقى السؤال الملح: هل يمكننا اعتبار عروض الممثل الواحد ظاهرة فنية في المسرح الجزائري؟، لا يجيب الكاتب على هذا السؤال، لأن أهداف التأليف تختلف عنده، ويحق لنا أن نتساءل ما إذا كانت بعض الأسماء على قلتها كافية لبعث حركة مسرحية تخالف ما أنجز من مسرح تقليدي في بلادنا منذ ما يقارب القرن من الزمن، باعتبار المسرح الجزائري عرف له وجودا حقيقيا على خشبات قاعات العرض منذ العقد الثالث من القرن العشرين؟.

لا يمكننا الجزم بوجود ظاهرة جديدة على الساحة الجزائرية، بالرغم من بروز بعض الأسماء بين الحين والآخر، ولكنها لا تقدم لنا إلا عروضا ميتة الغرض منها المشاركة في بعض المهرجانات الوطنية المخصصة لهذا النوع من العروض، ثم يتلاشى العرض ولا يراه المتفرج في قاعات المسرح المشتتة عبر ولايات الوطن. ينبهنا الكاتب الدكتور “إبراهيم سلامي” إلى ضرورة اعتبار العروض المسرحية الفردية المسماة “الوان مان شو” أو أي شكل من أشكال العرض المسرحي الفردي عروضا فنية حقيقية توجب على المشاهدين تحليلها لفهم رسالة الممثل، أو على الأقل يجب على المهتمين بالنقد المسرحي اعتبار ما ينجز قابلا للدراسة والنقد كي لا يبقى المبدع الجزائري  يتخبط في التقليد وإعادة إنتاج ما يبدعه الآخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى