الجهوي‎

“مدارس الجزائر.. نحو جيل واع، صحي ومبدع”

مدرسة "مولود فرعون" بحاسي القارة.. حيث يولد الوعي

تحليل: التعليم والصحة.. رؤية جزائرية لمدرسة المستقبل

لم يعد مفهوم المدرسة يقتصر على مجرد جدران تحتضن التلاميذ لتلقين المعارف الأكاديمية، فمع تسارع وتيرة التغيرات الاجتماعية والصحية في العالم، باتت رسالة المؤسسة التربوية أعمق وأشمل، لتتجاوز التلقين المعرفي نحو بناء شخصية متكاملة للطفل، قوامها الوعي والصحة والمسؤولية.

هذا ما جسّدته بوضوح ابتدائية “مولود فرعون” ببلدية حاسي القارة بولاية المنيعة، التي حوّلت يوما تقليديا مثل الدخول المدرسي إلى حدث استثنائي، أشبه بمختبر مصغر للتربية على الصحة والوقاية. في بادرة تستحق الإشادة، جعلت المديرة “سارة بريك” وطاقمها من الأسبوع الوطني للصحة المدرسية، فرصة لدمج المبادئ الصحية في صميم العملية التعليمية، من خلال ورشات تفاعلية وممتعة.

مدرسة الحياة: من السبورة إلى ورشات الوعي

النموذج الذي قدمته ابتدائية “مولود فرعون” يمثل نقلة نوعية في مقاربة التعليم، فبدلا من التركيز على المناهج الدراسية فقط، نظمت المدرسة 4 ورشات محورية، كل واحدة منها تعالج جانبا حيويا من حياة الطفل، من التغذية السليمة، التي قدمتها الطبيبة “آمال مسيران”، مرورا بالنظافة الشخصية التي أشرفت عليها الدكتورة “فلاح أميمة”، وصولا إلى الصحة النفسية التي ركزت عليها الأخصائية “فلاح نور الهدى”، وانتهاء بالوعي البيئي والوقاية من الجراثيم مع الأخصائية “بلوبر عمورة”.

هذه المقاربة الشاملة تؤكد أن المدرسة ليست مكانا للدروس النظرية فقط، بل هي فضاء متكامل يُعدّ الطفل لمواجهة تحديات الحياة الواقعية. فغرس ثقافة النظافة، والوعي بالغذاء الصحي، وفهم أهمية التوازن النفسي منذ الصغر، هي ركائز أساسية لبناء جيل قوي بدنيا ونفسيا، قادر على التحصيل العلمي والإبداع.

بعد وطني يتجاوز حدود المؤسسة

إن ما قامت به هذه المدرسة لا يمكن اعتباره مبادرة محلية معزولة، بل هو نموذج يحتذى به، ويفتح نقاشا حول الحاجة الماسة لتعميم هذه التجارب على المستوى الوطني. فالتعليم والصحة وجهان لعملة واحدة، فالمدرسة التي تهتم بصحة تلاميذها لا تكتفي فقط برفع مستوى التحصيل العلمي، بل تسهم أيضا في تخفيف الأعباء المستقبلية على قطاع الصحة العام.

ويمكن القول إن الاستثمار في صحة التلاميذ هو استثمار حقيقي في مستقبل البلاد، فالتلميذ الذي يتمتع بصحة جيدة ووعي وقائي هو أساس مجتمع منتج ومزدهر، فما قام به طاقم ابتدائية “مولود فرعون” هو رسالة واضحة: المدرسة الجزائرية الحديثة يجب أن تكون فضاء للحياة، يجمع بين المعرفة والوعي، وينطلق من مبدأ أن “التلميذ الصحي هو أساس المجتمع الناجح”.

فهل نشهد في الأعوام القادمة تعميما لهذه الرؤية، لتتحول كل مدرسة جزائرية إلى مختبر مصغر للوعي، يساهم في بناء جيل يمتلك المعرفة والقوة الصحية والقدرة على مواجهة تحديات المستقبل؟

كلمة المديرة: “بريك سارة”

“مدرسة اليوم ليست مجرد فصول دراسية، بل هي فضاء متكامل لتربية الجسد والعقل والروح. إن هذه المبادرة هي حجر زاوية في رؤيتنا لمدرسة جزائرية حديثة، تمنح الأولوية لصحة تلاميذها، لأننا نؤمن بأن بناء جيل واعٍ وصحي، هو المدخل الحقيقي لصناعة المستقبل.”

الهوصاوي لحسن 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى