
تعـرف ولاية تلمسان خلال فصل الصيف وإلى غاية بداية الخريف إقامة المواسم الدينية أو ما يسمى بالوعدات لإحياء أمجاد الأولياء الصالحين الذين أنجبتهم المنطقة وهم أجداد للقبائل المشكلة للمجتمع التلمساني، حيث تخليد هؤلاء الأجداد العلماء العاملون العابدون المجاهدون ضد كل محتل لا يقتصر على إقامة التظاهرات والمواسم الدينية بل وأن العديد من بلديات الولاية أعطيت لها أسماءهم من أمثال بلديات مغنية وسيدي الجيلالي، ووعـدة الشيخ مولاي الطيب والولي الصالح لزاوية سيدي عيسى ببلدية شتوانوبوغـرارة وسيدي بوجنانوالعنابرة وقرية بيدر ومسيردة…وغيرها، وتتسم الوعدات التي يتكفل بها الأهالي من أتباع وأحفاد كل ولي صالح بنصب الخيم عند مقامات وأضرحة هؤلاء الأسلاف لأيام معدودة يتم خلالها إطعام المساكين وتلاوة القرآن الكريم وتلاقي الأهالي علاوة على بعض الممارسات التجارية والرياضية لاسيما منها ألعاب الفروسية التقليدية التي تجلب إليها المقبلين على هذه التظاهرات.
وعدة الولي الصالح سيدي أمحمد الواسني
ولعـلّ وعـدة الولي الصالح “سيدي أمحمد الواسني” هي من أكبر هذه المواعيد التقليدية التي شهدتها منطقة مغنية على مدار اليومين الأربعاء والخميس وفودا غـفـيرة من مواطنى ولاية تلمسان وحتى الجهة الغربية من الوطن، إذ لم ينقطع السكان على إقامتها منذ قـرون مهما كانت ظروفهم لما لهذه المناسبات من دور في ربط حاضرهم بماضيهم كما يؤكـد على ذلك منظمو هذه الاحتفاليات، حيث عاش سكان بلدية مغنية وبلدياتها المجاورة أجواء من الفرجة طبعتها فعاليات إحياء وعـدة الولي الصالح الذي يقـترن اسمه بالمنطقة وهو الموعد التي يضربه كل سنة في مثل هذه الأيام سكان الجهة وغـيرهم من الضيوف القادمين من كل حدب وصوب من ربوع الجزائر خاصة من الجهة الغربية على غرار، تلمسان، سيدي بلعباس، تيارت، عين تموشنت…وغـيرها، الذين اعـتادوا على تبادل الزيارات في مثل هذه المناسبات للمشاركة بفرسانهم.
وتعتبر هذه الوعـدة المخلّدة من أكبر التظاهرة الثقافية بالمنطقة وطابعا موروثا أبا عن جدّ لعرش أولاد سيدي أمحمد الواسني، ولما تحمله هذه العادة الحميدة من بعـد روحي وحضاري اتخذ منها سكان مغنية عامة وبني واسين خاصة وأقربائهم موعدا للقاء والتزاور والتشاور بين كبار العرش والتصالح بتجديد العلاقات بين أفراد العرش الذي حافظ عنه الأهالي بنسقه وطقوسه عبر العصور رغم التقدم الحضاري في ظل المعلوماتية وتبادل الثقافات والعولمة الشاملة، فضلا عن معايشة فنطازيا الخيول والبارود التي يشارك فيها العشرات من الفرسان الذين يأتون من مختلف الولايات بزيّهم التقليدي المتمثل في البرنوسالجريدي والسروال العربي والشاش “القـنار” المصفف بالخيط والبندقية ليسحروا الألباب بعروضهم الرائعة أو ما يسمى في الكثير من المناطق “بالعلفة”، وما يزيد المشاهد روعة وجمالا هي تلك الزغاريد المنبعثة من هنا وهناك تعبيرا عن الفرحة التي أحالت الوعـدة إلى عرس حقيقي يسوده النظام والاحترام المتبادلين فضلا عن حفاوة استقبال الأهالي لضيوفهم والعابرين من شيوخ العرش والوفود الحاشدة في كل بيت تأكيدا على الكرم الطائي الفياض، حيث لا يخلو بيت من الضيوف ونظرا لازدحام الوافدين تنصّب الخيم في كل مكان عـبر الساحات، حيث تفرش البسط وتصف الموائد وتحضر جفان الكسكس واللحم الشهي فيأكل الجميع هنيئا وشربوا مريئا، كما أن هذه الوعـدة التي يقصدها أبناء المنطقة والزوار من مختلف ولايات الوطن ليست فرصة للقاء والتعارف والتزاور والمصاهرة فقط، وإنما كانت مكانا للكثير من القضايا التي لاتذهب إلى العـدالة يتم حلها وديا بين كبار العروش لاسيما تلك الخلافات التي تحدث في أغلب الأحيان على الحرث والحدود العرشية والاختلاف بين العائلات في مسألة ورث أو طلاق.
الولي الصالح “سيدي أمحمد الواسيني”
تفـيد المصادر التاريخية أن المغفور له الولي الصالح “سيدي أمحمد الواسيني” ولد في حدود سنة 1771 بالسهل الخصب الممتد على أطراف نهر مويلح ونهر تافنة وينحدر نسبه من بني مرين، بنو ورتاجن، بن ماخوخ، بن فاتن، بن يذر، بن يخفث، بن عبد الله، بن ورتنيص، بن المعز، بن إبراهيم، بن سحيق، بن واسين (هؤلاء هم إخوة بني يلومي ومديونة وهم خمسة بطون – بنو عبد الواد، وتوجين، ومصاب، وبنو زردال، وبنو راشد بن محمد)، حسب ما ورد في كتاب تاريخ العرب والبربر وزناتة لابن خلدون “الجزء الرابع” الذي أهداه على المستنصر أبي العباس الذي تولى إمارة تونس ما بين سنة (772 هـ إلى 792 هـ)، وينسب سيدي أمحمد الواسيني إلى سحيق بن واسين، ابن ازليتن، ابن ماسرة، ابن زكية، ابن جراوة، ابن عدلت، ابن شانة (الذي هو أب زناتة الذي ينسب إلى كنعان بن حام) الذين سكنوا التل الجزائري في القرن الثاني عشر، وذلك حسب الدراسة التاريخية للشيخ أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الورتلاني المتوفي سنة 570 هــ/ 1175م.
وقد توفي رحمه الله سنة 1846م ويعـد ضريحه مقاما صالحا موقرا ومزارا سنويا.
“رحــو نصر الدين” مكلف بتنظيم الوعـدةورئيس جمعية الفروسية بمغنية :
بهذه المناسبة السعيدة التي هي وعدة الولي الصالح سيدي أمحمد الواسيني يتشرف سكان مدينة مغنية قاطبة وعرش بني واسين على وجه الخصوص بالتوجه إلى الله عـز وجل بالشكر على ما أنعمه علينا من خير وبركات وامن في هذه الربوع السعيدة…فهذه الوعـدة تقام سنويا إما في الأسبوع الأول من شـهر أوت أو في بداية الأسبوع الأول من شهر سبتمبر كما جرا العادة منذ الأزل، بحيث أن الأجداد والآباء وما قـبل أن الأجداد كانوا يلتقون في هذا المكان المبارك، هذا المكان الذي يحمل في جنباته الكثير من المعاني الجليلة، معاني الإخلاص والتسامحمعـاني الود والتضحية والتضامن والجهادومعاني المحبة والأخوة والسعادة، في هذا المكان كان المجاهدون الأشاوس الأوائل إبان الثورة التحريرية وما قبل الثورة التحريرية يعقدون اجتماعات سرية ويديرون بعض الأمور أمام أعـين العدو وهذه الأعين لاتتبصرهماليوم نحن نحـيي هذه الذكرى تحت شعار (التضامن…التضامن ثم التضامن بين أبناء الشعب الجزائري قاطبة)، وبهذه المناسبة نتوجه بالشكر الخالص إلى كل الأشخاص وسكان مدينة مغنية والسلطات المحلية والأمن على اختلاف أسلاكه الذين ساهموا من قريب أو من بعيد في إنجاح هذه التظاهرة السنوية السعيدة التي هي وعدة الولي الصالح سيدي أمحمد الواسيني، كما أغـتنم الفرصة من خلال هذه المناسبة لأشكر الفرسان الذين أبدعوا في عرض لعبة الفروسية وهناك من المقدمين الذين هم رؤساء فرقة الخيالة وفرسانهم نتوجه لهم بالشكر الجزيل لان لولا هؤلاء الفرسان لما كان هذا النشاط والحيوية الذي تمتع به الزوار والضيوف وسكان مدينة مغنية قاطبة، لأني أعرف حقيقة الفارس ومعاناته اليومية من تحضير للفرس سواء من ناحية الإطعام أو الإيواء والعلاج والسرج وحراسته…وغير ذلك من الأمور التي تتعلق بتربيته وهذا كله طبعا من ماله الخاص دون أي دعم لا من الدولة ولا من السلطات المحلية، إذ تبلغ تكلفة الحصان الواحد للقيام بعملية تربيته دون احتساب تكلفة تهيئته وتحضيره لمثل هذه المناسبات ما لايقل عن 06 ملايين سنتيم شهريا، فما بالك من يملك 15 حصانا أي علفة كاملة…فحضور الفرسان لإحياء مثل هذه التظاهرات يكون أولا بفضل الله سبحانه وتعالى وثانيا من جيوب الفرسان، وهذا من أجـل هـدف واحـد وهو الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الشعبي، وكما لاحظتم الوعدة مرت بصفة عادية كل الناس تناولت الطعام هناك جلسات أقيمت لتلاوة القرآن الكريم والذكر، بالنسبة للخيالة كانت مشاركة كبيرة لأكثر من 15 فرقة أتت من دائرة مغنية والنواحي المجاورة لها.
رغم مرور 20 سـنـة على وضع حجرها الأساسزاوية الولي الصالح “سيدي أمحمد الواسيني” لم ترى النور بعد
رغـم مرور حوالي 20 ســنـة على وضع الحجر الأساس لانجاز زاوية لتعليم القرآن الكريم ومبادئ الدين الإسلامي، إلاّ أن المشروع لازال حبيس الأدراج، ولم يحرّك أحدا ساكنا اتجاهه من طرف السلطات المحلية.
المشروع هذا أوالزاوية التي وضع حجرها الأساس مع نهاية الأسبوع الأخير من شهر ماي 2005 من “جوبيلي” أو الأسبوع الثقافي والرياضي للرئيس الأسبق رحمه الله “أحمد بن بلّـة” على يده، تحمل اسم الولي الصالح سيدي أمحمد الواسيني تقدّر مساحتها بــ 6440م2 منها 3520م2 مساحة مبنية غير مغطاة، أما 2920م2 فهي مساحة مبنية مغطاة، وحسب البطاقة التقنية فان الزاوية التي كان مبرمجا أن تنطلق بها الأشغال في ظرف لايتعـدّى الشهر في انتظار تسوية جميع الوثائق الإدارية تحتوي على قاعة للصلاة تتسع لــ 1100 مصلّي، بالإضافة إلى مدرسة لتعليم القـرآن الكريم وعلوم الفقه والدين، بها مكتبة مساحتها 87 م2 وخمسة أقـسام تستقـبل حوالي 180 طالب ومطعم طاقة استيعابه 62 شخص ومرقـدين لــ 132 شخص، كما تحتوي المدرسة أيضا على مطبخ و03 مكاتب للإدارة وقاعة الشرف للضيوف ومنزل من صـنـف (F3) خاص بمدير المدرسة، ورواق للمرور على شكل فناء مساحته 700م2 ومدخل 36م2، وثلاث صحون واحد مركزي رئيسي والثاني في المدرسة والآخر في مركز إسكان، أما فيما يتعلق بالمراحيض والحمامات فـتم تخصيص حوالي 28 حجرة خاصة بذلك، وحسب رئيس اللجنة المكلف بالزاوية آنـذاك، أن المبلغ المقـدّر لإنجاز هذا المشروع يقـدّر بحوالي 04 ملايـيـر و500 ملـيون سنتيم. ذ
ع. أمــيــر