تكنولوجيا

هل أصبح الذكاء الاصطناعي خطرا على الفن؟

في ظل تزايد مخاوف الفنانين على أعمالهم

أصبح الفن إحد المجالات التي يهتم بها الذكاء الإصطناعي بل بدأ الفنانون يولون اهتماما متزايدا بهذه التكنواوجبا الحديثة ويسعون للإستفادة أكثر من تقنياتها وخوض تجربة جديدة. وعليه فالكثير منهم أصبح يستعين بالمختصين في المجال وفي مقدمتهم باحثين جامعيين قصد وضع اللمسات التقنية على أعمالهم وإدخال تغييرات حتى لا تكون غير قابلة للاستخدام.

إنّ الشيء الملاحظ بشكل مثير للإنتباه، بروز برامج كثيرة للذكاء الاصطناعي التوليدي بوسعها ابداع صورمن صميم عملها، وعليه يتم استخدام أعمال بعض الفنانين (مشهورين وغير معروفين) في دائرة التدريب، وهذا ما أزعج الكثير من افنانين بل وأبدوا تخوّهم الشديد من أن تصبح أعمالهم الفنية مجرّد تجربة للذكاء الإصطناعي قد يتم استغلالها.

برنامج (غليز) الأمل الوحيد للفنانين

إنّ الكثير من الفنانين العالميين استعانوا ببرنامج (غليز) قصد تعطيل عمل الذكاء الاصطناعي وبالتالي تصبح أعمالهم وبعد خطوتها غير واضحة. للإشارة، فإنّ برنامج (غليز) يحاول توفير الأدوات التكنولوجية لحماية المبتكرين من إساءة استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية ورمي بالأساس إلى تعطيل تقنية التعرف على الوجوه ويعد ابتكار امريكي بامتياز في علوم الكمبيوتر، ولذلك يؤكد مخترعوه بأنهم عملوا بأقصى سرعة على ابتكاره، لأنهم كانو يدركون جوهر الخطورة ونسبة عالية من أعمال الفنانين ستتعرض للتغيير. وبالرغم من أن عدة شركات متخصصة في الذكاء الاصطناعي التوليدي قامت بإبرام عقود قصد ضمان الحقوق المرتبطة باستخدام محتوى معين، إلا أنّ معظم البيانات والصور والنصوص والأصوات المستخدمة لابتكار النماذج استُخدمت من دون الحصول على موافقة صريحة من أصحابها وهذا يعدّ إنتهاكا صارخا للملكية الفنية للفنان ولخصوصياته، وبحسب المراقبون فقد جرى تحميل برنامج (غليز) أكثر من 1,6 مليون مرة، منذ بداية تشغيله في انتظار إطلاق البرنامج الجديد (نايت شايد)

برامج جديدة لحماية أعمال الفنانين

بعيدا عن برنامج (غليز) أبتكرت شركة “سبانينغ” برنامج (كودورو) الهدف منه رصد المحاولات الكبيرة لجمع الصور عبر المنصات المتخصصة، مما يمنح الفنان بعث صور لأعمالهم عكس ما يطلبها الذكاء الإصطناعي ، وبالتالي يًفسد عليه محاولة استغالا تلك الأعمال، ولإنجاح هذه المهمة الفريدة من نوعها فقد قام الخبراء بإدماج أكثر من ألف موقع الكتروني في شبكة (كودورو). كما ابتكرت نفس الشركة لنفس الهدف (هاف آي بِن ترايند) الذي يمنح للفنان القدرة على حماية صور أعماله في حالة عدم استشارته أو الحصول على موافقته. إلى جانب هذا البرنامج الجديد، تم أبتكار أيضا (أنتي فايك) الذي من مهامه الأصلية، إضافة أصواتاً إضافية غير محسوسة للأذن البشرية لتعطيل التزوير العميق للذكاء الإصطناعي، وهي في الأصل مجرد تلاعبات رقمية تتزايد نسبتها وقربها من الواقع. ولكن هذا البرنامج الخير لا يتم استخدامه إلا في مجال اللغة فقط.

الفنانون أمام محك الذكاء الإصطناعي

أكّد الخبراء بأنّ الذكاء الإصطناعي تمكّن من إخراج أعمال فنية كانت مغمورة لسنوات إلى العلن وبفضله أعاد إنتاجها لكن بنسبة كبيرة بتقنياته، وهذا في حد ذاته يؤكد خطره الزاحف الذي يهدد أعمال الفنانين في الصميم. فعلى سبيل المثال تعتبر لوحة الفنان “إدموند دي بيلامي” بوصفها أول عمل فني أنتجه الذكاء الاصطناعي، أصدق مثال على تزايد هذه المخاوف، بحيث تمّ بيعها في مزاد علني بنيويورك، بمبلغ 432 ألف دولار، بحيث أنّ هذه اللوحة أُنتجت بواسطة خوارزمية (أو نظام رياضي) تستند إلى سلسلة بيانات، مستمدة من 15 ألف لوحة فنية، مرسومة بين القرنين الرابع عشر والعشرين. وليس أخيرا، فقد شهد المعرض الدولي الخامس للأعمال الفنية والعلمية ببكين عرضَ أكثر من 120 عملاً فنياً، أبدعها نحو 200 فنان من أكثر من 20 دولة، وكلها وأظهرت تلك الأعمال استكشافات الفنانين المتعدِّدة لمجال الذكاء الاصطناعي، كنموذج فني للابتكار التكنولوجي والابتكار التعاوني للتكنولوجيا والفن بين الآلة والإنسان.

 الفنان.. الإنسان

هكذا تدخلت الألة في إنتاج الفن الذي يعتبر أصلا من ابداع العقل البشري، لإنه لا يمكن أبدا التقليل من قيمة الفنان المبدع والمُلهم الذي لديه تقنيته الخاصة وأدواته الشخصية وأساليبه المتعدّدة، لأنه عمل متفرّد وليس جماعي كما يفعل الخبراء مع الذكاء الإصطناعي. كما أنّ ما يميّز فعلا عمل الفنان هي الصفة أي كما يعبّرُ عنها الخبراء أنها مجموعة من الخطوط، والألوان، والتناسق والتجانس، وحتى الأشياء الكامنة في داخل الإنسان: كالإحساس، والرقة، والهيبة، والجمال، وهو ما يجعل الفارق الكبير والحد الفاضل بين اعماله الأصلية والعمال المُستنسخة والتقليدية العادية، وكل هذا يدخل ضمن نطاق “الجانب الجمالي للفن” لـ” الفنان بحسه وذوقه الجميل”، بينما الذكاء الإصطناعي لا يملك هذا الجانب الشديد الحساسية، التي تنعكس في المدارس الفنية على غرار: الواقعية، السريالية، التجريبية، الرومانسية والتكعيبية. وهذا ما يؤكد عدم التشكيك في القدرات الإبداعية للفنان بصفته الإنسان قبل كل شيء.

في النهاية، يبقى السجال قائماً بين الذكاء الاصطناعي والفن ومعه الفنانون يبحثون عن تكنولوجيا جديدة بغض النظر عن البرامج المبتكرة من أجل حماية أعمالهم الفنية ولا يمكن أبدا للذكاء الاصطناعي تغيير نظرتنا الحقيقية والموضوعية للفن، ممها أدخل عيه من تجديد وعصرنة وتقنيات مُذهلة، لأنّ الصورة التي يرسمها الفنان بريشته عل الورقة ستظل الأصلية التي تجذب كل هواة الفن التشكيلي وحتى سماسرته مهما أحدثت ثورة في التصوير والتعبير الفني في زمن “الديجيتال”.

بقلم: رامـي الـحـاج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى