
في أحد أقسام مركزMTI بوهران، حيث تضج الطاولات الصغيرة بقطع إلكترونية وأسلاك دقيقة وشاشات مضيئة، تجلس آلاء إلى جوار شقيقتها هناء، تجمعهما روح المغامرة نفسها، وإن اختلفت ميول كل منهما مشهد كهذا يعكس صورة الجيل الجديد: فتيات في مقتبل العمر يخترن ولوج مجال كان يُحسب طويلًا على الذكور، ليؤكدن أن الشغف لا جنس له، وأن العزيمة قادرة على صنع الاستثناء.
آلاء: شغف طفولي تحول إلى مسار
تقول آلاء، صاحبة الأربعة عشر عامًا، إنها وجدت نفسها في عالم التكنولوجيا منذ الصغر، حيث كان حلمها الدائم أن تصنع روبوتًا خاصًا بها. فرصة الالتحاق بالمدرسة جاءت حين اقترحت والدتها على الأختين التسجيل، لتشعل بداخلها حماسًا لم يتوقف حتى اليوم آلاء ترى في الأمر أكثر من مجرد هواية: إنه انتماء لمجال يمنحها القدرة على التفكير بحرية وبناء شيء ملموس بيديها.
ورغم أن المجتمع عادة يربط هذا المجال بالذكور، إلا أن آلاء كسرت القاعدة بثقة، قائلة إن القدرات لا تفرّق بين أنثى وذكر، بل بين من يسعى ومن يتراجع.
هناء: قرار التجربة.. واكتشاف الذات
على عكس شقيقتها، لم يكن شغف التكنولوجيا يسكن هناء منذ البداية ذات الثالثة عشرة عامًا التحقت بالمدرسة بدافع الفضول والرغبة في التجربة، لتكتشف لاحقًا أنها دخلت إلى عالم واسع ساعدها على تنمية مهارات لم تتوقعها. أكثر ما جذبها هو فن العروض التقديمية، إذ تعلّمت كيف تعرض فكرتها أمام الآخرين بثقة، وهي مهارة ستخدمها في أي مسار تختاره لاحقًا. ورغم أن حلمها الأكبر أن تصبح طبيبة، إلا أن تجربتها في المدرسة منحتها زاوية جديدة تنظر منها إلى التكنولوجيا، باعتبارها هواية تفتح أمامها فضاءً للتعلم والتحدي.
تصريحات تكشف عن جوهر التجربة
آلاء تتحدث بصراحة عن التحديات التي واجهتها، خاصة حين اجتمع ضغط الدراسة للتحضير لشهادة التعليم المتوسط مع الاستعداد للمسابقة الوطنية. لم يكن الوقت كافيًا، لكنها قاومت، وغيّرت فكرة الروبوت مع فريقها ثلاث مرات في يوم واحد قبل أن تصل إلى النموذج النهائي: روبوت لقياس درجة الحرارة والرطوبة في غرف الأطفال بالمستشفيات، مصمم على شكل لعبة بعينين وعجلات ليزرع الطمأنينة بدل الخوف. التجربة أثمرت تتويجًا في المراتب الأولى، وتقديرًا من لجنة التحكيم فاق توقعاتها.
أما هناء، فقد اختارت مشروعًا مختلفًا يقيس درجة الحرارة وجودة الهواء، شاركت به في نفسالمسابقة تقول بابتسامة إنها لم تحقق المراتب الأولى، لكنها تعلمت الكثير من التجربة، وتعتبر أن التقييم الجيد كان حافزًا إضافيًا للاستمرار.
المدرسة كفضاء ملهم
بين السطور، يظهر فضل المدرسة بوضوح، ليس في ما يقال عنها مباشرة، بل في ما عكسته شهادات الأختين. فآلاء تعترف أنها تعلمت هنا أسس البرمجة وصنع التطبيقات والمواقع الإلكترونية وحتى الألعاب و كل ما يتعلق بالالكترونيك، بينما تؤكد هناء أن بيئة المدرسة منحتها فرصة اكتشاف ذاتها وصقل شخصيتها. الدعم الذي يقدمه الأساتذة، حسب وصفهما، لا يتوقف عند تصحيح الأخطاء، بل يمتد إلى تعليم الطلبة كيف يبحثون عن الحلول بأنفسهم، وكيف يحوّلون كل عثرة إلى فرصة جديدة.
مشاريع، أحلام وآفاق مستقبلية
بالنسبة لآلاء، فإن المستقبل لم يتضح معالمه كليًا بعد، لكنها واثقة أنه سيكون مرتبطًا بالتكنولوجيا، المجال الذي يمثلها منذ الطفولة. إلى جانب حبها للروبوتات، تستمتع بالرسم وقراءة الكتب والقصص السياسية، وهو ما يمنحها نظرة مختلفة عن جيلها.
أما هناء، فتتمسك بحلمها في أن تصبح طبيبة، لكنها لا تنكر أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا من يومياتها، ومجالًا تتعامل معه بشغف الهواية. في الحالتين، تؤكد الأختان أن المدرسة لم تكتفِ بتعليم المهارات التقنية، بل منحت لهما فرصة الإيمان بقدراتهما وصناعة أفكار قد تتحول إلى اختراعات تخدم المجتمع.
جيل مختلف يبحث عن الذات
قصة آلاء وهناء ليست مجرد حكاية أختين التحقتا بمركز للتعلم، بل صورة عن جيل جزائري يبحث عن ذاته وسط عالم سريع التغيّر. جيل تتشكل طموحاته في فضاءات تعليمية حديثة، تفتح له الأفق ليبتكر، ويتعلم، ويخطط لمستقبل مختلف. وما تجربة الأختين إلا دليل حي على أن الاستثمار في مثل هذه المدارس هو استثمار في الإنسان أولًا، وفي مستقبل وطن بأكمله ثانيًا.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله