تكنولوجيا

مقاطع مراقبة مزيفة تربك المشاهدين على مواقع التواصل الإجتماعي

في مشهد غير معتاد على الإنترنت. اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مراقبة مزيفة تبدو للوهلة الأولى ملتقطة من كاميرات مراقبة منزلية. تظهر حيوانات تتصرف بطريقة غريبة ومسلية. لكنّها في الحقيقة مشاهد مزيفة بالكامل. أنتجت باستخدام تقنيات ذكية متقدمة لتوليد الصور والحركة. أبرزها مقطع أرنب يقفز بخفة على ترامبولين في فناء منزلي. والذي تمكن من جذب أكثر من مئتي مليون مشاهدة في وقت قياسي. وأثار موجة من الدهشة والجدل في صفوف المستخدمين.


 

الفيديو نشر في البداية مع تعليق ساخر يدّعي أنه تم التقاطه أثناء مراجعة تسجيلات كاميرا المراقبة. حيث قدّمت المشاهد كأنها لحظة حقيقية لحيوانات برية تزور المنزل وتقوم بعروض غير معتادة.

غير أن المقطع يحمل في تفاصيله إشارات واضحة على أنه من إنتاج الي. مثل اختفاء الأرنب فجأة أثناء إحدى القفزات. وبقاء الخلفية ثابتة تمامًا دون أدنى حركة طبيعية. وهو ما يعد أحد علامات الخداع البصري التي تعتمدها أنظمة التوليد الذكي.

 

مقاطع مراقبة مزيفة .. الزيف في ثوب الواقعية

ما يجعل هذه المشاهد أكثر إقناعًا هو تصميمها بعناية لتبدو مطابقة لما تصوره الكاميرات الأمنية الحقيقية. حيث تعرض غالبًا بجودة منخفضة نسبيًا وبألوان داكنة تحاكي التصوير الليلي. كما تضاف إليها مؤثرات صوتية دقيقة مثل صرير النوابض أو طنين الحشرات في الخلفية.

وهي عناصر تعطي المشاهد طابعًا حقيقيًا يصعّب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والتزوير. وبهذا تتحوّل المقاطع إلى أدوات خداع بصري تربك الإدراك وتدفع البعض إلى مشاركتها دون تحقق.

ويرى بعض الخبراء أن هذه الموجة من المقاطع تعكس تغيرًا جوهريًا في استخدام التقنيات الحديثة، إذ لم تعد تستخدم فقط لتحسين جودة المحتوى أو تسهيل الإنتاج.

بل أصبحت أداة قادرة على اختلاق مشاهد تبدو حقيقية، ما يفتح الباب أمام إشكالات أخلاقية وإعلامية واسعة. خاصةً في ما يتعلق بمصداقية المحتوى الرقمي الذي يتفاعل معه الملايين بشكل يومي.

 

نماذج ذكية تنتج الخداع: عصر جديد من المحتوى

منذ أن أعلنت إحدى الشركات الكبرى عن نموذجها الجديد القادر على توليد مشاهد متحركة عالية الدقة تتضمن مؤثرات صوتية متناسقة. شهدت شبكة الإنترنت طفرة في المحتوى المزيف الذي يعتمد على هذه التقنيات.

وقد أصبح بإمكان المستخدمين إنتاج فيديوهات معقدة دون الحاجة إلى معدات تصوير أو خبرة إخراج، فقط من خلال أوامر رقمية بسيطة تُوجه النموذج لإنشاء ما يشبه الواقع تمامًا.

تمثل هذه الإمكانيات المتقدمة نقلة نوعية في مجال صناعة المحتوى، لكنها في الوقت نفسه تُثير قلقًا متزايدًا بشأن إمكانية استخدامها في التضليل أو تشويه الحقائق.

خصوصًا إذا استخدمت لخلق مشاهد إخبارية كاذبة أو لتزوير مقاطع تبدو كمستندات بصرية موثوقة. ويرجّح أن يزيد هذا من صعوبة التحقق من صحة المواد المنشورة. حتى على المحترفين في مجالات الإعلام والتحليل الرقمي.

 

الجمهور في حيرة: من السذاجة إلى الذهول

اللافت في هذا النوع من الفيديوهات أن الجمهور لا يكتشف زيفها بسهولة. بل يصدم عندما يكتشف أن ما شاهده لم يكن حقيقيًا. وهو ما يعيد تسليط الضوء على مدى قدرة التكنولوجيا الحديثة على خداع الحواس. بل وحتى استغلال الذاكرة البصرية لدينا لتثبيت مشاهد غير واقعية على أنها وقائع موثوقة.

وعلّق أحد المستخدمين بالقول: “هذا أول فيديو مزيف يخدعني فعلًا”، بينما كتب آخر: “كنت أضحك على أمي لأنها صدّقت مقاطع مماثلة. واليوم وقعت في الفخ بنفسي”.

ويؤكد هذا التفاعل المتباين أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكرًا على المختبرات أو المشاريع المتخصصة.  بل بات حاضرًا بقوة في تفاصيل الحياة اليومية، وأصبح المستخدم العادي هدفًا مباشرًا لمنتجاته، سواء كانت بهدف الترفيه أو التلاعب.

وهو ما يستوجب وعيًا رقميًا جديدًا لمواجهة هذا الطوفان من المحتوى الذي يبدو بريئًا وممتعًا في ظاهره، لكنه يحمل في طياته الكثير من الإشكالات.

يمكن القول إن هذه المقاطع ليست مجرد مزحة مرئية أو تسلية عابرة، بل تمثل مرحلة جديدة من التحديات التي تفرضها الثورة الرقمية على وعي المشاهد ومسؤوليته.
فكما منحتنا التكنولوجيا أدوات غير مسبوقة للإبداع، فإنها حملت معها أيضًا قدرًا كبيرًا من المخاطر المرتبطة بالخداع البصري والتضليل المعلوماتي، وهنا يأتي دور التربية الرقمية، ليس فقط في كشف الزيف، بل في بناء حس نقدي يُحصّن المتلقي من الوقوع في فخ الخدع الذكية، مهما بلغت درجة إتقانها.

 ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى