في زمن تزداد فيه المخاوف من أزمة النفايات البلاستيكية، تقف شركة ناشئة تدعى « سكاي تيك» في طليعة من يغيرون قواعد اللعبة، هذه الشركة التي بدأت في فرنسا، استطاعت أن تجد حلا إبداعيا لتحديات إعادة تدوير البلاستيك وتحول نفاياته إلى مواد عالية الجودة قادرة على منافسة البلاستيك الجديد، بفضل تقنياتها المبتكرة تعيد « سكاي تيك» رسم ملامح مستقبل صناعة البلاستيك، لتصبح واحدة من أبرز الفاعلين في مجال الاقتصاد الدائري في أوروبا.
بدأت قصة « سكاي تيك» في عام 2011 من خلال تعاون مثمر بين الباحثين والمركز الوطني للبحث العلمي CNRSلتطوير تقنية ثورية لفصل البلاستيك بعد 05 سنوات من الأبحاث والتجارب، تم تطوير هذه التكنولوجيا وتحويلها إلى عملية صناعية مما جعل « سكاي تيك» قادرة على التعامل مع أكثر أنواع البلاستيك تعقيدا، والتي كان يعتقد سابقا أنها غير قابلة لإعادة التدوير مع وصول المدير التنفيذي « فريدريك ديلافال» في عام 2024 اتخذت الشركة خطوة جريئة نحو توسيع نطاق إنتاجها وتسريع تطورها الصناعي.
“فريدريك ديلافال” بخبرته الطويلة في إدارة المشاريع الصناعية الكبرى، وضع رؤية استراتيجية لتحويل «سكاي تيك»، من شركة ناشئة تعتمد على الأبحاث إلى عملاق صناعي أوروبي في مجال إعادة تدوير البلاستيك بهدف بناء مستقبل مستدام قائم على تحويل النفايات إلى موارد عالية القيمة.
رغم الجهود الكبيرة المبذولة في مجالات إعادة التدوير، إلا أن البلاستيك ما زال يشكل تحديا ضخما فالأرقام الحالية تشير إلى أن 13 بالمائة فقط من النفايات البلاستيكية يعاد تدويرها، والهدف الطموح الذي تسعى له أوروبا هو إعادة تدوير 55 بالمائة من البلاستيك بحلول عام 2030 لكن العقبات كبيرة منها التكاليف المرتفعة وصعوبة فصل البلاستيك المختلط ونقص البنية التحتية الملائمة.
هنا يأتي دور “سكاي تيك” بحلها الثوري الذي يعتمد على تقنية تعتمد على «الكهرباء الاحتكاكية – triboelectricity» لفصل البلاستيك المختلط بدقة غير مسبوقة يتم أولا تفتيت البلاستيك إلى قطع صغيرة، ثم تشحن هذه الجسيمات بطاقة كهروستاتيكية ما يمنح كل نوع من البلاستيك توقيعا كهربائيا مميزا، يسمح بفصله عن غيره من الأنواع الأخرى بدقة مذهلة.
النتائج التي تحققها « سكاي تيك» في إعادة تدوير البلاستيك ليست مجرد مواد معاد تدويرها، بل هي مواد بتقنيات جديدة تضاهي في جودتها البلاستيك الجديد وأحيانا تتفوق عليه، على سبيل المثال البلاستيك المعاد تدويره « Rabs» يستخدم في صناعة الأجهزة المنزلية مثل المكانس الكهربائية، بينما البلاستيك « RPP» بفضل مقاومته العالية للحرارة يستخدم في صناعة أجزاء السيارات خصوصا تلك التي تتعرض لظروف قاسية والنتيجة منتجات بلاستيكية معاد تدويرها بمواصفات فائقة الجودة ما يفتح المجال أمام استخدامها في العديد من الصناعات الكبرى مثل السيارات الأجهزة المنزلية وحتى المعدات الكهربائية.
مع القدرة الإنتاجية المتزايدة التي تصل إلى 40 ألف طن سنويا تهدفسكاي تيك إلى تلبية الطلب المتزايد على المواد البلاستيكية المعاد تدويرها من قبل الصناعات الكبرى، تسعى الشركة للوصول إلى التوازن المالي بحلول عام 2026 وتستمر في توسيع قاعدة عملائها في أوروبا.
هذه الطموحات الكبيرة لا تأتي من فراغ، إذ يدعم « سكاي تيك» شريكها الاستثماري « XERYS INVEST» الذي قدم تمويلا طويل الأمد بلغ أكثر من 50 مليون يورو على مدار 12 عاما هذا الاستثمار الاستراتيجي ساعد الشركة على تجاوز تحديات البحث والتطوير وتحويل فكرتها إلى حقيقة صناعية.
ما تقدمه « سكاي تيك» هو أكثر من مجرد عملية إعادة تدوير إنها ثورة في كيفية التعامل مع النفايات البلاستيكية من خلال تقنيتها الفريدة، أصبحت الشركة قادرة على تقديم حلول صناعية مبتكرة تعيد للبلاستيك دوره في الاقتصاد دون التسبب في أضرار بيئية.
هذه الشركة الناشئة تقف اليوم كدليل حي على أن الابتكار والتكنولوجيا يمكن أن يغيرا العالم، بدلا من أن تكون البلاستيكات المهملة مشكلة بيئية حولتها « سكاي تيك» إلى فرصة اقتصادية وصناعية، إنها خطوة جبارة نحو بناء مستقبل أكثر استدامة حيث لا تذهب النفايات سدى، بل تتحول إلى منتجات تضاهي الأصل جودة وربما تتفوق عليه.