الجهوي‎

وعدة “سيدي يحيى بن صفية” بدائرة سيدي الجيلالي

محطة ثقافية شعبية لإحياء تراث وتاريخ الأجداد

اجتمع بداية الأسبوع الجاري رؤساء بلديات سيدي الجلالي والبويهي، رفقة أعيان وسكان المنطقة بمقر الزاوية العلمية “سيدي يحيى بن صفية”، لدراسة وطريقة التحضير للموسم السنوي لوعدة “سيدي يحيى بن صفية”، أحد أكبر المواسم بجنوب ولاية تلمسان، ولتحديد موعد الوعدة السنوية وطريقة التحضير لها، حيث تم تحديد تاريخ الـ 4 و5 من شهر سبتمبر القادم، كموعد لانطلاق التظاهرة التي تدوم 3 أيام.

 

حيث من المنتظر أن يعرف موسم سيدي يحيى هذه السنة مشاركة قياسية للخيالة والفرق الفلكلورية، ليس من ولاية تلمسان فحسب، وإنما من مختلف ربوع ولايات الوطن، على غرار البيض، النعامة، معسكر وغيرها من الولايات المشهورة بالفنتازيا وركوب الخيل.

وعليه، تم ضبط كافة الإجراءات لهذا الموعد الثقافي الكبير، حيث سيتم تزويد فرق الخيالة بالبارود ومختلف المستلزمات الضرورية لإنجاح الحدث الثقافي الهام، والذي سيكون مناسبة للترحم على أحد أعيان المنطقة المجاهد “صالح النهاري”، الذي رحل منذ سنوات” وهو الذي كان يحرص سنويا على إحياء موسم سيدي يحيى ابن صفية، ويعتبره فرصة سانحة لإطعام الطعام وللقاء الأحباب ولم الشمل والإصلاح بين الناس.

كما تعد وعدة الولي الصالح سيدي يحيى مناسبة ذات بعد ثقافي وتاريخي يلتم خلالها الحضور لإحياء عادات وتقاليد متوارثة، وإحدى محطات الجذب والترويج للمنتوج السياحي للمنطقة.

ويؤكد باحثون في التراث الشعبي أن موسم سيدي يحيى فرصة حقيقية لإصلاح ذات البين، حيث تؤدي الوعدة دورا مهما في فض النزاعات القائمة بين الناس بطرق ودية أخوية، وتسبق الوعدات تحضيرات حثيثة، من أجل ضمان تنظيم ناجح واستقبال حار للضيوف والسياح، حيث يحرص شيوخ وأعيان كل قبيلة على إعلام العائلات بموعد إقامة هذه التظاهرة السنوية وتوجه لهم الدعوة للإسهام في تنظيمها، في سياق إحرام قيم أسلاف هذه القبائل المعروفين بكرم الضيافة.

وتعتبر تظاهرات الفنتازيا والخيالة من العادات الأزلية الراسخة، التي تستقطب في مثل هذه المناسبات الزوار، فيرتدي فرسان كل قبيلة ألبستهم التقليدية كالبرانيس والعمامة، فيما تزين الخيول بسروج متنوعة الأشكال والألوان، وبمجرد إعطاء إشارة الانطلاق، تصطف مجموعات الفرسان المعروفين محليا بتسمية العلفة على خط واحد قبل أن يهبوا بعد أمر قائد المجموعة في سرعة كبيرة وهم يطلقون البارود، وتعتبر أحسن علفة تلك التي تتمكّن من تحقيق الانسجام حتى يبدو للجمهور، وكأن الأمر يتعلق بطلقة بارود واحدة مشتركة. وفي نهاية الاستعراض، تظهر على فرسانها ملامح الفخر والاعتزاز بخيولهم المعتادة على مثل هذه التمرينات، وهم راضون عمّا قدموه في سباقهم.

ويصاحب الوعدة دوما نشاط تجاري كبير، حيث تستحدث سوق خاصة بهذه التظاهرات، فيجد التجار والحرفيون ضالتهم بعرض منتوجاتهم من فواكه وأعشاب طبية ومختلف منتجات الصناعات التقليدية، مثل “البرنوس” و”الجلابة”، ويشرع التجار في البيع من خلال إبراز مزايا ونوعية سلعتهم التي تقترح بأسعار معقولة.

وتشكل الوعدة التي تجمع الآلاف من الأشخاص، فضاء مميزا لإبراز قيم الكرم وحسن الضيافة، وتدعو كل قبيلة الحاضرين إلى تناول الكسكسي. كما يسهر القائمون على الوعدة على التكفل الجيد بالضيوف والسياح، وهكذا يقضي الحضور طيلة التظاهرة التي عادة ما تدوم يومين أوقاتا ممتعة من خلال إقبالهم على الألعاب التقليدية، كرقصات العلاوي الشهيرة التي تعبر على أصالة وتراث المنطقة.

وللمناسبة دورا كبيرا في ربط حاضر السكان بماضيهم، كما أن تزامنها مع نهاية حملة الحصاد والدرس وانطلاق حملة الحرث، يحمل الدعوة إلى التضامن والترابط في الوقت الذي تشكل فيه الاستعراضات الفولكلورية، بدورها نوعا من ربط ذاكرة الأجيال الصاعدة بتاريخ الأجداد.

ع. جرفاوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى