الثـقــافــة

مناسبة دينية مزجت بعادات وتقاليد اجتماعية

عيد عاشوراء بتلمسان

لقد ظلت العائلة التلمسانية تعيش وتمارس كثير من عاداتها وتقاليدها حاضرا كما مارستها وعاشتها في الماضي، ولم تر فيها أبدا عائق من عوائق التقدم العائلي، بل اعتبرتها رمزا للأصالة وللتمسك وللإنتماء، فبالرغم من المشاكل والصعوبات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وبالرغم من اقتحام نماذج احتفالية جديدة، فإن العائلة التلمسانية محافظة على الظاهرة الاحتفالية بالأعياد ماضيا وحاضرا والإصرار عليها مرتبطة في أبعادها الاجتماعية والثقافية بمرجعية دينية وذلك لما يصاحب هذه الممارسة من أعمال خيرية اجتماعية جماعية، فالاحتفالية فرصة للقاء والتقارب والتماسك الاجتماعي من جهة، ومن جهة أخرى فرصة لإثبات الذات الجماعية وإثبات الهوية الثقافية، يترك المرء يحس بمعنى العيد ومعنى الاحتفالية في الذاكرة الشعبية التي تحتفظ بجغرافية زمانية وثقافية واجتماعية لكل عيد ولكل حفلة فمن عيد الفطر إلى عيد الأضحى ثم باقي الأعياد الأخرى : كـيوم عاشوراء، المولد النبوي، الولادة، الختان أو الطهارة، الخطوبة، الزواج، عيد الميلاد، رأس السنة الميلادية، رأس السنة الهجرية، الناير، الذهاب إلى الحج أو العودة منه، النجاح في الامتحانات، ختم الولد للقرآن، صوم الأطفال لأول مرة، الدخول والتنقل إلى الدار الجديدة، أعياد خاصة بالأولياء…فالظاهرة الاحتفالية بهذه الأعياد يتعدى في حقيقة الأمر الجرد الإحصائي لكل الأعياد وما يصاحب كل عيد من تحضيرات مادية ومعنوية كالطبخ الخاص أي كل عيد تخصص له مأكولات وأطباق خاصة، وكذا اللباس التقليدي، حيث أنه لكل مناسبة لباس خاص بـها، غير أننا سوف نحاول الوقوف على مظهر من مظاهر إحدى هذه العادات الدينية وهي عادة الاحتفال بيوم عاشوراء والتقاليد العائلية والذي استمر حيا منذ القديم حتى الوقت الحاضر الذي زادها قوة وحيوية، حيث تشكل هذه المناسبة بالنسبة لساكنة تلمسان، والذي يصادف العاشر من شهر محرم، مناسبة لإحياء طقوس مفعمة بتقاليد وعادات توارثتها الأجيال في هذه المنطقة التي يغلب عليها طابع التشبث بالأصالة التلمسانية العريقة وتجعل العائلات من هذه المناسبة، التي دأبت على الاحتفال بها، موعدا سنويا يتيح فرصة للاحتفال بطقوس وعادات متجذرة في المنطقة تروم رسم الابتسامة على وجوه الأطفال وإشراكهم فرحة هذا اليوم مع ما يقتضيه من واجب تعزيز وترسيخ التضامن والتكافل بين جميع فئات المجتمع المحلي الذي يحرص على التشبث بتراثه العريق، كما يشكل هذا اليوم “يوم عاشوراء” بالنسبة لساكنة تلمسان مناسبة للصيام والعبادة وترسيخ قيم التضامن الاجتماعي عن طريق منح الفقراء والمحتاجين مقدارا من المال كنوع من الزكاة، حيث يعتبر بعض التجار والباعة بالمنطقة التجارية العتيقة لمدينة تلمسان مثل “القصارية وسيدي حامد” و”المدرس” عيد عاشوراء الذي يحل على الأمة الإسلامية في العاشر من محرم من كل سنة هجرية بالفرصة السانحة لتزكية الأموال وانتعاش الأعمال، من أجل تطهير أموالهم عن طريق توزيع زكاتهم العينية أو النقدية على الفقراء والمساكين، فيما يفضل البعض الآخر توجيه تلك الأموال لصندوق الزكاة قبل أن توزع على مستحقيها من قبل الجهات المعنية، وبالمقابل يغتنم الفقراء الذين استلموا نصيبهم من أموال الزكاة كرم السوق و”رحمته” الموسمية بغية اقتناء حاجاتهم من ألبسة وأقمشة وأحذية ومختلف اللوازم المعروضة، فضلا عن ذلك تتميز هذه المناسبة بزيارة المقابر للترحم على الموتى وتبادل الزيارات بين الأهل والأحباب وشراء الفواكه الجافة ولعب للأطفال وممارسة بعض الطقوس المرتبطة بأجواء احتفالات هذه المناسبة، كما تكتسي شوارع وأسواق تلمسان منذ بداية شهر محرم حلة خاصة إيذانا بالاستعدادات التي يخصصها أهل المنطقة لاستقبال مناسبة عاشوراء حيث تكثر محلات بيع الفواكه الجافة أو ما يصطلح عليه محليا بأصحاب “الفاكـية” التي تعتبرها الأسر شرطا ضروريا للاحتفال، ومن الطقوس التي اعتادت الأسر التلمسانية على ممارستها تخليدا ليوم عاشوراء إعداد أطباق محلية كالكسكس بالقديد الذي يتم تحضيره من لحم أضحية عيد الأضحى، وتوزيع الفواكه الجافة على أفراد العائلة والمعروفة عند أهل تلمسان، وكذا صناعة الحلويات والمأكولات الشعبية منها على سبيل المثال “التريد بالدجاج أو اللحم” وطبق “الشرشم” وهو حساء من القمح والفول أو حمص يضاف إليه القديد وبعض التوابل ويقدّم بعد صلاة المغرب ليلة عاشوراء، كما تحرص بعض العائلات أيضا على إعداد “السفـنج” و”مسمن” صبيحة يوم عاشوراء وتقديمهما مع الفواكه الجافة المكونة من التمر واللوز والتين والزبيب، كما تقمن النساء في ليلة عاشوراء بوضع الحناء لكل أهل البيت خاصة البنات حتى تحن قلوبهن، إلى جانب التزين بقص خصلة من الشعر حتى يطول بسرعة حسب اعتقادهن، وكذلك بوضع الكحل ولبس أجمل الملابس والتعطّـر، وهـكـذا تكون عاشوراء فرصة ووسيلة في نفس الوقت لتوطيد الروابط العائلية والاجتماعية وإصلاح ذات البيـن، وإن انقرضت بعض العادات الآن وأصبحت في طيّ النسيان بحكم تغير المعايير الاجتماعـية، في حين لا يتذكر منه سوى أنه يوم للراحة مدفوعة الأجر لتبقى الحكمة من الصوم والاحتفال أرفع من هذا كـلّه.

ع. أمـيـر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى