
أقرّ “مارك زوكربيرغ” الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، بإمكانية حدوث فقاعة في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى أن التجارب التاريخية تكشف أن التقنيات الكبرى مرّت بظروف مماثلة قبل أن تترسخ وتصبح جزء أساسيا من الحياة اليومية.
وأوضح “مارك زوكربيرغ” أن المقارنة قائمة مع فقاعات سابقة مثل السكك الحديدية في القرن 19، وفقاعة الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي، حيث توسعت الشركات في الاقتراض والاستثمار لبناء بنى تحتية هائلة لم يتمكن السوق من استيعابها في البداية، ما أدى إلى خروج الكثير من المؤسسات من الساحة التجارية، لكنه لفت في الوقت نفسه إلى أن البنية التي تم تشييدها في تلك الفترات، أصبحت لاحقا ذات قيمة لا تُقدّر بثمن وأسست لتحولات كبرى في الاقتصاد والمجتمع.
خلال مشاركته في بودكاست حمل عنوانا بارزا، تحدث “زوكربيرغ” بصراحة عن احتمال وجود مبالغة في الحماس للذكاء الاصطناعي اليوم، إلا أنه شدد على صعوبة التنبؤ بما سيؤول إليه الوضع خلال الأعوام المقبلة، مبينا أن هناك حججا قوية تجعل البعض يعتقد أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل استثناء، خاصة مع استمرار تطور النماذج وزيادة الطلب المتواصل عليها، وهو ما قد يجنّب السوق حدوث انهيار مشابه لما وقع في تجارب سابقة، ومع ذلك لم ينف احتمال أن يقود التوسع في البنية التحتية إلى نتائج غير مستقرة في المستقبل.
استثمار واسع رغم المخاطر
رغم إقراره بوجود احتمال لفقاعة، عبّر “زوكربيرغ” عن إيمانه بأن الاستثمار الكبير في الذكاء الاصطناعي يبقى الخيار الأصح، موضحا أن التوقف عن الإنفاق الكثيف في هذا المجال قد يشكل خطأً فادحاً قد يحرم البشرية من الوصول إلى ما يُعرف بالذكاء الفائق، وقال إن الخطر الحقيقي يكمن في التردد أو التراجع عن الاستثمار وليس في ضخ الأموال بكميات ضخمة، إذ يرى أن التقاعس قد يؤدي إلى فقدان فرص تاريخية لا يمكن تعويضها.
وأكد “زوكربيرغ” أن تبني نهج الإنفاق الواسع قد يحمل معه احتمالاً لإهدار مئات المليارات من الدولارات، وهو أمر مؤسف بلا شك، لكنه شدد على أن الكلفة ستكون أكبر بكثير إذا قررت الشركات تجاهل هذه الموجة، وأوضح أن توازن المخاطر يميل لصالح المغامرة بالاستثمار لا ضدها، حيث إن المخاطرة الأعلى تكمن في تجاهل الذكاء الاصطناعي وتركه يتطور دون مشاركة فاعلة من اللاعبين الأساسيين في السوق، وبذلك يظهر موقفه الداعم لاستمرار تدفق الأموال حتى مع إدراكه لوجود مخاطر موضوعية مرتبطة بحجم التوسع.
ويبرز من تصريحاته، أن قطاع الذكاء الاصطناعي يشبه في نظره محطة انتقالية تاريخية تستدعي التضحيات المالية، تماما كما حصل في فترات التحول الصناعي الكبرى التي مرت بها البشرية، وهو ما يجعل رؤيته توازن بين التحذير الواقعي من الفقاعة وبين القناعة العميقة، بضرورة المضي قدما مهما كان الثمن.
“مارك زوكربيرغ” .. تقاطع مع مواقف قادة آخرين
تصريحات “زوكربيرغ” جاءت متقاربة إلى حد كبير مع ما طرحه في وقت سابق “سام ألتمان”، الرئيس التنفيذي لشركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي، حيث أبدى هو الآخر اقتناعا بأن العالم يعيش على الأرجح فقاعة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ومع ذلك لم يدعُ إلى وقف الاستثمارات أو التباطؤ في ضخ الأموال، بل ركز على أن هذه المرحلة ضرورية لكشف حدود الإمكانات التي قد تقود إليها النماذج المستقبلية، وهو ما يعكس تشابها في النظرة العامة لدى أبرز قادة القطاع.
ويُظهر هذا التلاقي بين كبار الفاعلين في الصناعة، أن إدراك احتمال الفقاعة لا يعني رفض الاستثمار، بل ربما يشكل دافعاً لمزيد من التوسع، على اعتبار أن التجارب التاريخية أثبتت أن الفقاعات على قسوتها أحيانا أسست لبنى تحتية ومنجزات تقنية استمر أثرها لعقود طويلة، وهذا ما يجعل “زوكربيرغ” وغيره من القادة مقتنعين بضرورة خوض التجربة حتى وإن كانت محملة بالمخاطر.
في النهاية، تبدو مواقف “زوكربيرغ” متوازنة بين الاعتراف بالاحتمالات السلبية والتحفيز على التوجه نحو الإنفاق، فهو لا ينكر إمكانية حدوث فقاعة لكنه يرى أن النتائج الإيجابية المحتملة تستحق المجازفة، ومن خلال هذا التوجه يرسل رسالة واضحة بأن مستقبل الذكاء الاصطناعي سيُبنى على قرارات اليوم، وأن إضاعة الفرصة بسبب الخوف قد تكون أشد خطرا من أي فقاعة اقتصادية محتملة.
بن عبد الله ياقوت زهرة القدس