تكنولوجيا

أزمة مناخية تهدد قطاع التكنولوجيا العالمي

تشير تقارير دولية إلى أن أزمة المناخ المتصاعدة قد تُحدث اضطرابًا كبيرًا في قطاع التكنولوجيا، من خلال تهديد إمدادات أشباه الموصلات والتي تُعد القلب النابض للصناعات الإلكترونية الحديثة.

 

حيث توقعت شركة “برايس ووترهاوس” أن يعاني العالم من تعطل ما يقارب ثلث الإمدادات العالمية للرقائق الإلكترونية بحلول عام 2035، نتيجة ندرة المياه وارتفاع المخاطر المناخية في الدول المنتجة للمواد الخام الأساسية وعلى رأسها النحاس، وتؤكد البيانات أن إنتاج النحاس يتطلب كميات هائلة من المياه حيث تُستهلك نحو 1600 لتر لاستخراج 19 كيلوغرامًا فقط من هذا المعدن مما يزيد من صعوبة استمرار الإنتاج في مناطق تعاني من الجفاف مثل تشيلي التي تُعد من أكبر المنتجين على مستوى العالم.

 

النحاس مورد حيوي تحت الضغط

يُستخدم النحاس بشكل رئيسي في تصنيع الأسلاك المجهرية داخل دوائر الرقائق الدقيقة، وهو ما يجعله عنصرا لا غنى عنه في سلسلة التوريد العالمية للتكنولوجيا، ومع توقعات بأن يتجاوز الطلب العالمي على النحاس العرض المتوفر بنسبة تفوق 40 بالمائة بحلول عام 2040 ، فإن التحدي يبدو مضاعفا، خاصة في ظل التوسع في استخدام النحاس في مجالات أخرى مثل مشاريع الطاقة الشمسية وشبكات الكهرباء الحديثة، وهذا النمو في الطلب يُضاعف الضغط على الموارد الطبيعية، ويزيد من صعوبة الحفاظ على استقرار الإمدادات الصناعية.

 

التحول نحو حلول بديلة ومستدامة

من أجل التصدي لهذا التحدي العالمي، تتجه الشركات المصنعة للرقائق والدول المنتجة للنحاس إلى استراتيجيات بديلة تهدف إلى تقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية النادرة، منها تعزيز كفاءة استخدام المياه من خلال إعادة التدوير واستثمار الأموال في إنشاء محطات لتحلية المياه في المناطق الجافة، كما يتم العمل على تطوير تقنيات تصنيع جديدة تعتمد على معادن بديلة مثل الفضة والمواد النانوية القائمة على الكربون، والتي قد تُستخدم بدلا من النحاس دون التأثير على كفاءة الأداء، بالإضافة إلى ذلك تسعى بعض الشركات إلى تصميم رقائق إلكترونية أصغر حجماً وأكثر كفاءة في استهلاك المواد الخام والمياه.

 

إعادة التدوير كطوق نجاة مستقبلي

تُعد إعادة التدوير أحد أبرز الحلول المطروحة لمواجهة النقص المتوقع في النحاس، حيث تشير البيانات إلى أن نحو ثلث استهلاك العالم من النحاس في عام 2022 جاء من مصادر مُعاد تدويرها، وتُعد هذه النسبة مشجعة نظرا لأن النحاس يُصنف من المواد القابلة لإعادة الاستخدام دون أن يفقد خصائصه الفنية، مما يُعزز فرص الاعتماد عليه كمورد دائم ومستدام وتؤكد الجمعيات الصناعية المتخصصة أن تطوير منظومة تدوير عالمية فعالة يُمكن أن يُخفف من أزمة نقص الموارد ويحمي الصناعة من تقلبات التوريد.

 

صناعة تحت تهديد متصاعد

تُعد أشباه الموصلات من المكونات الأساسية التي تدخل في تصنيع معظم الأجهزة الإلكترونية من هواتف ذكية وأجهزة حواسيب، إلى سيارات وأنظمة ذكية وقدرت تقارير اقتصادية أن تصل قيمة هذه الصناعة إلى تريليون دولار بحلول عام 2030 مدفوعة بزيادة الطلب على تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة، غير أن استمرار اعتماد الصناعة على موارد محدودة مائياً مثل النحاس والسيليكون يُنذر بمخاطر كبرى مستقبلاً، خصوصاً أن بعض الدول الرئيسية المنتجة مثل الصين، تايوان، كوريا الجنوبية وأمريكا تواجه جميعها تحديات مناخية متزايدة ما يُهدد بتراجع في الإنتاج أو ارتفاع كبير في التكاليف.

 

التحول الطاقي يضاعف الضغوط

في خضم هذا المشهد، تتزايد الضغوط الناتجة عن التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، حيث يعتمد التوسع في الطاقة الشمسية والطاقة الكهربائية على نفس المعادن التي تحتاجها صناعة الرقائق ما يُفاقم التنافس على الموارد الطبيعية ويرفع أسعارها عالميًا، وتسعى الدول المتقدمة إلى التوفيق بين الحاجة إلى التحول الأخضر وحماية سلاسل الإمداد الحيوية، وهو توازن دقيق يتطلب تنسيقاً دولياً وتشريعات محفزة للاستثمار في التقنيات البديلة.

تمثل أزمة المناخ تهديدًا استراتيجيًا لصناعة أشباه الموصلات من خلال تأثيرها المباشر على إمدادات المياه والمعادن، كما أن الارتفاع الكبير في الطلب العالمي على النحاس يعكس حاجة ملحة لإيجاد حلول تقنية وصناعية مبتكرة، تضمن استمرارية الإنتاج دون الإضرار بالموارد الطبيعية، وهو ما يتطلب تنويع مصادر التوريد وتوسيع قاعدة المواد المستخدمة وإعادة تصميم البنية الصناعية، بما يواكب التغيرات البيئية العالمية.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى