
في خطوة جديدة تعكس مدى اشتداد المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي. كشفت تقارير إعلامية عن محاولات مكثفة “عروض ميتا للذكاء الاصطناعي ” يقودها الرئيس التنفيذي للشركة . لاستقطاب أبرز الباحثين والعقول التقنية من شركة ناشئة صاعدة تحمل اسم “ثينكنغماشينز”. رغم أن عدد موظفي هذه الشركة لا يتجاوز الـ50 شخصا. فإنهم باتوا محط أنظار عمالقة الصناعة. في مقدمتهم “مارك زوكربيرج”. الذي عرض على بعضهم مبالغ مالية تجاوزت حاجز المليار دولار. وذلك ضمن خطته لتوسيع مختبراته الخاصة بالذكاء الخارق التي تحمل طموحات كبيرة لمنافسة الشركات الرائدة.
عروض ميتا للذكاء الاصطناعي .. ضخامة تقابل برفض جماعي
بحسب ما أوردته مجلة “وايرد”. تواصلت شركة “ميتا” بشكل مباشر مع أكثر من 12 باحثا من فريق “ثينكنغماشينز”. وقدمت عروضا مالية تراوحت بين 200 و500 مليون دولار على مدى 4 سنوات.
وكذلك مع عرض استثنائي لأحد المرشحين وصل إلى مليار دولار. منها أكثر من 50 مليون خلال السنة الأولى فقط. لكن اللافت أن أياً من هؤلاء الباحثين لم يوافق على هذه العروض. بل فضّلوا البقاء في شركتهم الناشئة رغم حداثة عهدها في السوق.
ويرى مراقبون أن هذا الرفض الجماعي لا يرتبط فقط بالجوانب المالية. بل يعكس أزمة ثقة في رؤية شركة “ميتا”، إذ أعرب العديد من المرشحينعن قلقهم من طبيعة القيادة داخل المختبرات الجديدة التي يديرها ألكسندر وانغ. الشريك السابق في شركة “سكيل”.
إلى جانب نات فريدمان، الرئيس التنفيذي السابق لإحدى المنصات الرقمية. فبينما تمكّنت الشركة من استقطاب نحو عشرين باحثاً حتى الآن، لا تزال تواجه صعوبة في اجتذاب الأسماء اللامعة التي تصنع الفرق.
رسائل شخصية ومفاوضات غير رسمية
اللافت في أسلوب الاستقطاب الذي انتهجته “ميتا” أنه لم يكن تقليديا. بل لجأ “مارك زوكربيرج” إلى التواصل الشخصي مع الباحثين عبر تطبيقات التراسل، وعقد معهم مقابلات فردية. تبعها جلسات طويلة مع كبار مسؤولي التكنولوجيا في الشركة.
في محاولة لإقناعهم بمستقبل المختبر ومشروع “الذكاء الخارق” الذي يعِد بتغيير طريقة تفاعل الإنسان مع التطبيقات والمنصات. وقد شدد “زوكربيرج” في إحدى رسائله على أهمية تطوير مساعد رقمي لكل مستخدم. ونموذج ذكي لكل شركة، ومنصة تفاعلية لكل منشئ محتوى، لكن هذه الرؤية لم تلقَ قبولاً واسعاً.
كما في المقابل، أعرب المرشحون عن مخاوفهم من تركيز “ميتا” على دمج الذكاء الاصطناعي في تطبيقاتها الحالية مثل “ريلز” و”فيسبوك”، وهو توجه وصفه البعض بأنه تجاري بحت، يفتقر إلى البعد الأخلاقي أو العلمي الذي تنشده الشركات المتخصصة في بناء ذكاء يخدم الإنسانية على نطاق أوسع، كما أشار بعضهم إلى أن المقابلات مع “ميتا” كانت بالنسبة لهم وسيلة لتحديد قيمتهم السوقية، لا أكثر.
تمويل ضخم لشركة صغيرة يقلب الموازين
المثير للدهشة أن “ثينكنغماشينز”، ورغم أنها لم تطرح بعد أي منتج في الأسواق. إلا أنها نجحت في جمع تمويل تأسيسي هائل بقيمة وصلت إلى ملياري دولار. لتصبح واحدة من أعلى الشركات الناشئة قيمة في تاريخ الصناعة.
حيث قدرت بنحو 12 مليار دولار. وهذا يعني أن موظفيها لا يواجهون ضغوطا مالية تجعلهم مضطرين لقبول عروض أعلى. بل يمتلكون دعماً كافياً يتيح لهم مواصلة العمل في بيئة يثقون بها دون المساومة على أهدافهم.
ويؤكد هذا الوضع أن الحوافز المادية، مهما بلغت، لا يمكن أن تعوّض غياب الثقة في الإدارة أو عدم اقتناع الباحث بالمهمة التي سيُطلب منه تنفيذها، خاصة في ميدان حساس ومتسارع مثل الذكاء الاصطناعي، حيث تتداخل الأسئلة التقنية بالأخلاقية، وتتقاطع الرؤى التجارية مع الطموحات البحثية.
المعركة لم تعد حول المال فقط
تشير هذه التطورات إلى تحول نوعي في بيئة الابتكار. إذ لم تعد الأموال وحدها قادرة على جذب الكفاءات. بل باتت رؤية المؤسسة، وشفافية قيادتها. وسمعتها في مجال الأبحاث، عناصر حاسمة في معادلة الجذب.
وفي وقت تسعى فيه “ميتا” إلى إثبات حضورها القوي في عالم الذكاء الاصطناعي، يبدو أن الطريق أمامها سيكون طويلاً وشاقاً، ما لم تُراجع خطابها، وتعيد رسم استراتيجيتها. وتستمع جيداً لما يريده الباحثون لا ما يريده السوق فقط.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله