تكنولوجيا

مخترع الشبكة العنكبوتية يعبر عن أسفه لتركها مجانية ومتاحة للجميع

مخترع الشبكة العنكبوتية … يعبر “تيم بيرنرز لي” مبتكر شبكة الويب العالمية عن مشاعر الندم تجاه قرار جعل الشبكة مفتوحة المصدر ومجانية بالكامل. كان تصوره الأولي للشبكة يتضمن شموليتها لكل المحتويات من جميع أنحاء العالم دون حدود أو قيود، لذلك آمن بأنه يجب أن يستخدمها الجميع ويشاركوا في نمو محتواها. لم يكن منطقيا بالنسبة له أن يطالب المستخدمين بدفع أموال مقابل كل استخدام للشبكة سواء لرفع صورة أو البحث عن معلومات. هذا المنطق قاده إلى تبني فكرة المجانية الكاملة للشبكة.


 

الرؤية المثالية التي تحولت إلى كابوس

أوضح المخترع في إحدى المقابلات السابقة أن تقنية الويب لو بقيت تحت سيطرته كتقنية مغلقة المصدر تتطلب الدفع للاستفادة منها لكانت الإنترنت قد ماتت قبل أن تولد وتنتشر. القرار النهائي بجعل الشبكة مفتوحة المصدر ومتاحة للجميع اتخذه مركز الأبحاث النووية الأوروبي الذي كان يعمل فيه سابقاً. قبل أن يترك المركز ويؤسس اتحاد شبكة الويب العالمية في عام 1994. لكن المخترع عبر في مقالة نشرها بإحدى الصحف عن ندمه لترك الشبكة مفتوحة المصدر. أوضح أن الهدف الأساسي من ذلك كان تشجيع الابتكار والإبداع لكن الأمور تغيرت وتحولت إلى شيء آخر.

 

يتساءل مبتكر الشبكة اليوم، وهو ينظر إلى اختراعه عما إذا كانت الإنترنت لا تزال مجانية. يجيب بأنها لم تعد مجانية بالكامل، يستشهد بموقف شركات التقنية الكبرى التي تجمع كميات هائلة من البيانات الشخصية للمستخدمين. ثم تبيع هذه البيانات لشركات الوساطة عبر الإنترنت والحكومات العالمية. هذا يترك المجال مفتوحا لممارسات الرقابة والقمع. يلقي باللوم على مفهوم الخوارزميات وتزايدها خاصة في منصات التواصل الاجتماعي. هذه الخوارزميات تلحق ضررا بالغابعقول الشباب حسب تعبيره.

 

مخترع الشبكة العنكبوتية .. من أداة للتحرر إلى سلعة تجارية

يختتم المخترع مقالته بالإشارة إلى أن مستخدم الإنترنت لم يعد عميلاً لدى الشركات، بل تحول إلى سلعة تبيعها الشركات. يؤكد أن الطريق الخطأ تم اتخاذه في لحظة ما بين ولادة الإنترنت للمرة الأولى وظهور شبكات التواصل الاجتماعي. هذه التحولات الجذرية في طبيعة استخدام الشبكة هي ما دفعه للتعبير عن أسفه، كان يتصور أن الشبكة ستبقى أداة للتحرر وتبادل المعرفة لكنها أصبحت ساحة للاستغلال التجاري.

الرؤية الأصلية للمخترع كانت تقوم على مبادئ المشاركة الحرة والتبادل المعرفي غير المقيد. لكن الواقع الحالي أصبح مختلفاً تماماً حيث تهيمن الشركات الكبرى على المشهد الرقمي. هذه الشركات تستخدم البيانات الشخصية للمستخدمين كسلعة لتوليد الأرباح. لم يعد المستخدم هو المحور بل أصبح منتجاً للبيانات التي تدر الأموال على هذه الشركات. هذا التحول الجذري هو ما يؤرق مخترع الشبكة ويشعره بالندم على القرارات التي اتخذت في الماضي.

 

الخوارزميات وتأثيرها السلبي على المجتمع

يزداد الوضع سوءمع تطور الخوارزميات التي تتحكم في المحتوى الذي يراه المستخدمون. هذه الخوارزميات مصممة لتحقيق أقصى قدر من التفاعل والوقت الذي يقضيه المستخدمون على المنصات. لكنها في المقابل تساهم في تعزيز الانقسامات الاجتماعية وانتشار المعلومات المضللة.

أصبحت هذه المنصات بيئة خصبة للاستقطاب والجدال بدلاً من أن تكون فضاءً للتواصل البناء. هذا ما حذر منه المخترع في مقالته مشيراً إلى الضرر البالغ الذي تسببه لعقول الشباب.

الخوارزميات لم تعد مجرد أدوات تقنية محايدة بل أصبحت أدوات للتأثير والتحكم، تعمل على تضخيم المحتوى المثير للجدل لأنه يجذب انتباه المستخدمين. هذا النهج يساهم في تآكل الثقة بين المستخدمين ويضعف التماسك الاجتماعي. كما أن جمع البيانات الشخصية وبيعها يزيد من مخاطر الخصوصية والأمن الرقمي. المستخدمون أصبحوا عرضة للاستهداف الدعائي والتأثير السياسي دون علمهم. هذه التطورات جميعها تتناقض مع الرؤية الأصلية لمخترع الشبكة الذي كان يحلم بفضاء رقمي حر وآمن للجميع.

الندم الذي يعبر عنه المخترع اليوم ينبع من هذا التناقض بين الحلم والواقع، بين الرؤية المثالية لشبكة تحرر العقول وتوحد البشرية والواقع المرير لشبكة أصبحت أداة للاستغلال والتقسيم. لم يعد الأمر يتعلق بمجرد بيع البيانات بل بتشكيل الوعي والتحكم في السلوك. هذا ما يجعل المخترع يشعر بالمسؤولية ويحمل نفسه جزء من اللوم لترك الشبكة تنمو دون ضوابط كافية.

 ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى