
خلال إنعقاد مجلس الوزراء المنعقد في الثاني أفريل 2023 تحت رئاسة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أعطي مهلة ستة أشهر كأقصى تقدير للحكومة حتى تنتهي من تجسيد مشروع الرقمنة على أرض الواقع، بل يومها حدد بعض القطاعات دون غيرها كي تكتمل العملية فيها وكانت تشمل مصالح أملاك الدولة والضرائب والجمارك، فقط كخطوة هي الأولى قبل تعميم الرقمنة الشاملة التي تعهد بها الرئيس خلال حملته الانتخابية.
كما أكد رئيس الجمهورية يومها، أن الهدف من الرقمنة ليس تحديث وعصرنة المعاملات الإدارية التي تعتبر تحصيل حاصل في هذا المجال، بل هي قضية أمن قومي وخدمة لمصالح المواطن، كما سبق وأمر بتأسيس بنك معلومات جزائري، بشكل فوري ومستعجل من قبل وزارة المالية، يسهّل على مختلف مصالح الدولة، ممارسة مهامها وأداء واجبها تجاه مواطنيها، بأمثل وأنجع أسلوب، موضحاً أنه يمكن الاعتماد في تحقيق هذا الهدف الحيوي بالنسبة للدولة، على أحسن الخبراء والكفاءات الوطنية ومكاتب الدراسات دولياً. وبهدف تسريع وتيرة التحوّل الرقمي الذي يعبر خطه، وفق ما أعلن الرئيس خلال لقائه الدوري مع وسائل الإعلام، عن قروب استحداث المحافظة السامية للرقمنة التي ستكون تابعة لرئاسة الجمهورية، تعطى لها من الصلاحيات ما يكفي لتنفيذ التزامات الرئيس في شقها المتعلق بالرقمنة، حيث ينتظر أن تسند إليها مسؤولية إعداد إستراتيجية مدروسة للتحوّل الرقمي في مختلف مؤسسات الدولة، وهو الهدف الذي يعمل الرئيس جاهداً لتحقيقه في تجسيد لقوله إن “الرقمنة ستطبق بالإرادة أو بالقوة”. من جانب آخر، أتى القانون الجديد المحدّد لشروط منح العقار الاقتصادي التابع لأملاك الدولة الموجه لإنجاز مشاريع استثمارية بآليات جديدة تهدف إلى تحرير كلي للاستثمار من المسار الإداري، وإرساء أكثر شفافية وسرعة في معالجة طلبات الحصول على العقار الاقتصادي، حيث يشترط للحصول على العقار الاقتصادي التسجيل المسبق من طرف المستثمر لطلبه عن طريق المنصة الرقمية للمستثمر المسيرة من طرف الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار، كما سيكون بإمكان المستثمرين عبر المنصة الرقمية للمستثمر الاطلاع على كل المعلومات الخاصة بالوفرة العقارية، وهو الإجراء الذي من شأنه أن ينهي الممارسات السابقة التي خلت من الشفافية في منح العقار. وعليه يبقى السؤال بعد عشرة أشهر، أين وصلت العملية في القطاعات المحدّدة والقطاعات الأخرى؟ لا أحد يجادل في أن العملية اتسمت بالسرعة والجدية والدقة.
(1)- رقمنة أملاك الدولة في المجالين الحضري والريفي
سبق وأن كشف المدير العام للأملاك الوطنية بوزارة المالية، عبد الرحمان خيدي، نهاية السنة الفارطة، أنّ عملية رقمنة قطاع أملاك الدولة تسير على قدم وساق وبوتيرة متسارعة، بل أجزم أنّعملية المسح الحضري قد تجاوزت 75 بالمائة فيما فاقت نسبة المسح الريفي 95 بالمائة، مذكرا في السياق ذاته، أنه يجري حاليا إطلاق حلول رقمية عبر مركز المعطيات (داتا سنتر) الذي تم تدشينه السبت الفارط من طرف المديرية العامة للرقمنة، مُضيفا أيضا بأنّ مركز المعطيات سيستضيف الحلول الرقمية لإدارة املاك الدولة وكذا الضريبة والخزينة مما سيسهل اجراءات إيواء واستضافة الحلول الرقمية على رأسها البوابة الالكترونية “فضاء الجزائر” التي ستمكن المواطن والمهنيين وقطاعات وزارية عديدة من استخدامها والوصول إلى المعلومة الرقمية واستصدار كثير من الوثائق من مكاتبهم. وعليه، حسب نفس المتحدث، فإنّ تقنيات أملاك الدولة مرقمنة بنسبة 100 بالمائة، ولا يلزم سوى بعض الوقت كي تكون جاهزة بصفة نهائيا وبالتالي إطلاقها بمركز المعطيات (داتا سنتر) وتعميمها الى جميع الخدمات.
ما هو الداتا سنتر Data Center
يُعرف أيضًا بمركز البيانات، هو عبارة عن مكان يتم تسّكين خوادم الإنترنت أو السيرفرات وتتكون الداتا سنتر من مجموعة من الخوادم المُتصلة بالإنترنت بسرعة عالية والتي إما يتم استخدامها كسيرفرات كاملة أو تقسيم كل منها إلى سيرفرات في بي اس VPS أو حسابات استضافة مشتركة أو ريسلر استضافة Reseller Hosting “موزّعْ”. نظرًا لأن وظيفة الداتا سنتر هي تسكيّن خوادم الويب وتوفير أفضل بيئة عمل لها ولمديريها، فإن أغلب مكوّناتها ترتبط بذلك الغرض بصورة أساسية. وحتى تقوم بإنشاء مركز بيانات Data Center، فأنت ستحتاج إلى أغلب المكوّنات التالية بالإضافة إلى بعض المكوّنات والأجهزة والأدوات الأخرى وفقًا لحجم مركز البيانات واستخدامه.
(1)- لكن ما هي أبرز مكوّنات مركز البيانات؟: مقر “بناء” ذو مساحة مناسبة لاستيعاب مكونات مركز البيانات – تيار كهربائي ثابت ومستقر – مولّد كهرباء احتياطي يعمل تلقائيًا في حال توقف التيار الأساسي – نظام تبريد قوي يحافظ على درجة حرارة الخوادم والداتا سنتر ككل – أماكن لتسكيّن الخوادم مع مكوناتها من (راكات) أو رف شبكة إلخ – اتصال إنترنت ثابت واحد على الأقل ذو سرعة عالية، ويفضّل أكثر من اتصال إنترنت فائق من أكثر من مزوّد – نظام مراقبة بالكاميرات والتحكم في صلاحيات الدخول والوصول إلى أجزاء الداتا سنتر وفق صلاحيات الشخص – خوادم ويب Web Servers أو خوادم ملفات إلخ.. وفق نوع وطبيعة المركز – مقر للموظفين وغرفة للتحكم والإدارة والمراقبة – نظام سلامة وأمان وحماية من الحرائق والمشكلات الطارئة – أجهزة وأدوات الشبكة الداخلية من أجهزة التوجية (الراوتر) والمبدّلات (السويتش) والكابلات وجدران الحماية Firewalls إلخ..ولا تقتصر المكونات على ذلك فقط، إذ يحتاج الداتا سنتر إلى بعض الأدوات والمكونات الأخرى وفقًا لحجمه والغرض من إنشائه.
(2)- ما أهمية الداتا سنتر؟ تكمن أهمية الداتا سنتر أو ما يُعرف أيضًا بـ “حظيرة الخوادم: هى توفير البيئة المُلائمة لعمل السيرفرات من الإنترنت ذو السرعة العالية وأنظمة التبريد للحفاظ على درجه حرارة الخوادم دون إرتفاع بالإضافة إلى تيار كهربائى دائم وغيرها من العوامل الهامة مثل البنية الهيكلية والمُتابعة الهندسية لللخوادم من قبل المُهندسين المُختصين. كما أنه يتضح من التعريف السابق للداتا سنتر Data Center انها عبارة عن مجموعة من الخوادم وبالتالي فإن الداتا سنتر هي عبارة عن الحظيرة التي يتم تسكين خوادم الإنترنت بها، وبالتالي فهى أساس شركات الإستضافة فكل شركة استضافة مواقع ويب كبري لديها الداتا سنتر Data Center الخاصة بها أو أكثر من واحدة على حسب الشركة نفسها.
بعض الإدارات أصبحت رائدة في عملية رقمنة مصالحها
وعليه، فإنّ المديرية العامة للأملاك الوطنية وضعت حيز الخدمة لعملية التسليم الفوري للوثائق والمعلومات العقارية المتعلقة بالشهادة السلبية ونسخ العقود ونسخ البطاقات العقارية التي تندرج ضمن رقمنة المصالح الخارجية لإدارة الأملاك الوطنية. بل وأنّ بعض الإدارات أصبحت رائدة في عملية رقمنة مصالحها حيث تمكنت من تطبيق تعليمات رئيس الجمهورية بحذافيرها، خاصة تلك التي أسداها في شهر ماي 2023 والمتعلقة أساسا برقمنة القطاع. وستمكن هذه العملية النموذجية من تسهيل الخدمة العمومية للمواطنين وذلك باستخراج الدفاتر العقارية بصورة آنية وأوتوماتيكية وذلك بعد أن كانت تثقل كاهل المواطن التي كان ينتظر عدة أشهر لاستخراجها، كما ستمكن عملية الرقمنة بالنسبة للجماعات المحلية من تقديم الوثائق اللازمة لإطلاق تنمية شاملة لاسيما فيما يتعلق بالعقار.
الأجهزة المعنية والنتائج المنتظرة
أن الحديث عن أملاك الدولة يعني أن أولى الأجهزة المعنية هي المديرية العامة لأملاك الدولة والحفظ العقاري، المحافظات العقارية ومفتشيات أملاك الدولة، إلا أن في الحقيقة هاته المصالح ليست هي الوحيدة المعنية بهذا المشروع حيث يمسّ أيضا جهازي الجمارك واستمرارية الرقمنة الضريبية بالنظر إلى ارتباطها بأملاك الدولة وضرورة تناسق وتيرة الرقمنة التي هي مشروع شامل للدولة، حيث ينتظر أن تساهم الرقمنة في تحديث وإصلاح هياكل تسيير أملاك الدولة وكذا استعادة كل من الملك العام والعقار دورهما الاقتصادي المنوط بهما، كما ستساهم أيضا في تطوير وسائل اتصال المديرية العامة للأملاك الوطنية بشركائها المختلفين سواء كانوا تقليديين من موثقين، مهندسين وخبراء عقاريين أو مستعملين مثل المصالح العمومية، المؤسسات والشركات العمومية والمواطنين وغيرهم، بالتالي تحقيق مسعى هام ورئيسي هو تحسين أداء الخدمة العمومية.
الخبير عبد الرحمن هادف، يؤكد: ” أكبر ورشات مشروع التحوّل الرقمي في الجزائر“
أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هادف، أن رقمنة قطاع المالية تعتبر أكبر ورشات مشروع التحوّل الرقمي في الجزائر، لما يكتسي القطاع من أهمية بالغة من جهة، وتعقيد منظومته المعلوماتية التي تدخل في سير كل المجالات من جهة أخرى، ويضيف هادف أن هناك إرادة سياسية كبيرة وحقيقية لرقمنة قطاع المالية، وكان رئيس الجمهورية قد أعطى آجالا محدّدة لإنهاء المرحلة الأولى من ورشة رقمنة القطاع، وهو ما دفع وزير المالية للوقوف شخصيا على مدى سير العملية بالوتيرة المطلوبة. ويرى المتحدث أن وتيرة رقمنة قطاع المالية بمختلف مؤسساته من بينها أملاك الدولة بطيئة نوعا ما، وهذا يرجع إلى تعقيدات المهمة التي تستدعي منظومة تسمح بالتشغيل البيني ووضع النصوص المرجعية الخاصة بالأنظمة المعلوماتية، وهي الخطوة التي تعطّل تجسيد مشروع الرقمنة، كما أن الأمر لا يقتصر على استعمال واستخدام الأدوات والتطبيقات الرقمية ـ يردف الخبير الاقتصادي – ولكن يتعلّق بتحيين جوهري وعميق للمنظومة القانونية لمواكبة التحولات التي تفرضها التكنولوجيات الرقمية الحديثة في هذا المجال، وإصلاح شامل لنظام الحوكمة والتسيير والإنتاج ومعالجة ظاهرة مقاومة التغيير، وفي نفس الوقت تمكين الكفاءات وأصحاب الخبرة من أخذ زمام المبادرة وإقرار الخيارات التكنولوجية الواجب اتخاذها وتنفيذها.
الدكتور هواري تيغرسي، يصرح: ” ضمان الشفافية التامة في مسألة تسجيل ومسح الممتلكات “
من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور هواري تيغرسي، أن الجزائر عانت في مراحل سابقة من مشاكل مرتبطة بالعقار الذي يعتبر أحد الشروط الأساسية لنجاح العملية الاستثمارية، وعليه فرقمنة مؤسسة أملاك الدولة من شأنها أن توفر حلول ناجعة بالنسبة لطلبات الرخص والعقود بمختلف أنواعها، علاوة على ضمان الشفافية التامة في مسألة تسجيل ومسح الممتلكات. ويردف المتحدث قائلا، إن رقمنة مصالح أملاك الدولة ستسمح بتوفير المعطيات الحقيقية والدقيقة التي يكمن الاعتماد عليها في تطبيق واحدة من بين أهم المواد التي جاءت في قانون المالية والمتعلقة بالضريبة على الثروة، وقد سبق وأن تمّ التوقيع على برتوكول التعاون وتبادل المعلومات بين المديرية العامة للضرائب والمديرية العامة لأملاك الدولة بداية شهر أوت الحالي بهدف تكريس استغلال البيانات المسحية كمرجع أساسي لإرساء الرسم العقاري ورسم رفع القمامات المنزلية والضريبة على الثروة، ما سيمكّن إدارة الضرائب من الاستفادة من أولى الخدمات الرقمية للمديرية العامة للأملاك الوطنية في مجال تبادل المعلومات والبيانات المسحية.
الدكتور سيف الدين قحايرية، يوضح:” أهمية رقمنة أملاك الدولة ومتطلباتها“
وحسب أستاذ الاقتصاد الدكتور سيف الدين قحايرية، فإن من شأن تجسيد مشروع هام كرقمنة الإدارات العمومية ومختلف القطاعات عامة وأملاك الدولة بشكل خاص أن يعود بالإيجاب على الاقتصاد الوطني وتعاملات المواطنين ومختلف المتعاملين الاقتصاديين والمستعملين على حدّ سواء، حيث أن وضع منصة رقمية شاملة لعصرنة إدارة أملاك الدولة والحفظ العقاري ومسح الأراضي ستساهم في تبسيط الإجراءات والرفع من نوعية الخدمة العمومية المقدمة للأفراد والمؤسسات من خلال أدوات رقمية عصرية. من جهة أخرى تكمن الأهمية البالغة لرقمنة أجهزة وأملاك الدولة بالإضافة إلى تسهيل التعاملات والإجراءات، إلى إضفاء الشفافية وخلق مناخ مشجّع على الاستثمار المحلي والأجنبي، وهو ما يتطلب تقنيات ومنصة رقمية توفّر المعلومات وتحينها وتختصر المسافة والوقت والجهد على المستثمرين، إضافة إلى التقليل من المشاكل العديدة التي تعترض المواطن والمستثمر ما يتطلّب رقمنة العقود الإدارية وهي العملية التي بوشر فيها ولازالت قيد التطوير والتحسين. وبالنظر لأهمية العقار الاقتصادية والقانونية – يؤكد محدثنا – أنه من شأن رقمنة المعاملات والوثائق من خلال منصة شاملة أن يقضي على بطء الإجراءات العقارية ويسهل العمل على كل الأطراف ذات المصلحة والصلة، كما من المنتظر أيضا أن يتضمن هذا المشروع وضع آلية جديدة ومبسطة لتمكين المالكين والحائزين على الأملاك لتسويتها وحصولهم على الدفاتر العقارية وهو تفصيل دقيق وضروري وغاية في الأهمية يتطلّب الاستعانة بخبراء متخصصين ومكاتب خبرة دولية. كما يجب الإشارة إلى أن الهدف من الرقمنة ليس فقط تحديث وعصرنة المعاملات الإدارية التي تعتبر أمرا ضروري وتحصيل حاصل في مثل هكذا مشروع، بل تتعدى الأهمية إلى كونها قضية أمن قومي وخدمة للصالح العام، ما يتطلّب العمل وفقا لأولويات على رأسها التحديد الدقيق لأملاك الدولة وأملاك الأفراد.
بقلم: رامـي الـحـاج