
بين جدران مبانٍ محصنة في مدينة سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا، يعمل فريق من علماء شركة “ألفابت”، الشركة الأم لمحرك البحث العملاق “غوغل”، على تطوير واحد من أكثر المشاريع طموحاً في تاريخ الشركة: حاسوب كمومي يتفوق على كل ما سبق.
المشروع الذي ظل طي الكتمان لفترة، قد يشكل بوابة لحقبة جديدة في مجال التكنولوجيا تتجاوز حدود الذكاء الاصطناعي التقليدي.
اندماج الكم والذكاء الاصطناعي
يرى “جوليان كيلي”، مدير الأجهزة في قسم “غوغل كوانتوم”، أن الحوسبة الكمومية ليست مجرد تقنية مستقبلية، بل شريك مكمل للذكاء الاصطناعي. وأكد في تصريحات مستندة إلى تقرير نشره موقع “CNBC”، أن الدمج بين المجالين قد يحدث ثورة في طريقة معالجة البيانات واتخاذ القرارات الذكية. فبدلا من الاقتصار على النماذج المعتمدة على البيانات الضخمة، تتيح الحوسبة الكمومية إمكانيات غير مسبوقة في توليد بيانات نوعية وفريدة من نوعها.
- استدراك التأخر في سباق الذكاء الاصطناعي
رغم أن “غوغل” بدت متأخرة نسبيا في سباق الذكاء الاصطناعي التوليدي، بعد الطفرة التي حققتها شركة “أوبن إيه آي” عبر إطلاقها لـ”تشات جي بي تي” في نهاية عام 2022، إلا أن الشركة الأمريكية العملاقة تسعى اليوم لاستعادة زمام المبادرة. وقد كشفت مؤخرا عن شريحة كمومية جديدة أطلقت عليها اسم “ويلو”، أثبتت قدرتها على حل مسائل رياضية معقدة بسرعة لا يمكن لأي حاسوب تقليدي مجاراتها.
- دقة عالية وخطأ أقل
الميزة الأبرز في شريحة “ويلو”، هي تمكنها من تقليص معدل الأخطاء عند إضافة مزيد من “البتات الكمومية”، ما يعد تقدما مهما في هذا المجال الذي كان يعاني من مشكلات تتعلق بثبات العمليات ودقتها. وقد اعتبر “جون بريسكيل”، مدير معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، هذا الإنجاز بمثابة لحظة تاريخية طال انتظارها في مجال الحوسبة الكمومية، مضيفا أن هذا التقدم سيشكل نقطة تحول في الأبحاث والتطبيقات التقنية.
- الحوسبة الكمومية كرافد للذكاء الاصطناعي
من أبرز التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي حاليا هو محدودية البيانات عالية الجودة، والتي تعد حجر الأساس في تدريب النماذج المتقدمة. وهنا تبرز أهمية الحوسبة الكمومية، إذ تتيح إمكانية توليد بيانات جديدة ومخصصة، ما يسمح للنماذج الذكية بتوسيع نطاق قدراتها في مجالات حيوية مثل الطب، والبيئة، والتكنولوجيا الحيوية.
نموذج “AlphaFold” كمثال حي
يستشهد “كيلي” بنموذج “AlphaFold” الذي طورته شركة “ديب مايند” التابعة لغوغل، والذي ساعد العلماء في فهم بنية البروتينات، مما أهّله للفوز بجائزة نوبل في الكيمياء عام 2024. ما لا يعرفه الكثيرون هو أن هذا النموذج اعتمد بشكل جزئي على بيانات مستندة إلى مبادئ ميكانيكا الكم، وهي بيانات نادرة ومعقدة لا يمكن الحصول عليها بسهولة. ومن هنا تتجلى أهمية الحواسيب الكمومية في تقديم حلول علمية دقيقة وواقعية.
- آفاق تطبيقية واسعة
يؤكد “كيلي” أن غوغل أصبحت على بعد أقل من 05 سنوات من تحقيق اختراق تقني حقيقي، يتمثل في إنتاج أول تطبيق عملي لا يمكن إنجازه إلا عبر حاسوب كمومي. ومع ذلك، يشدد على أن النجاح العلمي وحده لا يكفي، بل يجب أن يُترجم هذا الإنجاز إلى مشروع تجاري فعلي يحدث فارقاً في الأسواق ويغير قواعد اللعبة التكنولوجية.
- تحول نوعي في تاريخ التقنية
في ظل المنافسة الشرسة في ميدان الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة، يبدو أن غوغل لا تراهن فقط على التفوق، بل على إعادة تعريف مفهوم الحوسبة ذاته. إن القدرة على إنتاج حواسيب كمومية قادرة على محاكاة الواقع بدقة، وتوليد بيانات غير موجودة أصلاً، قد تجعل من المستقبل مجالاً مفتوحاً للتجريب والابتكار.
لا شك أن ما تخطط له غوغل قد يقود إلى عالم تتجاوز فيه التكنولوجيا حدود العقل البشري، فتقدم نماذج فكرية وذكاء اصطناعيا قائما على أسس كمومية دقيقة. فهل سيكون العام 2030 هو العام الذي نرى فيه أول تطبيق يومي للحوسبة الكمومية؟ وحدها السنوات القادمة ستكشف الستار عن هذا المستقبل المثير.
- من خلال الذكاء الاصطناعي ستأتي وظائف لم تولد بعد
تسير الجامعات في دولة الإمارات بخطى واثقة نحو بناء منظومة تعليمية استشرافية، تأخذ في الاعتبار المتغيرات السريعة التي يشهدها سوق العمل العالمي، خاصة مع بروز الثورة الصناعية الرابعة، وتقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، والميتافيرس، والحوسبة الكمومية.
وقد أظهرت نتائج محادثات حديثة أجريت مع منصات ذكاء اصطناعي، توقعات بظهور 05 مهن جديدة بحلول عام 2030، ما يدفع بالمؤسسات التعليمية إلى إعادة النظر في مناهجها وخططها الدراسية، لضمان جاهزية طلبتها لوظائف لم تُخلق بعد.
مهن المستقبل: ما وراء الخيال يصبح واقعا
تنبأ الذكاء الاصطناعي بـ05 مهن ستظهر في أفق 2030، وهي: “مدقق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي”، “مهندس ميتافيرس”، “مطور برامج الحوسبة الكمومية”، “معالج نفسي مختص في الإدمان الرقمي” و”مهندس التعلم”. هذه الوظائف التي كانت في الماضي القريب تنتمي إلى خيال علمي، باتت اليوم محور نقاش حقيقي في أروقة الجامعات، ما يستوجب بناء مناهج تعليمية مرنة ومواكِبة لهذه المتغيرات المستقبلية.
- الجامعات وتحدي التغيير السريع
تدرك مؤسسات التعليم العالي الإماراتية، وفي طليعتها جامعة خليفة وجامعة الإمارات وجامعة أبوظبي والجامعة الأمريكية في الشارقة، أن إعداد الطلبة لوظائف المستقبل يتطلب أكثر من مجرد تحديث المناهج، بل يستلزم إحداث تحول عميق في أساليب التعليم والتفكير.
إذ لم تعد المناهج التقليدية قادرة على مواكبة متطلبات الاقتصاد المعرفي، لذلك تتجه الجامعات إلى تعليم البرمجة وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لجميع التخصصات، بغض النظر عن مجالاتها، ما يعكس توجهاً نحو التعلم متعدد التخصصات، وتطوير مهارات التكيف مع بيئات العمل المختلفة.
- الابتكار وريادة الأعمال في قلب الجامعة
تعتمد الجامعات الإماراتية على نهج تكاملي يجمع بين التعلم الأكاديمي والتجربة الواقعية. فقد بات من الضروري دمج ريادة الأعمال ضمن بنية المناهج الجامعية، عبر إنشاء حاضنات للأعمال، وتقديم برامج لدعم المشاريع الطلابية، وتنظيم مسابقات للابتكار، وكل ذلك من أجل تنمية مهارات التفكير الريادي، وتوفير بيئة تعليمية مرنة تسمح بالتجريب، والخطأ، والمحاولة.
- شراكات مع الصناعة لضمان الواقعية
لا تكتفي الجامعات بتطوير المناهج داخليا، بل تعمل على بناء علاقات شراكة قوية مع قطاعات الأعمال والصناعة، من أجل ضمان أن تكون البرامج الأكاديمية مواكبة فعلا لمتطلبات السوق.
ومن خلال إشراك أرباب العمل والخبراء الصناعيين في تصميم المساقات، يحصل الطلبة على تجربة تعليمية أكثر واقعية، وتتاح لهم فرص للتدريب العملي داخل مؤسسات رائدة، مما يعزز من جاهزيتهم المهنية ويقلص الفجوة بين ما يتعلمونه في القاعات الدراسية وما ينتظرهم في الواقع المهني.
- تعلم مدى الحياة ومهارات لا تنتهي
يشدد الأكاديميون على أن التعليم في القرن الـ21 لم يعد مرحلة مؤقتة، بل هو عملية مستمرة مدى الحياة. من هنا، تتبنى الجامعات مفهوم “التعلم المستمر”، وتطرح برامج مرنة مثل الدورات المصغرة، والشهادات المهنية، والمؤهلات التراكمية، التي تسمح للطالب بتطوير مهاراته حسب حاجات السوق المتغيرة.
كما أن المهارات الدائمة، كالتفكير النقدي، والقدرة على حل المشكلات، والتواصل الفعال، والمرونة، أصبحت من الأولويات في برامج الإعداد المهني.
- استشراف المستقبل في مناهج اليوم
أكد مديرو الجامعات على أهمية تضمين مواد دراسية تتناول تغير المناخ، الاستدامة، الطاقة المتجددة، الروبوتات، البلوك تشين والتحول الرقمي. فهذه المواضيع باتت تشكل محاور رئيسية في الاقتصاد العالمي.
ويشير الأكاديميون إلى أن إدخال مثل هذه المواضيع ضمن البرامج الجامعية لا يقتصر على الجانب النظري، بل يتم عبر مشاريع واقعية، وتطبيقات عملية، ومختبرات ابتكار، ما يرسخ الفهم التطبيقي ويغرس في الطلبة مهارات التعامل مع التحديات المستقبلية.
- مستقبل التعليم… بناء إنسان المستقبل
في خضم هذه التغيرات الجذرية، تظل الغاية الكبرى من كل هذه الجهود الأكاديمية هي إعداد الإنسان القادر على التأقلم، والإبداع، والمنافسة في عالم متحول. إن بناء منظومة تعليمية تستشرف المستقبل، وتدمج بين العلم والتقنية والمهارات الإنسانية، بات ضرورة لا خيارا، فالطالب اليوم ليس مجرد متلق للمعرفة، بل هو مشارك في بنائها، وعليه أن يكون مستعدا لمواجهة وظائف قد لا تكون موجودة الآن، لكنها ستكون مطلبا حتميا خلال سنوات قليلة.