حوار

مدير المتحف الوطني أحمد زبانة، “هشام سقال”، يصرح لِـ”البديل”:

"المتحف بحاجة إلى عصرنة سينوغرافيا المعارض"

يندمج مباشرة مع الزائر للمتحف، ويخلق جو النقاش والتعمق في التحفة لاستنطاقها. وجعله يتفاعل ويستخرج معلوماته الراكدة لأجل إنعاشها وتعزيزها بمعطيات جديدة. وذلك لإيمانه بأن “التحفة” كائن يتحدث ويروي قصة وحدثا. إنه القادم من عالم “المسرح” إلى فضاء “المتحف”. الأستاذ “فضل الله هشام سقال”، مدير المتحف الوطني  ” أحمد زبانة ” ، الذي زارته جريدة “البديل” وأجرت معه هذا الحوار: 


 

من هو “هشام سقال”؟

فضل الله هشام سقال”، مدير المتحف الوطني “أحمد زبانة” هو خريج جامعة وهران من قسم الفنون سنة 1991. يواصل دراساته العليا إلى اليوم، وهو بصدد تحضير أطروحة الدكتوراه فيما يخص سنوغرافيا المسرح.  تدرج في عدة مناصب مدير دار الثقافة لولاية وهران. مدير الثقافة لولاية عين تموشنت لمدة 6 سنوات، أستاذ بجامعة وهران قسم الفنون، ثم مديرا للمتحف الوطني أحمد زبانة منذ 2022 إلى اليوم.

 

لو تفضلتم وقدمتم للقارئ الكريم معلومة عن المتحف الوطني “أحمد زبانة”؟

أهلا، يعتبر المتحف الوطني”أحمد زبانة”، الواقع بقرب سوق المدينة الجديدة وبمحاذاة مدرسة الفنون الجميلة بوهران. من أقدم الفضاءات الثقافية بولاية وهران،فقد بدأت الفكرة في 1894 وبدأ جمع المجموعات المتحفية في تلك الفترة لكن بناء المتحف بدأ في 1930 وتم فتحه في نوفمبر 1935. هو يضم 8 قاعات عرض تخص المجموعات المتحفية.

منها قاعات ما قبل التاريخ، علم العظام. قاعتين لتاريخ الطبيعة تعنيان بكل ما هو حيوانات محنطة، الجيولوجيا وحشرات، التاريخ القديم يضم تحفا رومانية،بونية… استخرجت خاصة من موقع “بورتيسماغنيس” ببطيوة. وهي في معظمها عبارة عن فسيفساء كذلك من سيغا، عين تموشنت وغليزان وعدة ولايات أخرى.

هناك أيضا قاعه للإثنوغرافيا تضم مشاهد لعادات وتقاليد أي ثقافات حية، إلى جانب الفنون الجميلة التي تضم مجموعة كبيرة من اللوحات والمنحوتات الفريدة لعدة مدارس تشكيلية منها الجزائرية. الاستشراقية وغيرها، كما توجد قاعة خاصة تسمى قاعة “العروض المؤقتة” وهي قاعة استحدثت مؤخرا يتم عبرها عرض مجموعات متحفية بصفة مؤقتة. أي في كل مرة تستخرج مجموعة متحفية من مخازن المتحف تسمح للزوار بالاطلاع عليها ليعاد تخزينها مرة أخرى. لتعرض مكانها مجموعة متحفية جديدة من تلك المجموعات المخزنة، حيث تضم مخازن المتحف أكثر من 100 ألف تحفة مختلفة.

 

 

هل هناك إقبال على المتحف؟

طبعا، هناك إقبال مهم، فقد سمحت هذه التحف أو المجموعات المتحفية الخاصة باستقطاب أكثر من  (20 ألف) زائر. منذ بداية سنة 2025 إلى اليوم من شهر جويلية مع وجود البعض ممن يزورون المتحف لأول مرة.

وأهم الشرائح التي زارت المتحف، الأطفال المولعين بالطبيعة لمشاهدة الحيوانات المحنطة والأسماك إلى اخره. أما الكبار فيشدهم الجانب الإثنوغرافي المتعلق بالفخار، اللباس التقليدي والحلي… إلخ. ناهيك عن وجود قاعة إثنوغرافيا تضم الإثنوغرافيا الأجنبية، وهي تضم خاصة موادامتحفيةإفريقية.

وتجدر الإشارة أن هذه السنة كانت سنة فارقة، خاصة من خلال الشعار الذي اعتمدته وزارة الثقافة والمتعلق بالذكاء الاصطناعي. حيث تم اعتماد خاصة تقنية “الهولوغرام”، وهو ما شد انتباه وتركيز الزوار الذين أغلبهم تأثروا بالرسالة التي يتلوها “أحمد زبانة” . شهيد المقصلة ببهو المتحف، حتى أن بعض النساء تذرف الدموع وبعضها تزغرد بكل عفوية.

 

 

هل هناك فضاءات أخرى لتلبية حاجة الراغب في الاكتشاف غير المتاحف؟

ما يميز الجزائر أنها متحفا مفتوحا في الهواء الطلق، كل مناطقها تضم اثارا مادية وغير مادية. فهناك بعض الخصوصيات في القيمة التاريخية للتحفة. على سبيل المثال قاعة ما قبل التاريخ. تضم شواهدا تعود إلى 5000 و6000 سنة قبل الميلاد، لأن معظم الأدوات المتحفية تعود مادتها الأولية إلى الصناعة الحجرية. وقد استخرج أغلبها بمنطقة المرجاجو بوهران. وهو ما يؤكد أن هذه المنطقة كانت مأهولة منذ قرون خلت. وعليه يمكن للفرد أن يرى معالم أيضا تؤرخ لمراحل مهمة من تاريخ الحضارات التي مرت وتركت شواهد تؤكد ذلك.

 

 

هل هناك فرق بين الإنسان قديما وفي العصر الحديث في مجال الإبداع؟

الإنسان خلّاق منذ وجوده والدليل أهرامات الجيزة بالقاهرة التي ما زالت تحير العلماء في طريقة بنائها إلى اليوم.  ونحن نعتمد على تكنولوجيا متطورة، حيث نعتمد على الحساب الباراغماتي. أما دراسة الإنسان في ذلك الوقت كانت غير ذلك، والدليل أننا لما نزور غرداية.

نرى الطريقة العجيبة في توزيع المياه وكيف أبدع إنسان تلك الحقبة في طريقة توزيع المياه. عبر ما يسمى “الفقارة”، هذه التقنية جعلت الإنسان الحديث أو العلم الحديث يعتمد على أساسها لخلق طرق توزيع المياه. كذلك نفس الإجراء بالنسبة لشبكة الصرف الصحي، حتى أن “سقراط” عاش 5000 سنة قبل الميلاد لكن ما تركه من كتابه يقرأ إلى اليوم.

وكذلك بالنسبة للحضارة الاسلامية، على غرار ابن سينا، الخوارزمي… فالتكنولوجيا الحالية تستمد قواعدها من علمهم، مثلا الحضارة في الأندلس خلال الفترة الوسيطة سمحت باكتشاف المستشفى بكل مصالحه، وهو ما اعتمد إلى اليوم في طريقه إنشاء المستشفيات وعصرنتها طبعا فلكل زمن وعصر كان العلم هو الأساس مثلا الحضارة البونية التي بنيت على ما وجد في الأندلس.

علم الأركيولوجيا هو من يقدم الحقيقة، فهو يسمح بتحديد التاريخ من خلال الأواني والآثار التي تبقى شاهدا يسمح بتحديد التاريخ بطريقة علمية لا تعتمد على الحديث الشفهي فقطز وإنما يؤسس على معطيات علمية دقيقة فهو يعتبر شاهد يحكي. مثلا البلوزة الوهرانية. القندورةالقسنطينية تؤكد وجود أمة لها تقاليدها وقد عاشت بمنطقة معينة، فهناك ما هو مسجل في اليونسكو .

وهناك ملفات ما زالت تنتظر دورها كذلك بالنسبة لأطباق المأكولات هي الأخرى تساهم في تحديد الهوية. فوهران مثلا عرفت الوجود الإسباني لِـ3 قرون منذ 1532 إلى غاية 1792. وقد ترك هذا تأثيرا على سكان المنطقة والدليل وجود بعض المفردات في الكلام إلى اليوم، كذلك بالنسبة لأطباق الطعام على غرار طبق “الكرنتيكا”.

 

 

بما أنك ابن الفن وقادم من المسرح، هل هناك علاقة بين المسرح والمتحف؟

هناك علاقة بين المسرح والمتحف، فالمتحف أصبح مثل المسرح. هناك قاعات عرض يزورها الجمهور ويتابع ما تعرضه، لهذا لابد من اعتماد السينوغرافيا في المتاحف التي تعنى بطريقة العرض وأسسه.

فالمسرحية في أساسها تعتمد على الفعل ورد الفعل كذلك هو الشأن بالنسبة للمتحف مثلما يخرج جمهور المسرح بأفكار جديدة بعد نهاية العرض. فإن زائر المتحف كذلك يجب أن يخرج بمعطيات جديدة لدى مغادرته لقاعات العرض. أي أن الزيارة يجب أن لا تكون عادية في حياة الزائر بل تبقى تذكره في كل مرة بأمر معين.

وفي هذا الإطار، أرى أنه يجب تدريس المواد الفنية في الابتدائي . على غرار الرسم، المسرح، السينما، الموسيقى… .  حتى نكوّن مجتمعا واعيا متفاعلا مع محيطه ابتداء من المدرسة. لأنها منبع اكتشاف المواهب، هناك نجد مبدعين قلائل لكن البقية نكتسبها كمستهلك للعمل الفني فيما بعد.

لأنه يصبح لدينا جمهور يمتلك قاعدة وأسس معرفية بتاريخ الفن وماهيته، فإذا لم يكن هناك مبدع فني يكون هناك مستهلك واعي للفن، فيصبح مجتمعا واعيا يفكر ويتفاعل مع ما يحيط به من معيشته اليومية. لأن الموادالعلمية حين ترفق بالمواد الفنية تسمح للطفل بتطوير مخيلته فهو يعيش في عالم التخيل .

هذا ما يسمح له بالاكتشاف ويجعله فاعلا في المجتمع لأن المجتمع المدني مهم وأساسي في تسيير الحياة اليومية من خلال فهمه لأدواره وواجباته وحقوقه في مجالات تدخله سواءللصالح العام أوالصالح الشخصي.

 

 

كيف يمكن تحقيق استقطاب أكبرللجمهورنحو المتحف؟

على المتحف أن يعتمد على عامل التشويق من خلال جعل الزائر يتعايش مع “التحفة”. هذه الاستراتيجية هي موجودة حاليا وهي المرتكز الذي يركز عليها وزير الثقافة الحالي في كل ما يتعلق بالمجالات الثقافية. لاسيما المتاحف من أجل إعطاء ديناميكية ودفعة للمتحف.  حتى يصبح الجمهور يتفاعل أكثر لاسيما الأطفال والشباب لخلق تواصل وثيق بين الفرد وماضيه.

وفي هذا الشأن اعتمدت الدولة طريقة العصرنة بالنسبة للمتاحف ككل، وبالنسبة للفضاءات الثقافية ومنها متحف أحمد زبانة الذي بدأ في استعمال تقنية “الهولوغرام” إضافة إلى لوحات تكنولوجية تعرض اللوحات والتحف بطريقة تسمح لتلك التحفة بالتحرك، وكأنها قطعة حية وهي تقنيات تخلق علاقة تفاعلية مع الجمهور لاسيما الأطفال، الذين يعتبرون رجال الغد هذا ما يسمح لهم بالفهم العميق لمكونات تاريخ وهوية بلدهم.

وقد أثبتت الزيارات التي يقومون بها إلى المسرح شغفهم بهذه الطريقة الجديدة في العرض، التي تنمي فيه حب الاكتشاف ومعرفة الطريقة التي يتم بها العرض، ونظرا لتركيزهم على هذا النوع من المعروضات، فقد خططنا كإدارة مشرفة على المتحف لإنجاز نوع من الحواجز حتى نحمي الطفل لدى اقترابه من اللوحة الالكترونية لئلا يلمسها ويتعرض لحادث لا سمح الله.

حاورته: ميمي قلان 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى