
القارئ مهيأ للخوض في متعة اللغة أسيرا لها وهذا ما يصيب معظمنا عكس صاحب النص فهو يخوض في تجربته أكثر ويحاول تبليغها بلغة جميلة ليس الا لانه شاعر !فطر على استجلاء الجمال للقارئ برقته وشاعريته.. حسان بن طاهر شاعر من الشرق الجزائري ويبقى أمثاله قلة نادرة تميز بنصوصه المعتقة بالأصالة فنراه قيسا تارة وعنترة تارة أخرى يتناول يراعه وردة مخضلة بعبير إحساسه فتولد قصائد بشهد الحب محلاة تأسر المتلقي لما لها من عفة وعذوبة وقد يتناوله سيفا صارما يخط به على جدار اللغة رسالته التي تبقى راسخة في ذهن القارئ لما لها من حكمة وعبرة. قصيدة الشاعر هنا عبارة عن حوار بينه وبين العاذل موضوعها الشوق للحبيبة وآثاره فتراهم يخاطبون الصب بأسلوب مستفز يناورون شعوره بالعتاب. بدون إن نخوض كثيرا في أبيات القصيدة وذلك لأنها اتسمت بطابع واحد ومسار واحد فلا يشوبها تناقض أو انزياح عن المعنى والمبنى نرى أن النص ينحدر بنا إلى أعماق الشاعر فنتفاعل مع مشاعر الصب من جهة ونتألم معه لما يقال له عن حبيبته من جهة أخرى.. ثم يختم القصيدة ببيتين يرد فيهما على العاذل إن ذلك ديدنه حين تمسه نار الشوق ولن يغير حاله أحد ابدا. هذا فيم يخص معنى النص أما المبنى فقد كان متماسكا إلى أبعد حد لا يشوبه اي خلل متمكن من الوزن فأخذ النص قالب الوافر الجميل مطوعا لغة الحوار في تجسيد المجتلى للقارئ كما أنه من ذكاء الشاعر ان يلقي بالمتلقي في البيئة التي يود أن يجسد فيها قصته وهنا نص الشاعر يسبح بنا في فضاء أشبه بالصحراء والتي واكبت خلجات ومكنونات الصب في العصر الجاهلي كمرآة للعراء الذي يفترش حاله حين غياب المحبوب عنه .. تجربة الشاعر هنا تختصر قدرته على الافضاء والبوح بدلالات وتراكيب فنية من وحي إلهامه فهو يتناول المفردات ويلقي بها في تصوره وتخييله ليستفز إلهامه الذي يلملمها في مسار واحد جملا شعرية تستحضر ذاته في حوار شيق بينه وبين الآخر. من المعروف إن القصيدة العمودية القديمة لا تتعدد تجلياتها كالتجربة الحداثية فكلها متجمعة متماسكة في قالب واحد وما ميز سلاسة نص شاعرنا هو تبنيه مفردات واضحة لا يشوبها غموض محاولا تحديثها قدر الإمكان فظهر لنا نصه جليا معتقا بالأصالة تلفه جوارحه مستحدثة علاقة بين المفردة والتصوير ليخلق لنا إيحاء وبيانا في منتهى الجمال.