
شاركت أد. البروفيسور “زهية بن عبد الله”، الباحثة بالمركز الوطني في البحوث في عصور ماقبل التاريخ علم الإنسان والتاريخ، المعروف اختصارا ب”CNRPAH”، في احتفالية المعرض الموسوم بـ “لقاء الخط بوهران”، الذي يحتضنه المتحف العمومي الوطني “أحمد زبانة”، بوهران على مدار شهر كامل، يعرض 50 لوحة في “الخط العربي” من تشكيل 19 فنانا جاؤوا من مختلف ربوع الوطن.
وكانت مشاركة البروفيسور “زاهية بن عبد الله” مهمة، إذ قدمت محاضرة قيمة عنونتها بـ “الغنائيات الجمالية في سرديات كاليغرافية: ثورات حروفية”، والتي أبرزت من خلالها أن الفن يهدف إلى البحثعن الجمال بواسطة تسخير الطاقة والعقل ليعلو بذاته فيحقق رغبة، والكاليغرافيا من الوجهة الفلسفية ومن حيث هي فن، تقع ما بين قيمة الخير والنفع والمثل، فهي عين الجمال.
مضيفة أنه يعتقد أن عبارة “كاليغرافيا” هي عبارة قديمة ذات أصل يوناني، وهي تعني حسن الخط والكتابة، متسائلة عن “الخط العربي” لماذا هو موضوع فلسفة الجمال، لتوضح أن هذه الإشكالية تجيب عنها “جينيالوجيا” تطور الحرف العربي والظروف المصاحبة لذلك، فالخط العربي بحكم كونه كاليغرافيا، هو تطور لنوع من الكتابة من غرضها الوظيفي النفعي إلى شكلها الاستيطيقي بكل ما يحمله هذا التطور من قبل وتنوع حضاري وثقافة تكون حسب العصور.وتضيف البروفيسور “بن عبد الله”، أن ذلك يعود إلى عوامل التأثير والتأثر المصاحبة لتوسع ربعة الفتوحات الإسلامية، وعليه بساطة الجاه والسلطان على الأراضي العربية والأعجمية، ما جعل مسألة الأذواق في ازدهار مستمر إلى حين ذاك، وهذا ما يوجد على الأقل في حفريات الموروث الإسلامي والعالمي.
وأردفت البروفيسور”زهية بن عبد الله”،أن جمالية الحرف العربي تأتي بالأساس من قدسيته، فأنا كان الرسم التصوري والتجسيدي محرما لدى بعض رجال الدين، توجهت الأذواق اتجاه جماليات الخط، فعرف الكثير من التليين والتطويع والتحوير وبدليل تهدد خطوطه وأمشاقه وأسطحه، وسعادة صحائف المخطوطات وأعناق البنايات وذخائر التحف.
وفي الجزائر حسب ذات المحاضرة البروفيسور “بن عبد الله”، فإن المدرسة الحروفية تعد الأخت الصغرى لمدرسة الخط العربي التقليدي، وهي من المدارس القوية المبدعة في عالم الفن، بفضل راجلها وروادها الذين أحدثوا ثورة في هذا المجال، منذ مطلع القرن المنصرم ومازالوا إلى اليوم في شغف وإبداع متزايد، وما تصنيف ملف “الفنون والمهارات المرتبطة بعنصر الخط العربي” في القائمة التمثيلية للبشرية لدى اليونسكو، إلا انتصار لهم ولعالم الجمال.
وفي إجابتها عن بعض الأسئلة لجريدة “البديل”، ردت البروفيسور “زهية بن عبد الله” بما بلي:
تصنيف الخط العربي باليونسكو خطوة مهمة في حفظ تراثنا
وفي إطار تصنيف الخط العربي ضمن التراث اللامادي بالمنظمة العالمية لليونسكو، فقد ذكرت البروفيسور “زهية بن عبد الله” أن المركز الوطني في البحوث في عصور ما قبل التاريخ علم الإنسان والتاريخ، الذي يعتبر الذراع العلمية لوزارة الثقافة والفنون والحامل لحقيبة تسجيل التراث الثقافي اللامادي.
وبصفتها باحثة وإطار في الوزارة، فقد تمكنت هي ورفيقتها من تسجيل الخط العربي عن الجزائر رفقة خبراء 15 دولة عربية في اليونسكو سنة 2021، بعد جهد كبير من العمل الميداني الموثق، لاكتمال الملف الذي يضم كل العناصر المطلوبة في التصنيف، وقد انطلقت ذلك في 2019، وصادفته جائحة كورونا التي أرهقت فريق العمل ومنهم الخطاطين، خاصة وأن معظمهم يشتغل بصفة فردية.
وأردفت ذات المتحدثة، أن الهدف من التصنيف هو نيل الاعتراف الدولي، الذي لا يمكن أن يتم إلا إذا توفرت كل الشروط في الملف الوطني، وذلك من خلال جرد كل العناصر المرتبطة بالعنصر المغني بالتسجيل. وأيضا اتفاقية 2003 الخاصة بصون التراث اللامادي، التي تؤكد على ضرورة حماية الدول المصادقة عليها لتراثهم والاشتغال على صيانته وطنيا ودولية.
موضحة أن الجزائر سجلت ملفات فردية خاصة بها على مستوى اليونسكو، كما سجلت ملفات مع دول إفريقية كي”إمزاد” وعربية مثل النحاس…، مشيرة إلى أن البلد الذي يطرح فكرة التسجيل هو الذي يقوم بالتنسيق مع باقي الدول المعنية، وعلى هذا الأساس، تقول الدول أن هذا العنصر تراثها وهي تمثل صوت مجتمعاتها الراغبة في حفظه وتصنيفه، سواء حرفة، فنوعندما يحصل القبول، يكون بمثابة اعتراف لهذه الجماعات بأحقيتها في صوت تراثها وفي نفس الوقت واجب الدولة بأن تصونه من خلال التوثيق، الترويج، الاحتفال به، العمل على تنظيم مهرجانات، معارض واحتفاليات على غرار معرض اليوم الخاص بالخط العربي.
السعي لإنشاء أكاديمية حروفية
وفيما يتعلق بالتطلع لإنشاء “أكاديمية حروفية”، فقد أوضحت البروفيسور “زهية بن عبد الله” لجريدة “البديل”، أن هذه الأمنية من بين التوصيات التي طالب بها الحروفيون، لأن المدرسة الحروفية لها روادها، لكن بالمفهوم الأكاديمي غير موجودة، لذلك -حسبها-، لابد أن يتجسد معهد للحروفية ومعهد الخط العربي، وبالتالي سواء على مستوى الأفراد أو الدولة لابد من تنسيق الجهود وتوفير إرادة سياسية فاعلة من أجل تحقيق الهدف، خاصة وأن الجزائر بها عمالقة في الفن، الخط، الحروفيات… لكن حتى يكونوا محجا لابد لهم من رؤية أوضح، والتي تتأتى لهم من هذه الأكاديمية أو المدرسة من خلال نظامها، ميثاقها….
الفرق بين الحروفية والخط العربي
ولتوضيح الفرق بين الحروفية والخط العربي، ذكرت البروفيسور “زهية بن عبد الله”، أن الحروفية تعتبر الأخت الصغرى للخط العربي، لأن الأصل في الخط العربي أنه خط صارم القواعد، له ميكانيزمات تقليدية لا يمكن الخروج عنها مثل الخط الكوفي، النسخ، الثلث، الرقعة وهو فن يأتي دائما جميل لكنه صارم، بينما الحروفية، قد اقتبست الألوان، الحرية في التشكل، التركيبات.
المرأة غابت عن هذا المعرض لكنها حاضرة في تظاهرات أخرى والإنترنت ساهمت في اندماجها
وفي ردها عن سؤال لجريدة “البديل” عن غياب المرأة عن معرض “لقاء الخط بوهران”، فقد عادت البروفيسور “زهية بن عبد الله” إلى الزمن الغابر، مذكرة أن هذا النوع من الفن كان محصورا أكثر بين الرجال وذلك لأنه كان يمارس خاصة ببلاط الملوك ودواوين السلاطين.
كما كان حسبها العلماء ذكورا أكثر من الإناث في تراثنا، رغم وجود قلة قليلة جدا من النساء، وذلك لأن هذا النوع من الفن يتطلب صرامة الفرد ودقة الملاحظة والتطبيق، لكن مع مرور الوقت عُرفت نساء شرفت مجتمعاتها، بحكم أنها كانت تمارس الخطاطة لكن ليست الرسمية إن أمكن القول وإنما استجابة لهوايتها ورغبتها الفنية فقط.
أما فيما يتعلق بالحروفية، فهي فن معاصر، ومسألة الاختلاط لم تعد مطروحة كما في الماضي، بل أصبحت أكثر مرونة وليونة، لأن المعلم أصلا هو رجل (الخطاط). مضيفة أن هذه الطبعة تخلو من العنصر النسائي، لكن تظاهرات أخرى في نفس المجال تعرف مشاركة نسائية مقبولة، وقد حدث هذا في عديد المناسبات، لأن هذا النوع من الفن لم يعد يخص الرجل فقط، بل أصبحت المرأة تمارسه وتتجه للتخصص فيه، فالفتاة اليوم تدرس، تذهب إلى الجامعة، تتجه إلى العمل خارج البيت، وبالتالي لم يعد هناك ما يمنعها من الالتحاق بركب الفنانين في هذا النوع الجمالي، إضافة إلى أن الانترنت اليوم ساهمت بشكل كبير في تطوير الممارسة الفنية في إطار هذا المجال، إضافة إلى وجود جمعيات ناشطة مثل جمعية “الراقم” بالمدية.
يذكر أن معرض “لقاء الخط بوهران”، يتم بالتنسيق بين المتحف العمومي الوطني “أحمد زبانة” ورواق الفن كور بإشراف وزارة الثقافة والفنون.
ميمي قلان



