
في تحوّل بارز يعكس الاستجابة السريعة للقلق العام. أعلنت شركة “أوبن آي إيه” عن إيقاف خاصية إدراج محادثات “شات جي بي تي” في نتائج محركات البحث. وذلك بعد جدل واسع واتهامات بمسّ خصوصية الأفراد. حيث أوضحت الشركة أن الخاصية التي أطلقت مؤخرا كانت تهدف إلى تسهيل الوصول إلى محادثات مفيدة عبر الإنترنت. لكنها فتحت في المقابل بابا لمخاطر غير مقصودة.
وقد أوضح مدير الأمن المعلوماتي في الشركة، في بيان رسمي. أن تفعيل هذه الخاصية كان اختياريا، ويتطلب من المستخدم اتخاذ خطوتين واضحتين لإدراج المحادثة ضمن المحتوى المفتوح للبحث.
إلا أن ذلك لم يمنع ظهورعدد كبير من المحادثات الحساسة في نتائج البحث. بعضها تضمّن معلومات شخصية أو نفسية، وأدى هذا الأمر إلى حالة استياء واسعة دفعت الشركة إلى مراجعة نهجها.
وبحسب البيان، فإن الشركة بدأت فعليا عملية إزالة جميع المحادثات التي تم فهرستها. مع تأكيدها أن حماية خصوصية المستخدم تظل أولوية قصوى. وأكدت أنها ستواصل تطوير أدواتها بشكل يعكس هذا الالتزام.
تحقيق صحفي يكشف الكواليس
ويأتي تراجع “أوبن آي إيه” عقب نشر موقع تقني متخصص لتحقيق استقصائي. أشار إلى ظهور الاف المحادثات التي تمّت مشاركتها عبر ميزة “مشاركة المحادثة”. في نتائج البحث العلنية على محرك شهير، وبلغ عدد المحادثات المفهرسة نحو 4500 محادثة.
بعضها يحتوي على اعترافات شخصية ومشكلات عائلية ومعلومات تتعلق بالإدمان والعلاقات العاطفية والضغوط النفسية، بل وحتى محادثات تدور حول مواضيع جدلية أو حساسة للغاية.
وأشار التحقيق إلى أن معظم هذه المحادثات نُشرت عن طريق المستخدمين أنفسهم، دون وعي كافٍ بخطورة تفعيل خيار الفهرسة، الذي لا يظهر أصلًا في النسخ المحمولة من التطبيق، وهو ما أدى إلى فقدان التحكم في خصوصية محتوى شخصي للغاية.
وقد أعادت هذه الحادثة إلى الأذهان مواقف مشابهة وقعت في منصات تقنية أخرى، خاصة تلك التي تسمح بحفظ أو مشاركة بيانات التفاعل البشري مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، وسط غياب واضح للتوعية الرقمية لدى شريحة واسعة من المستخدمين.
محادثات “شات جي بي تي” .. مسؤولية مشتركة بين الشركات والمستخدمين
ورغم أن “أوبن آي إيه” سمحت في وقت سابق للمستخدمين بحذف روابط المشاركة متى شاؤوا. إلا أن ضعف الفهم العام لكيفية عمل هذه الخيارات التقنية. إلى جانب غياب إشعارات تنبيهية واضحة، ساهم في تفشي ظاهرة مشاركة محادثات حساسة دون قصد
من جهتها، شددت الشركة في أكثر من مناسبة على ضرورة عدم تضمين أية معلومات شخصية أو قانونية أو صحية في المحادثات.
مؤكدة أنها قد تضطر لتسليم تلك البيانات في حال صدور أوامر قانونية، وهو ما يجعل من مسؤولية الاستخدام الآمن أمرًا مشتركا بين الطرفين.
وتتكرر الإشكالات ذاتها في منصات تقنية أخرى، من بينها أنظمة ذكاء طورتها شركات منافسة، حيث ظهرت تساؤلات مشابهة بعد أن بدأت بعض تطبيقات الدردشة الذكية بإظهار استفسارات المستخدمين بشكل علني ضمن خلاصات عامة، مما يعزز الشعور المتزايد بضرورة ضبط معايير الخصوصية بشكل أكثر دقة وصرامة
في ظل هذا المشهد المتسارع، يتزايد الوعي بأهمية تطوير أدوات تقنية أكثر وضوحًا وسهولة من جهة، وتعزيز الثقافة الرقمية من جهة أخرى.
خصوصًا في ما يتعلق بفهم خيارات المشاركة وحماية الهوية الرقمية، في عالم لم يعد يغفر للخطأ غير المقصود.
خطوة “أوبن آي إيه” في التراجع عن خاصية فهرسة المحادثات، تمثل إشارة إيجابية على استعداد الشركات للاستماع لصوت المستخدمين، إلا أن الحادثة برمتها تسلط الضوء على هشاشة الخط الفاصل بين النفع التقني والمساس بالخصوصية. ما يفرض على الجميع ـ أفرادا ومؤسسات ـ العمل بشكل متوازٍ من أجل بناء بيئة رقمية أكثر أمانا ووعيا.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله