بقلم: رامـي الـحـاج
يتساءل الكثير من الناس عن موقع هذا المثلث (برمودا) من خريطة العالم؟، خاصة بعد سماعهم لما يحدث فيه من قصص فاقت الخيال، ولكن قبل كل شيء، ماذا نقصد بمثلث برمودا الذي صار أسطورة رغم أن ما جرى فيه حقائق لا مراء فيها؟. لماذا هذه المنطقة البحرية دون غيرها من المناطق الأخرى؟، وهل فعلا ما شهدت أجواءها لا يختلف عما جرى بحريا؟. ومتى سينجح العلم بتكنولوجياته المتطورة في إيجاد تفسيرات لما حدث من ظواهر باتت في خبر كان ولم يبق منها سوى حلقة من الألغاز المحيرة؟، هل فعلا أنها منطقة مسكونة بالجن ومحرمة على الإنس أم أنها مملكة الشياطين والويل لمن حاول الاقتراب منها كما ترويه القصص المتداولة منذ عشرات السنين؟، أم أنها المحور الرئيسي لجاذبية الأرض كما يحلو للبعض تفسيرها؟، أسئلة كثيرة بقدر ما هي متشعبة فإن الولوج إلى صميمها يبدو أكثر تعقيدا ووعورة نظرا لما تملكه من معطيات وبشكل خاص أمام حيرة ودهشة وحتى قلق العلماء.
ما هو “مثلث برمودا”؟ اللغز والمنغلق على نفسه لما يحتويه من أسرار ما زالت في علم الغيب. إن مثلث برمودا جغرافيا يقع في منطقة محددة من المحيط الأطلسي، تبلغ مساحتها 160 ألف كيلومتر مربع من أصل المحيط البالغة 500 مليون كيلومتر مربع، تتواجد بين شواطئ فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية، وجزر برمودا وبورتوريكو، هذا التقرير هو بطبيعة الحال ملخص هندسي ونظري بحيث يقع بين درجة 37 من خط العرض الشمالي، ودرجة 27 من خط العرض الجنوبي، وبين درجة 75 من خط الطول الغربي ودرجة 40 من خط الطول الجنوبي أيضا. ويقع هي هذه الرقعة من بحر السراجس الذي يحده رأس هايتداس وشاطئ كاليدونيا الشمالية والجنوبية ومضيق فلوريدا، كما هناك فجوات عميقة تتخلل هذا البحر الذي يصل عمق البعض منها إلى أكثر من ثمانية آلاف متر.
إذا حاولنا التطرق إلى مثلث برمودا تاريخيا يمكن القول أن ذلك يعود إلى زمن بعيد جدا تحديدا إلى القرن الخامس قبل الميلاد نجد القائد البحري القرطاجي (هيميلكو) قد وصفه بقوله: “وفي البحر السقيم توجد الطحالب على سطح الماء تحتجز السفينة كالدغل”.. وقد تخوف منه أيضا الفينيقيون الذين اكتشفوا بدورهم قبل (كريستوف كولومبوس) هذا الأخير كتب في يوميات سفينته على نفس الطحالب قائلا:” إن البوصلة كانت تتحرك بشكل غريب وعجيب في هذه المنطقة بينما ظهر فجأة لهيب فظيع انتشر في الماء و غطى وجه الماء”.
الأكيد أن هذه الطحالب جاءت في العديد من يوميات العديد من البحارة الفينيقيين من قبل واصفين إياها بلون يتماوج بين البني والأصفر والأخضر مكونة من طحالب “السراجس” تغطي جزء كبيرا من بحر “السراجس” وتطفو على سطحه بلا تحرك، وكأنها مياه مستنقع آسن ضخم لكن بدأ التاريخ يدون لحوادث اختفاء السفن من طرف السلطات البحرية منذ حوالي 180 عاما، بمعنى أن ظاهرة غرق السفن واختفائها تعد بالآلاف ولا يمكن تحديد عددها كرونولوجيا.
البدايات الحقيقية لاكتشاف خطورة المنطقة
في سنوات الثلاثينات من القرن الماضي وإثر ظهور وسيلة نقل جديدة تمثلت في الطيران، أخذت الطائرات بدورها تختفي في ظروف أشد غموضا من اختفاء السفن. وأول طائرة اختفت كانت سنة 1931 كان يقودها المهرب الأمريكي المشهور (هربي بوند)، حيث أقلع بطائرته وعلى متنها الكحول من شاطئ ميامي متوجها إلى جزر الباهاما مرورا بمثلث برمودا ومن حينها لم يعثر على جثته ولا على حطام الطائرة.
وتواصلت سلسلة اختفاء الطائرات وركابها وبضائعها فوق هذه المنطقة تماما مثل السفن، و كتبت الصحيفة البريطانية (مانشستر غارديان) قائلة:” مقبرة بحر (السراجس) تضيف الطائرات إلى حصيلتها من السفن”. وقبل استعراض مسلسل السفن والطائرات المفقودة وأهم الظواهر التي عرفتها يجدر بنا الحديث عن منطقة “مثلث برمودا” من حيث المعطيات الجغرافية والطبيعية المكونة له من باب التذكير والمقارنة مع ما سنذكره لاحقا من جهة، ومن باب الموضوعية من جهة أخرى.
في بحر “السراجس” توجد تيارات مالية بينما الغولف ستريم، وبدلا من أن يتلاشى في البحر الكرايبي يحتجزه هذا الغولف ويضطره إلى التراجع نحو الشمال، بحيث نشأ حول طبقة الطحالب دوامة تجعلها تدور ببطء باتجاه حركة عقارب السعة، وبسبب بطء الحركة يخيل للناظر إلى الطحالب بأنها تطفو بلا حراك على سطح بحر “السراجس”، بالإضافة إلى الشعور بالرعب الذي يولده هذا البساط الهادئ، هناك رعب آخر نتيجة هدوء أجواء هذا البحر غي الطبيعي، فركودا الهواء الملازم لهذه المنطقة كان يشل حركة المراكب الشراعية تماما ويحتجزها لأشهر كاملة.
أهم السفن المفقودة
1- سنة 1912 اختفت سفينة واسب الشهيرة التي كانت لا تقهر بحريا وكان يقودها القبطان “جونستون بلاكي” البطل الذي كان اسمه يتردد على كل لسان.
2- سنة 1918: ناقلة النفط سايكلويس وكانت تنقل حمولة المنفيز التي كان الحلفاء في الحرب العالمية الأولى في أمس الحاجة إليها.
3- سنة 1919: اختفى اليخت سبراي مع قبطانه جوشوا سلوكام الذي نال شهرة عالمية باعتباره أول بحار يدور وحيدا حول العالم في مركبه الشهير.
4- سنة 1921: سفينة تابعة للبحرية الأمريكية تختفي وهي محملة بالكبريت.
5- سنة 1925: المركب البخاري كوناباكس، والسفينة اليابانية رايغز كومارو.
6- سنة 1926: سفينتين أمريكيتين : “سودوفكو” و”سبورتاتوك”
7- سنة 1935: سفينة نرويجية “ستافا” تختفي بجميع ركابها .
8- سنة 1950: سفينة شحن أمريكية “ساندرا” تختفي وعلى متنها 28 رجلا وثلاثة آلاف من الحمولة.
9- سنة 1954: يخت في غاية الضخامة “السريفوتوك” وعلى متنه صاحبه المليونير هارفي كونفر وزوجته دوروتي وابنه لوراش وصديق العائلة وليامز فلوغانر.
10- سنة 1958 اختفاء يخت في غاية الضخامة “الريفوتوك” على متنه صاحبه المليونير هارفي كونفر وزوجته دوروتي وابنه لوراش وصديق العائلة وليامز فلوغانر.
11- سنة 1961: اختفاء 12 مركبا و العثور على سفينة “كارول دبرينغ” وعلى متنها “هران” دون أثر لركابها.
12- سنة 1963: اختفاء الفواحة الأمريكية “تريشر” وأيضا سفينة “كبريت” ثالثة تابعة للملاحة الأمريكية.
13- سنة 1967: اختفاء المركب “دويتشي كرافت” وعلى متنه رجلان .
14- سنة 1973: اختفاء سفينة الشحن الألمانية “أنيتا” وعلى متنها حمولة 13 ألف طن من الفحم.
أهم الطائرات المختفية
1- سنة 1931: اختفاء أول طائرة كان يقودها المهرب الأمريكي “هيربي بوند”.
2- سنة 1945: اختفاء 6 طائرات تابعة لسلاح البحرية الأمريكية.
3- سنة 1948: طائرة نقل وعلى متنها 31 راكبا من بينهم ماريشال سلاح الجو البريطاني “أثر كانيغهام” إلى جانب طائرة أخرى من نوع (دي سي 3).
4- سنة 1949: طائرة ثالثة من نوع (دي سي 3) وعلى متنها عشرين شخصا تابعة للشركة البريطانية.
5- سنة 1950: طائرة غلوب ماستر الأمريكية، ثم طائرة أمريكية أخرى وعلى متنها عدد كبير من المبشرين وعائلاتهم.
6- سنة 1954: طائرة تابعة للبحرية الأمريكية كانت تنقل 42 شخصا .
7- سنة 1956: طائرة استطلاع مالية أمريكية.
سفينة “الداهاما” تغرق لكن تطفو إلى السطح بعد أيام
ظواهر وأمور غريبة من بين العجائب عرفتها منطقة “مثلث برمودا” بعض السفن خالية من ركابها تطفو إلى سطح المحيط الأطلسي كالأشباح، دون أن تتعرض للتحطيم أو سوء، هناك أمثلة على ذلك وأكثر من تلك الدلائل شهود عيان، ولعل أغربها سفينة “الداهاما” وما حملته من أسرار ظلت غامضة لحد اليوم، هذه السفينة كانت على وشك الغرق بعدها تعرضت لمصاعب لم تتمكن من مقاومتها ومن حسن الحظ مرت بجوارها سفينة “ريكس” فسارع قبطانها إلى إخلاء الركاب والبحارة إلى سفينته .
ووقف الجميع يراقبون “الداهاما” وهي تغوص في أعماق البحر شيئا فشيئا حتى اختفت نهائيا تحت المياه، لقد غرقت أمام أعينهم لكن بحارة “أرتيك” رأوها عائمة بعد أيام فقط وصلت إلى مرفأ بوستول في إنجلترا سنة 1935، خاصة وأن سفينة “أرتيك” كانت قد وصلها خبر أن “الداهاما” تتقاذفها أمواج مثلث برمودا الرهيب.لكن هل يمكن حدوث ذلك فعلا؟
أمور كثيرة في أوج الغرابة تشهدها المحيطات لم يتمكن العلم من تفسيرها، وهناك ظاهرة أخرى جد غريبة تمثلت في وصول سفينة تسمى “كارول أدبرينغ” في شهر فيفري 1921 إلى كاب “هاتيراس” شمال كارورينا، وبكل هدوء اصطدمت برمال الشاطئ دون أن تقلق المرافئ أي إشارة منها أو من سفينة أخرى، لكن المفاجأة تكمن في إيجادها خالية تماما من أي إنسان، و حين بحث حراس الشواطئ على سجل السفينة في غرفة القبطان لم يجدوه و لا حتى أي أدوات خاصة لمعرفة الاتجاهات، بل الأغرب من هذا كله أن هذه السفينة كانت بكامل تجهيزاتها ولا أثر يدل على تعرضها لأي خطر بل وجدوا موائد الطعام في مكانها والصحون مليئة بأنواع الطعام إلا قليلا، وكان البحارة أكلوا لقيمات ثم تبخروا في أماكنهم.
ظاهرة ثالثة أغرب من الغرابة تمثلت في لحظة اختفاء خمس طائرات فوق مياه الأطلسي، كانت من نوع “إفيفر” تقوم عند ظهر يوم 5 ديسمبر 1945 بمهمة استطلاع روتينية ولم تعد إلى قاعدتها وكان برج المراقبة قد تلقى مخابرة من طرف قائد السرب الذي يضم 27 رجلا يقول فيها:”إننا نشاهد اليابسة ولا ندري أين نحن؟، البحر غريب وكان ضبابا أصفر يغطي الأفق من الممكن أن نكون على بعد 285 ميلا شمال شرق القاعدة إننا تائهون تماما”، وانقطع الاتصال نهائيا، وتم إرسال طائرة ضخمة مجهزة خصيصا لاستقصاء الرجال وعلى متنها 13 رجلا للبحث عن الطائرات الست لكنها اختفت بدورها ولم تعد إلى القاعدة أبدا.
ما لا يصدقه المنطق.. وعجز أمامه العقل
إن الحديث عن مثلث برمودا لا يخلو من المتعة والإثارة والتشويق وأيضا من الحيرة والغرابة والتساؤل:” ماذا يخبئه من أسرار؟.. إن اختفاء عشرات السفن والطائرات في ظروف مناخية جيدة وأحوال جوية حسنة في المنطقة المثلثة هذه لا لا يصدقه المنطق، ولكن أمام عجز العقل البشري وما توصل إليه من علوم متطورة عن فهم ما يحدث فعلا في هذا المثلث المائي ودون إيجاد تفسير له أصبح المجال مفتوحا لجميع الاحتمالات التي تتغذى من الأفكار الأسطورية وعلم الخيال، أحيانا هناك من يفسرها بوجود قوة غريبة عن كوكب الأرض هي المسؤولة عن تلك الحوادث، بل هناك مخلوقات من كواكب أخرى جاءت على متن صحون طائرة واتخذت مثلث برمودا قاعدة سرية لها وفي ظل هذه التفسيرات وعدم وجود أي أثر مادي لتلك السفن والطائرات المفقودة يبقى مثلث برمودا السر الذي حير العالم والعلماء.