الثـقــافــة

“عمر بن ابراهيم الخيام” الشاعر المنبوذ

غيّر الكثير من المفاهيم التي أثارت حفيظة العلماء

في مطلع القرن الـ6 الهجري. حكم علماء الدين في بغداد على “عمر بن ابراهيم الخيام” بالكفر والردة. وألا يجالس الناس بسبب ما أتى به من أضاليل وتلفيقات أخلطت حسب علومهم جميع حساباتهم الدقيقة. فانزوى هذا الفيلسوف الفذ عن الناس وغمرته رياح الأصوليين. أولئك الذين احتكروا لقرن من الزمن عهد السلاجقة فأحرقوا المفكرين أحياء ونكلوا بهم أمواتا.


 

في خضم هذا الزخم الفكري. ولد “أبو الفتح غياث الدين عمر ابن ابراهيم الخيام النيسبوري” المعروف بالحكيم صاحب الرباعيات المشهورة. وأحد أعظم الفلاسفة والأطباء والحكماء والشعراء في الإسلام.

ولد في نيسبور في الأربعينيات من القرن الـ5. الهجري من أب يعمل في صناعة الخيام وإليه نسب وعلى الرغم. من أن تفاصيل حياته تشوبها هالة من الروايات المختلطة بالأساطير المبهمة.

إلا أن عمومياتها تبدو واضحة المعالم منها انتقاله إلى مدينة سمرقند بعد تحصليه العلوم في نيسابور. أين حظي هناك برضى أميرها “شمس الملك بن ابراهمي”.

حيث أنجز هناك رسالته المعروفة في الجبر. لينتقل بعدها إلى أصفهان حي نال اهتمام السلطان “ملك شاه السلجوقي”، وهناك قام على إصلاح التقويم الإيراني وبناء المرصد الفلكي في أصفهان.

بعد أن مد له السلطان كل الإمكانيات اللازمة لهذه المشاريع، غير أن الحال لم يدم على ما يرام، حيث توفي السلطان “مالك شاه فخلفه السلطان “سنجو السلجوقي”، الذي لم ترقه حياة “عمر الخيام” ولا طريقه تعاطيه مع أفكار عصره.

رغم معالجته له من داء الجذري، وهو ما دفع به الهروب نحو نيسابور مسقط رأسه ليمضي ما تبقى له من أيام عمره في العزلة والانزواء، حتى توفي في تاريخ قدره المؤرخون بين العقدين الثاني والثالث من القرن السادس الهجري.

من جهته، يذكر لنا التاريخ أن “عمر الخيام” لم تكن لديه رغبة كبيرة في التدريس والتأليف بسبب افتقاده لتلاميذ نجباء وأذكياء، إضافة إلى ما كان لأوضاع زمنه من شذوذ وانحراف، فقد عاصر عمر الخيام عهد السلاجقة.

حيث غلب التعصب الشديد على منطق العقل وبلغ الاغتيال حدا فاق كل التوقعات ضد الفلسفة والفلاسفة في مجتمع راجت فيه بضائع الأصوليين، هذا الأمر هو الذي جعله يترفع عن إبراز أفكاره الحرة ويتكتم عن أخرى.

لكنه رغم ذلك، ترك تراثا علميا ومعرفيا عظيمين جدا على غرار رسالته في الجبر والمقابلة ورسالة أخرى في الكون والتكليف، ورسالة لوازم إقليدس ورسالة في الوجود وأخرى في الكون والكون والتكلفي. ورسالة لوازم الأمكنة وأخرى في الكيمياء.

لكن أشهر ما تركه هي الرباعيات التي طبعت مرارا وتكرارا في إيران والهند، ثم ترجمت مئات المرات إلى كثير من اللغات الأوربية والعربية والتركية، غير أن شهرة “عمر الخيام” كانت خارج وطنه، لاسيما في بريطانيا وأمريكا.

قد فاقت شهرته في بلادهم، ولعل سبب ذلك يعود إلى الترجمة التي قام بها أحد الشعراء الإنجليز المبدعين وأعطاها أسمى درجات العذوبة والإبداع والجمال والبلاغة سنة 1859 ونشرها في لندن، حيث لاقت ذيوعا وشهرة عظيمة، وهو ما ساهم في انتشار فلسفة “الخيام” ومسلكه الفكري.

كما قد يتأثر الشك في عدد من رباعيات “الخيام” التي وصل عددها إلى 800 رباعية، يرى البعض أنها لا تتجاوز في الأصل 100، وهي تلخص فلسفة ورؤية تقوم على الشك، عبثية الوجود، جدلية الحياة والموت، الخلق، الحيرة والحسرة على الأيام وتغليب العقل على الكشف والشهود، والدعوة إلى اغتنام العيش والتلذذ بالحياة، وغير ذلك من المفاهيم التي أثارت حفيظة العلماء الذين هاجموه.

أحمد الشامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى