
في خضم اندفاع غير مسبوق نحو الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي. تدق نواقيس التحذير من قِبل بعض الاقتصاديين، الذين يرون أن ما يحدث اليوم يوازي . وربما يتجاوز، ما عرفته الأسواق العالمية في نهاية القرن الماضي حينما انفجرت فقاعة الإنترنت. حيث كانت تلك الفقاعة نتيجة للمبالغة في التقييمات والأحلام الرقمية غير القابلة للتحقيق. واليوم يتكرر المشهد ذاته ولكن بلغة الحوسبة الذكية. مما يفتح باب التساؤلات حول ما إذا كانت الطفرة الحالية مجرد تقدم تقني حقيقي أم مغامرة مالية محكومة بالانفجار.
تقييمات متضخمة ومؤشرات مقلقة
يرى عدد من المحللين، أن التركيز الشديد على عدد محدود من شركات التكنولوجيا. والتي تقود سباق الذكاء الاصطناعي، أدى إلى تضخيم قيمتها السوقية بشكل يفتقر إلى التوازن. وفي هذا السياق، حذّر كبير الخبراء الاقتصاديين في إحدى كبرى المؤسسات المالية من أن سوق الأسهم حالياً يكرر سيناريو التسعينات.
لكن بنسخة أشد حدة، حيث أصبحت التوقعات المتعلقة بأرباح هذه الشركات منفصلة عن قدراتها الواقعية في توليد العائدات. وهو ما يجعل المؤشر العام للسوق غير معبر عن الأداء الفعلي للاقتصاد. وإنما عن موجة من التوقعات والتضخيم.
عند تحليل مؤشر السوق الأمريكي للأعوام الخمسة المتتالية منذ عام 1990 يلاحظ أن نسب التقييم بلغت ذروتها في العام 2000. تزامناً مع فقاعة الإنترنت، إلا أن السنوات الأخيرة. وتحديداً عامي 2020 و2025، سجلت نسباً تقارب تلك المستويات، بل وتتجاوزها في بعض الأحيان.
مما يشير إلى احتمال عودة التاريخ ولكن هذه المرة بتقنيات ذكية، ما يبعث على القلق من احتمال انفجار جديد قد يُحدث اهتزازات مالية عالمية.
فقاعة الذكاء الاصطناعي تنذر بمصير مجهول لشركات التقنية
لا يخفى أن الشركات الكبرى باتت تعتبر الذكاء الاصطناعي الورقة الرابحة للهيمنة على الأسواق المستقبلية. إلا أن حجم الإنفاق الهائل الذي تقوم به هذه المؤسسات يضع علامات استفهام حول مدى واقعية هذه الرهانات.
إذ تشير التقارير إلى قيام بعض هذه الشركات بتسريح آلاف الموظفين من أجل توجيه الموارد نحو تطوير البنى التحتية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وهي خطوة تعكس ضغطاً ماليا هائلاً قد لا يحتمله السوق على المدى البعيد، خصوصاً في حال لم تتحول هذه التقنيات إلى مصادر فعلية للإيرادات.
أحد القادة التقنيين في آسيا تنبّأ بأن 99 بالمائة من الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، قد لا تنجو إذا ما انفجرت الفقاعة. وهو ما يعيد للأذهان مصير العديد من الشركات الناشئة التي نشأت خلال الطفرة الرقمية السابقة ثم انهارت سريعاً بعد أن فشلت في تحقيق عوائد ملموسة.
وهذه المخاوف تبدو منطقية في ظل وجود تنافس محموم، وتكاليف تشغيل مرتفعة، وأحلام تعتمد أكثر على التصورات النظرية منها على التطبيقات الميدانية.
بين الطموح والتضليل: أين يقف الذكاء الاصطناعي؟
لا يمكن إنكار ما أحدثه الذكاء الاصطناعي من تطورات لافتة في مجالات متعددة. من الرعاية الصحية إلى الفنون والتعليم. إلا أن تحويل هذه الابتكارات إلى أرباح ثابتة ومستقرة لا يزال يحتاج إلى سنوات من التجريب والمواءمة.
في المقابل، يعتمد السوق حالياً على توقعات مستقبلية أكثر من اعتماده على منجزات حقيقية.
وهو ما يجعل المناخ الاستثماري هشاً أمام أي تغيرات سياسية أو اقتصادية أو حتى تقنية، ناهيك عن أن غالبية الأموال الضخمة يتم ضخها في مشاريع ضخمة لم تُختبر بعد في السوق.
الواقع أن السباق نحو التفوق في الذكاء الاصطناعي بدأ يأخذ طابع المغامرة المحفوفة بالمخاطر. لا سيما أن بعض الشركات الكبرى لم تعد تكتفي بتطوير الأدوات فقط. بل تسعى إلى تغيير شكل الإنترنت نفسه عبر تقنيات ذاتية القيادة في التصفح أو الاستجابة. ما قد يغير البنية الرقمية العالمية من أساسها، ومع كل هذا، يبقى السؤال الأهم: هل نحن أمام ثورة حقيقية أم مجرد وهج مؤقت يخفي وراءه هشاشة اقتصادية ومالية؟
قد لا تكون الإجابة واضحة الآن، لكن ما يبدو أكيدا هو أن التاريخ لا ينسى، وإذا ما كانت الطموحات التقنية ضرورة للتقدم، فإن الاتزان المالي يظل صمام الأمان الوحيد في وجه أي فقاعة قد تنفجر فجأة، وتعيد رسم الخريطة من جديد.