
وصل عدد قاعات السينما في الجزائر عشية الاستقلال إلى 400 لكن لم يبق منها سوى أقل من خمسين قاعة على المستوى الوطني، وقد عرفت عملية التخلي عن دور العرض أوجها خلال عشرية الإرهاب إلى جانب تدني هذه القاعات.
حيث تم غلق معظمها قصد إعادة تهيئتها وترميمها، فيما أهملت البعض وحوّلت أخرى إلى محلات تجارية أو سكنات فردية أو لبيع المأكولات الخفيفة وما خفى كان أعظم وأكبر، أما ما بقي منها لم تؤد دورها المنوط بها كقاعات للعرض السينمائي بل أصبحت مجرد فضاءات للفيديو وأفلام الجنس والعنف، فيما هجرت العائلات هذه القاعات نهائيا وفضلت عنها ما تبثه القنوات الفضائية أو استعمال الأقراص المضغوطة للأفلام التي أصبحت في متناول الجميع. إزاء هذه الوضعية المزرية التي آلت إليها هذه القاعات، دفعت بالعديد من البلديات خاصة في المدن الكبرى إلى تبني برنامج ثقافي من ضمن أولوياته إعادة الاعتبار للسينما، وعليه باشرت في عملية استعادة أكبر قاعات للعرض لديها وتهيئتها وتجديدها لتكون صالحة، لكن المسألة لم تكن سهلة بحيث غالبا ما رفض المستغلون لهذه القاعات من الخواص عن طريق كرائها من البلديات إخلاءها وبالتالي تم تحويل ملفات هؤلاء إلى العدالة التي فصلت في البعض منها والبقية لازالت مؤجلة حتى إشعار آخر.
انطلقت عملية استعادة القاعات وتهيئتها في العاصمة بوتيرة أسرع، بحيث تم استرجاع قاعات: الجزائرية وأبي.سي عن طريق العدالة وتدشينها سنة 2002، كما استرجعت سينما إفريقيا وقامت بترميمها، فيما استرجعت بلدية سيدي أمحمد أربع قاعات، نفس الشأن بالنسبة لباب الوادي ثلاث قاعات: تامغوت، حورية، المغرب أما قاعة اللانكس حطمت وأصبحت في خبر كان، أما قاعة الأطلس التابعة لنفس البلدية لكنها تحت وصاية وزارة الثقافة تم فتحها سنة 2001 بعد حريق 27 فيفري 1977، وتعتبر من القاعات القليلة المخصصة للعائلات وللأيام السينمائية.
وهران بدورها فقدت الكثير من قاعات السينما بحيث كان كل حي وبلدية يضم قاعة للسينما لكن لم يعد يسمع لها ركزا، قلب وهران وحدها كان ينبض بأكثر من عشر قاعات مثل: المغرب- سانتوري- الأطلس- الكوليزي- لانكس- موغادور- إفريقيا وغيرها، إلى جانب متحف السينما التي لم يبق منها سوى هذا الأخير وقاعات المغرب والمرجاجو والسعادة التي استعادتها بلدية وهران وأعادت تهيئتها رغم الوضعيات المزرية التي كانت عليها، في حين لازالت سينما الفتح تخصص للنشاطات الثقافية والسياسية، أما قاعة سويح الهواري بعد تهيئتها وعرفت نشاطات ثقافية وأدبية بامتياز في العشرية السوداء فقدت حيويتها ودخلت في خبر كان منذ أزيد من عشرة أعوام، ناهيك عن إهمال العديد من القاعات بعد أن عبث بها الخواص الذين استغلوها لسنوات في عرض أفلام الإباحية أو تحولت إلى محلات تجارية أو قاعات للأفراح أو فندق أو مقاهي أو لمآرب أخرى. نفس المصير عرفته معظم القاعات السينمائية في مختلف ولايات الوطن، وعرفت العديد منها التخريب وتشويه مرافقها الداخلية حتى النمط المعماري والديكور الجميل بداخلها دون أن يحرك المسؤولين حينها ساكنا، وفي غياب الرقابة والالتزام الصارم بدفتر الشروط تم كراءها.
إن قوانين الجمهورية تمنع منعا باتا بيع قاعات السينما وعليه يبقى السؤال الجوهري على أي أساس تم التنازل عنها وبيع العديد منها؟ لماذا لم يطالب من الذين استغلوها في مرحلة الكراء لسنوات بالتعويضات الناجمة عن الأوضاع الكارثية التي آلت إليها تلك القاعات بعد استرجاعها من الجهات الوصية؟ …وهل سيعود يوما للسينما مجدها ومكانتها في المشهد الثقافي؟ ليبقى حلم المواكن أن يجد في حيه أو بلديته قاعة للسينما مثل أيام زمان، ولعمري أنه لا يطالب بالمستحيل.
بقلم: أبو إكرام