
وسط بيئة علمية مهيأة لصناعة الجيل التكنولوجي القادم. وفي مدينة وهران بالذات. ولدت قصة الطفل “شهاب بن زايد”. الذي جمع بين الدراسة النظامية والابتكار التقني منذ سن مبكرة.
“شهاب بن زايد”، الطالب في المدرسة المتوسطة، والملتحق بمعهد MTI. هو أحد النماذج البارزة التي تكوّنت داخل فرع مدرسة نيو ڨايت روبوت، والتي تعد أول مركز من نوعه في الجزائر مخصص لتعليم الذكاء الاصطناعي والروبوتيك للأطفال.
وفق منهاج كوريا الجنوبية، عبر برنامج يمتد على 12 مستوى، يعادل 12 سنة من التكوين. ويستقبل الأطفال من سن 6 سنوات حتى 17 سنة.
معهد “MTI”للذكاء الاصطناعي
تأسس فرع وهران في 21 جويلية 2022، ضمن شبكة تعليمية واسعة تشمل 12 فرعًا عبر الوطن، منها فرعان في سطيف، قسنطينة، العاصمة، مستغانم، جيجل وتيارت.هذا البرنامج يدرَّس في 35 دولة رائدة عالميًا. ويرافقه تنظيم مسابقات وطنية ودولية سنوية.
ويعد المعهد علامة بارزة في المشهد التربوي الرقمي. حيث حاز على تكريم من رئيس الجمهورية سنة 2020. وحقق المرتبة الأولى عالميا في كوريا الجنوبية في مجالي الابتكار والروبوتيك سنتي 2020 و2024.
“شهاب”، الذي التحق بالمعهد في مارس 2023، يقول إنه لم يكن يفقه شيئًا عند انضمامه. لكنه بدأ مسارًا تدريجيًا انطلق بتعلم أساسيات البرمجة عبر السكراتش. ثم تطور إلى الأردوينووتعلم تحريك الروبوت. ثم إلى المايتي حيث شرع في صناعة التطبيقات.
دعم الأسرة كان البداية
يقول والد “شهاب”، السيد “بن زايد حبيب”، إن اكتشاف المعهد كان صدفة، بفضل والدته التي بحثت وسألت عنه.
ثم استشارا ابنهما، الذي أبدى اهتمامًا واضحًا بالانضمام. يتحدث الأب بثقة قائلاً: “أردنا أن نملأ وقت فراغ الطفل بما فيه الفائدة له ولمستقبله. أي شيء فيه علم أو معرفة، نرغب أن يتعلمه”.
ويضيف: “ضممناه للمعهد بعد أن لاحظنا فطنته منذ نعومة أظافره. كان يسبق أقرانه دائما، لذلك قررنا أن نستثمر فيه ليستفيد من نفسه ويفيد محيطه. ومنذ أن كان صغيرا.كان شغوفا بما يتعلق بالإلكترونيات والتكنولوجيا. ولهذا أردنا توجيه طاقته لما ينفعه”.
ويؤكد الأب أنه نصح “شهاب” رفقة والدته، بالاقتداء بشخصيات علمية مرموقة. قائلًا: “نصحناه أن يقتدي بأساتذة كبار مثل البروفيسور حليمي والبروفيسور تومي، وهما من خريجي الجامعات الجزائرية. تعلموا هنا، وهم الان يشغلون مناصب علمية كبرى عالميًا. نريده أن يقتدي بالعلماء، لا بالتافهين”.
شهاب بن زايد .. بين الدراسة والابتكار .. توازن ونجاح
في وقتٍ كان “شهاب” يحضّر فيه لشهادة التعليم المتوسط، كان أيضًا يواظب على الحضور للمعهد ويراجع في أوقات فراغه علوم الروبوتيك والبرمجة.
يقول: “يمكن القول إنني كنت أوازن بين المراجعة للامتحان والحضور للمعهد”.
مضيفًا: “كنت أعرف قليلاً في السابق عن الكهربائيات والتلفاز والكمبيوتر، لكن عند قدومي إلى المعهد تعلّمت كل شيء بالتفصيل، من البرمجة إلى صناعة التطبيقات، ولا أزال أطور نفسي حتى الآن”.
ويؤكد شهاب أن شغفه بدأ عندما كان في 11 من عمره، ليجد في المعهد أرضًا خصبة لنموه العلمي وتطوره المعرفي.
مشروع في اللحظة الأخيرة.. وتتويج وطني
رغم عدم تخطيطه للمشاركة، قرر “شهاب” في اللحظة الأخيرة الانضمام إلى المسابقة الوطنية التي نُظمت في الجزائر العاصمة يوم 21 جوان 2025 حضّر مشروعه خلال أيام قليلة، وشارك به ولم يكن يتوقع الفوز، لكن النتيجة جاءت مدهشة: المرتبة الأولى وطنيًا.
المشروع الذي شارك به كان تطبيقًا لتذكير المرضى بتناول أدويتهم، حمل اسم “AlarmMedication”، وهو تطبيق عملي استلهمه من حاجة واقعية، ويُظهر قدرة شهاب على نقل أفكاره من الخيال إلى التنفيذ.
تؤكد المسؤولة عن المعهد فرع وهران السيدة “بونجار فريال”، أن شهاب أنجز مشروعه في أقل من أسبوع، وهو متمكن من عدة مجالات، ليس فقط الروبوتيك، بل أيضا الميكانيك، والإلكترونيك، وحتى اللغة الإنجليزية، مشيرة إلى أنه من النوع القادر على التألق في أي مجال بأقل مجهود.
مشاركة جديدة.. ومشروع حماية ذكي
لم يكتفِ شهاب بما أنجزه، بل يستعد اليوم للمشاركة في مسابقة وطنية أخرى بتنظيم من وزارة التربية الوطنية، موجهة لتلاميذ الأطوار الثلاثة: الابتدائي، المتوسط والثانوي.
مشروعه الجديد يحمل عنوان “الحماية التامة للمنازل من تسرب الغاز والحرائق”، وهو ابتكار يُعزز الأمان المنزلي باستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وتُدير معهد “MTI” حاليًا السيدة “عبد الكريم زهرة”، منذ افتتاحه في فيفري 2023، ويضم تخصصين: الذكاء الاصطناعي واللغة الإنجليزية.
وتؤكد “بونجار فريال”، المسؤولة عن الإدارة في المعهد فرع وهران، أن فترة التجربة قبل الانضمام تعتمد على الطفل، وأن أهم معيار في القبول هو الشغف، حيث يتم تعليم الأطفال من الصفر وبداية من الأساسيات.
قصة “شهاب” ليست مجرد تجربة فردية، بل هي نموذج مُلهم لطفل وجد دعمًا من عائلته وبيئة تعليمية تؤمن بالعلم وقدرة الذكاء الاصطناعي على أن يكون جسرًا نحو المستقبل.
“شهاب” الذي يحلم بأن يُصبح شخصية مرموقة في عالم الذكاء الاصطناعي، أو طيارًا، يرى أن مستقبل الدول اليوم مرهون باستثمارها في العقول الشابة وفي التكنولوجيا.
وفي مسيرته، يثبت أن أطفال اليوم يمكنهم إن وُجهوا بالشكل الصحيح، أن يصبحوا مهندسي المستقبل وأن تكون مدارس مثل “نيو ڨايت روبوت” محاضن حقيقية للعبقرية الجزائرية الناشئة.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله