تكنولوجيا

رسالة زوكربيرج الأخيرة تفتح بابًا جديدًا في جدل الذكاء الاصطناعي المفتوح

في خطوة لافتة،رسالة زوكربيرج الأخيرة تناول فيها رؤيته لما سمّاه “الذكاء الفائق الشخصي”. وهو تصور طموح يعتمد على تمكين الأفراد من تسخير قدرات الذكاء الاصطناعي لخدمة أهدافهم الخاصة. إلا أن ما بين السطور حمل إشارات واضحة إلى تغير مرتقب في نهج الشركة تجاه النماذج المفتوحة المصدر. وهو ما يعد تحولًا حادًا في فلسفة ميتا التي طالما روّجت للانفتاح في تطوير الذكاء الاصطناعي.


 

تضمنت الرسالة تعبيرًا مباشرًا عن أهمية إتاحة فوائد الذكاء الفائق لأكبر عدد ممكن من الناس. غير أن زوكربيرج عاد ليشدّد على ضرورة التحفّظ في جعل هذه التقنيات مفتوحة بالكامل.

مؤكدًا أن هذا المستوى من الذكاء سيحمل معه تحديات تتعلق بالأمان الرقمي وسلامة الاستخدام. وهو ما يقتضي توخي الحذر في ما يُعرض للعامة.

هذا التصريح يحمل في طياته تغيرًا استراتيجيًا، خاصةً أن ميتا كانت قد قدّمت سابقًا نماذجها المعروفة باسم “لاما” كبدائل مفتوحة أمام الجميع. في الوقت الذي اتخذت فيه شركات كبرى مسار النماذج المغلقة لحماية بياناتها واستثماراتها.

 

التخلي عن الانفتاح الكامل: تحوّل تفرضه المنافسة وليس القناعة

على الرغم من أن ميتا لم تعلن صراحة أنها ستغلق نماذجها القادمة. فإن تصريحات زوكربيرج الأخيرة توحي برغبة الشركة في إعادة النظر في ما تقدمه للعلن. وهو ما قد يرتبط بتغير ميزان القوى في سوق الذكاء الاصطناعي.

حيث تحتفظ شركات أخرى مثل “أوبن إيه اي” و”جوجل” بنماذجها الأكثر تطورًا في إطار مغلق. وهو ما يضمن لها ميزة تنافسية من حيث السيطرة على العوائد وضبط الاستخدام.

ومع أن ميتا تعتمد على الإعلانات الرقمية كمصدر رئيسي للدخل. ولا تعتمد بشكل مباشر على بيع نماذجها، فإن تباطؤها مقارنة بمنافسيها قد يدفعها إلى اعتماد سياسات أكثر تحفظًا.

وهو ما ظهر جليًا في المرحلة الأخيرة من تطوير النموذج الثالث من سلسلة “لاما”. حيث سعت ميتا بوضوح إلى تجاوز قدرات النموذج الرابع من شركة “أوبن إيه اي”، ولو على حساب انفتاحها السابق.

تجدر الإشارة إلى أن ميتا لم تكشف يومًا عن مجموعات البيانات الضخمة التي استخدمتها في تدريب نماذجها. وهو ما كان محل شك من قبل المهتمين بمجال المصادر المفتوحة. الذين يرون أن الانفتاح لا يقتصر فقط على إتاحة النماذج. بل يجب أن يشمل طرق التدريب والبيانات كذلك.

 

رسالة زوكربيرج الأخيرة ..  الذكاء الفائق يفرض قواعد جديدة

تشير رسالة زوكربيرج إلى إدراك متزايد لدى الشركات التقنية بأن مرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق ستتطلب تغييرات جوهرية في طريقة بناء النماذج ومشاركتها مع العالم. فالخطر لم يعد مجرد سوء استخدام فردي. بل أصبح متعلقًا بإمكانية تطوير أدوات قد تخرج التحكم من يد المطوّر.

ولهذا فإن مسألة “الانفتاح” لم تعد خيارًا بسيطًا. بل قضية معقدة ترتبط بالسلامة، والسيادة المعلوماتية. والقدرة على ضبط الأثر الاجتماعي والاقتصادي للتقنيات الجديدة.

الرسالة تضع الشركة في مفترق طرق، فمن جهة هناك الإرث الذي بنت عليه ميتا سمعتها كداعمة للانفتاح الرقمي. ومن جهة أخرى تبرز الحاجة إلى حماية موقعها في سوق يشهد سباقًا محمومًا نحو تحقيق ما يعرف بالذكاء الشبيه بالبشر. وهو ذكاء قد يتجاوز قدراتنا الحالية على الفهم والتحكم، ويجعل من الصعب تحديد ما إذا كان فتح المصدر يمثل تقدمًا، أم تهديدًا حقيقيًا.

 

مستقبل غير واضح: هل تتراجع ميتا عن تعهداتها السابقة؟

من الواضح أن ميتا تسير نحو إعادة تعريف علاقتها بفكرة الذكاء المفتوح، وربما تحذو حذو الشركات الأخرى التي ترى في الاحتكار التقني وسيلة لحماية جهودها وتوسيع نفوذها.

ومع ذلك فإن أي تراجع صريح عن مبدأ الانفتاح سيترك أثرًا عميقًا في النقاش العالمي حول الذكاء الاصطناعي، ويُضعف الثقة التي وضعتها المجتمعات الرقمية في شركات التقنية الكبرى.

التساؤلات المطروحة اليوم لم تعد تقتصر على من يملك التقنية، بل إلى أي مدى يجب أن تُتاح للناس، ومن يتحمل مسؤولية ما قد تسببه من آثار جانبية، سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي.

ورغم أن زوكربيرج لم يعلن تغييرًا رسميًا في السياسات، إلا أن إشاراته المتكررة إلى الحذر والانضباط تُمهّد لرؤية جديدة لا تُشبه كثيرًا بدايات مشروع “لاما”.

يبدو أن مفهوم الذكاء الفائق، الذي يتجاوز مجرد الإجابة على الأسئلة أو أداء المهام البسيطة، سيُجبر الجميع على مراجعة مواقفهم، والتفكير في توازن صعب بين الابتكار والانضباط، وبين الحرية التقنية والمسؤولية الأخلاقية.

وهو ما يجعل من رسالة زوكربيرج وثيقة بالغة الأهمية، ليس فقط لمستقبل ميتا، بل لمسار الذكاء الاصطناعي بأسره.

 ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى