محلي

ليالي المتحف الوطني “أحمد زبانة”

تقنية "الهولوغرام" تبهر الأطفال وتشد الكبار

كانت سهرة  أمس، سهرة متحفية فارقة بالنسبة للأطفال، الذين أمضوا ما يزيد عن الساعتين بالمتحف الوطني “أحمد زبانة”، بمناسبة الليلة الثالثة من برنامج “ليالي المتحف”، التي برمجتها وزارة الثقافة في إطار تعزيز الروابط بين المتاحف والجمهور

 

وفي هذا الشأن، استقبل المتحف الوطني “أحمد زبانة” الذي يتوسط مدينة وهران، بالقرب من السوق الشهير وطنيا ودوليا “المدينة الجديدة”، وبمحاذاة مدرسة الفنون الجميلة وبالقرب من محطة القطار والمستشفى الجامعي “بن زرجب”، مالا يقل عن 70 طفلا كانوا مرفوقين بأوليائهم، وكذا الجمعيات المهتمة بعالم الطفولة، مما خلق جوا طفوليا مليئا بالعفوية وروعة التواصل والتفاعل صنعه حسن الاستقبال والتجاوب من طرف إدارة المتحف وأعوانه.

 

قاعة الحيوانات والحشرات تشد انتباه الأطفال

خلال رحلة استكشاف قاعات عرض المتحف الوطني “أحمد زبانة”، التي تضم مختلف العناصر التي توثق للإنسان الذي عاش بهذه المنطقة لقرون خلت، والحيوانات التي كانت تصول وتجول بجغرافيا المكان، إضافة إلى تحف من مختلف دول قارة إفريقيا، تم جلبها خلال الفترة الاستعمارية الفرنسية التي عاشتها الجزائر.

ورغم كل المعروضات، إلا أن قاعة عرض الحيوانات والحشرات كانت القاعة التي سيطرت على تركيز الأطفال وشد انتباههم، لاسيما وأنها “محنطة”، فقد كانت تبدو لهم وكأنها حية وهي تقابلهم، وهي المرة الأولى لهم التي يقابلونها بشكل مباشر ويرونها عن قرب، بعدما كانوا يشاهدونها على التلفاز، لاسيما الحيوانات المفترسة. وما زاد من جمالية المنظر، هو الإنارة الليلية التي جعلت البعض يتذكر القصص التي يسمعها قبل نومه، لأنه بات يراها في الحقيقة بعدما كان يتخيل منظرها، وقد كانت لهم فرصة معرفة الكثير من المعلومات على هذه الحيوانات من طرف مرافقيهم أو مؤطري المتحف الذين كانوا في قمة التعامل الجيد مع هذا النوع من الجمهور.

 

تقنية “الهولوغرام” تسحر الأطفال وتثير فضول الكبار

وهم يواصلون رحلة الاستكشاف داخل فضاء المتحف الوطني “أحمد زبانة”، تحول بهوه إلى مكان ساحر، جعل أنظار الأطفال تتركز على تلك اللوحات الإلكترونية التي تعرض التحف واللوحات بتقنية “الهولوغرام”.

حيث تظهر تلك الصور أو المعروضات (رسومات، منحوتات وحيوانات) وكأنها تنبض بالحياة، من خلال تقنية العرض التي تجعلها تظهر وكأنها تتحرك، مما خلق نوعا من الإثارة بعقول الأطفال الذين بدأوا في التزاحم خلف لوحات العرض الإلكترونية من أجل معرفة الشيء الذي يجعلها تتحرك وهي بقرب الجدار دون أن تسقط، وأهم ما شدهم أيضا هو التساؤل الذي طرحوه بخصوص “كيفية حديث شهيد المقصلة “أحمد زبانة” الذي يتلو رسالته التي بعثت بها إلى عائلته وهو بالجبال يقاوم الاستعمار الفرنسي الغاشم”، وكأنه فعلا حيا وهو يقابلهم ويقرأها بنفسه.

وفي هذا السياق، حتى الأولياء والمرافقين للأطفال أبدوا تفاعلا مع تلك التقنية المبهرة التي تكشف عن التطور الذي وصله المتحف الوطني “أحمد زبانة”، تماشيا مع العصرنة وعالم الرقميات التي أصبحت ملازمة لنا في الحياة اليومية، وهو ما يخلق شغف العودة إلى المتحف وزيارته في كل مرة، نظرا لتطوره في طريقة العرض بعدما كان في السابق يعرض تحفه بطريقة كلاسيكية صامتة.

 

جمعيات فاعلة هدفها تنمية قدرات الطفل المعرفية

وفي إطار الاهتمام بعالم البراءة والعمل على تنمية قدراته الفكرية والعلمية، فقد أصبحت الجمعيات الفاعلة في المجتمع تولي أهمية كبرى للطفل واهتماماته.

حيث أكدت السيدة “نسيمة ثابت” رئيسة جمعية “نجمة البحر” وأمينة عامة لكثير من الجمعيات، أن هذه التظاهرات مهمة جدا بالنسبة للأطفال، لأنها تخلق جسرا من التواصل التاريخي والهوياتي لهم بماضيهم، لاسيما تلك الشخصيات التي صنعت مجد الجزائر، وهو ما يخلق لديهم نوعا من الإصرار على التعلم والإقبال على ما يجعلهم على سيرة تلك الشخصيات في مختلف مجالات نشاطها، بما في ذلك الفنانين التشكيليين.

وقد كانت ورشة الرسم التي نظمتها إدارة المتحف الوطني “أحمد زبانة”، فرصة لعشاق الألوان والريشة منهم، للإبداع ومحاولة تقليد بعض اللوحات التي شاهدوها وسمعوا عن شخصية مبدعيها. من جهتها، اعتبرت السيدة “مليكة قداري”، ممثلة جمعية “إيثار” لصاحبها “رفيق بوريش”، أن مثل هذه النشاطات تسمح بالرفع من مستوى حب الاكتشاف لدى الطفل ودفعه للبحث وحب التعلم، وهو هدف الجمعية الاجتماعية التي تسعى من خلال نشاطها المتواصل على طول السنة بتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين، إلى توفير آليات لهم تسمح لأرباب العائلات بالحصول على فرص لتوفير مداخيل تعيل عائلاتهم بدل الاعتماد الكلي على المساعدات الجمعوية، إلى جانب توفير التكوينات للأشخاص بدون عائلات أيضا من أجل إعادة إدماجهم في المجتمع بطريقة مريحة، وذلك بتمكينهم من تجسيد مشاريعهم (حلاقة، طبخ، خياطة…). بينما ذكر “محمد بن قابة”، رئيس جمعية “شقراني” أن تظاهرة “ليالي المتحف”، كانت فرصة ممتازة لإضافة فكرة جديدة لدى الأطفال، خاصة طريقة العرض العصرية، كما هو بالنسبة لـ “تقنية الهولوغرام”، التي تجعلهم يرغبون في العودة للتحقق من طريقة عرضها للبحث عن إجابات مقنعة، وهي الحلقة التي ستدفعهم إلى البحث والتعلق بالتكنولوجيا والتعمق فيها.

وأشارت السيدة “وردة بوخاري” ممثلة جمعية “دنيا زاد الآخرة”، أن هذه التظاهرة كانت مناسبة مهمة، لأنها منحت الفرصة لأطفال يزورون المتحف الوطني “أحمد زبانة” لأول مرة، دون برمجة وذلك لمصادفة وجودهم رفقة أوليائهم الذين حضروا إلى وهران من أجل العلاج من “مرض السرطان”، وإقامتهم بـ “بيت المريض”، الذي توفره الجمعية مجانا لفائدة المرضى القادمين من خارج ولاية وهران، ولا يملكون القدرة المالية التي تسمح لهم بالإقامة بالنزل أو تأجير مسكن طيلة المدة التي يفرضها العلاج، مضيفة أنها رافقت بعض الأطفال الذين قدموا من ولايات الجنوب على غرار تندوف رفقة أمهاتهم إلى المتحف، بينما توجه الآخرون إلى القراية للمتوسطية للاستمتاع بالشهرة الفنية والثقافية المبرمجة هناك.

يذكر أن عدة جمعيات كانت حاضرة برفقة الأطفال على غرار “أيادي الرحمن، الباهية 31، المنظمة الوطنية الاتصال من أجل التنمية”.

 

ورشات فنية بتأطير محكم 

شهدت الليلة الثالثة من “ليالي المتحف” التي نظمها المتحف الوطني “أحمد زبانة” لفائدة الجمهور، وخصصها للأطفال، حضورا مهما للأطفال، الذي لم يتوقف على الجمعيات المشاركة بالمناسبة، بل جذب العائلات المرافقة لأطفالها وكانت مارة من أمامه، لتجد نفسها مندمجة في السهرة بدون سابق إنذار.

حيث تفاعل الأطفال ليس مع ما معروضا بالقاعات وبهو المتحف، وإنما خلق جو تواصل وتناغم بينهم، وهم يلتفون حول طاولات الورشات التي نظمت لأجلهم، فانقسموا بين مبدعين في عالم التحف عبر لعبهم بالطين وتشكيلهم لمختلف الأشياء الجميلة التي كشفت عن قدرتهم على الإبداع وتحكمهم في الطين، وجعلها تخضع لأناملهم الصغيرة، كما استغل البعض الريشة والألوان للتعبير عن مشاعرهم ورسم ما تتفنن فيه مخيلتهم الصغيرة، بينما اتجه آخرون إلى التلوين ليكشفوا عن مدى قدرتهم على المزج بين الألوان وتناسقها.

هذه الورشات التي نجحتفي تأطيرهاوتنشيطها”نادية بلعادل”، رئيسة قسم التنشيط والورشات البيداغوجية والاتصال، وزميلتها “إيمان بورغيدة”، مستشارةرئيسية، من خلال تفاعلهما وقدرتهما على التواصل الجيد مع الأطفال، والتجاوب مع أسئلتهم بتقديم إجابات مقنعة وإضافة معطيات جديدة، جعلت هؤلاء الزوار الصغار يعدونهما بالعودة مجددا للتعرف أكثر على المتحف وتحفه التي يعرضها، وهو الهدف الذي تسعى إليه إدارة المتحف، حسبما ذكره “هشام سقال” لجريدة “البديل” التي حضرت الفعالية.

لتختتم السهرة بصورة جماعية وتوزيع حلويات ومشروبات للأطفال ومرافقيهم، على أمل اللقاء في تظاهرات أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى