
تـعـدّ تربية النحل وإنتاج العسل من أقدم المهن التي مورست وتوارثـتها الأجيال في المناطق الحدودية للجهة الغربية لولاية تلمسان، وفي مقدمتها دائرتي مغنية وبني بوسعـيد الحدوديتين، نظير ما تتمتع بهما من تنوع في الغطاء النباتي، الأمر الذي أسهم في تنوع مناخها وانتشار نشاط تربية النحل وتمكين الكثير من ملاك النحل من إنتاج العسل.
حيث تـوارث عـدد من الشباب بهاتين المنطقتين ممارسة هذه المهنة، التي تشهد تطورا ونموا سريعا، مما دفعهم للتنقل من منطقة إلى أخرى، بحثا عن الأشجار والأزهار المناسبة لإنتاج العسل عبر جبال عصفور، وزادتهم الخبرة، شغفا لتطوير مهاراتهم في هذا الصدد، والانتقال من مرحلة الهواية إلى مرحلة الاحتراف، باتخاذها مهنة رسمية، والاستثمار كأرواد أعمال في هذا المجال.
وهو ما يتوافق مع رؤية السياسة الاقتصادية للبلاد حاليـا، الهادفة إلى تشجيع الشباب على خوض تجارب جادة للعمل في مجال الاستثمار والاقتصاد، باعتبـار أن العسل يـعـد عاملا مهـمّا في نمو الحركة التجارية والاستثمارية والسياحية بالمنطقتين خاصة والوطـن عامة، وعنصرا أساسيا وغـذائيا، ومن المنتجات الريفية الزراعـية الواعـدة في ظل ما تتميز به من غطاء نباتي فريد، ما جعل ذلك سببا في تميز العديد من المنتوجات ومنها العسل.
هـذا، وشهدت مادة إنتاج العسل بأنواعها المختلفة بدائرتي مغنية وبني بوسعـيد الحدوديتين خلال السنـوات الأخيرة تحسنا، بعـد السنوات من التراجع الذي شهدته، وحسب ما أفادت به مقاطعة المصالح الفلاحية لدائرة مغنية، التي تضم بلديات مغنية، بوغرارة، بني بوسعـيد وسيدي مجاهـد، المعـروفة بإنتاج مادة العسل، بأن إنتاج هذه المادة الغذائية الصحية تجاوز السنوات الأخيرة السقـف 200 ألف قـنطار للعام الواحـد، إذ تجاوز متوسط المردود في الخلية الواحدة التي تعتمد في تغذيتها على وجه الخصوص، من أشجار الغابة والحمضيات بالنسبة لهذا الموسم حوالي 03 كلغ.
حيث أرجع الأخصائيون ومربّـو تربية النحل أسباب تحسن الإنتاج إلى عوامل، تتمثل أبرزها في تواصل دعم الدولة للمنتجين الذين ارتفع عددهم من زهاء الـ 160 سنة 2014 إلى أكثر من 210 حاليا على مستوى المقاطعة الفلاحية لدائرة مغنية فقط، حيث يناهز عدد الخلايا المنتجة لمادة العسل بدائرتي مغنية وبني بوسعيد عـبر بلدياتهما الـ 1500 خلية عام 2012، و2748 خلية عام 2013 مقارنة بالسنة الجارية، أين تم تسجيل ما يفوق 3000 خلية منتجة بشكل مكـثّـف مخصّصة لإنتاج مشتقات العسل والباقي من الخلايا مستغلة في أغراض مختلفة تتعلق بتربية النحل وإنتاج العسل.
وقـد تمكّنت خلايا النحل من التغـذية الطبيعية وفي الوقت المناسب، ومهما يكن، فإن هذا التحسن في الإنتاج الذي يبقي بعيدا عن إنتاج السنة الفارطة وما قبلها، لم يكن له تأثير إيجابي على أسعار هذه المادة المتداولة في السوق، حيث استقـرت على حالتها المرتفعة ويتراوح سعرها بين 3000 دج و5000 دج للكلغ الواحد، خاصة وأن تربية النحـل بهاذين الدائرتين تنتشر على وجه الخصوص بالمناطق الجبلية المحيطة بقرى والمناطق الريفية لبلديات الدائرتين المشهورة بتربية النحـل كـقرية الشبيكية، أولاد ملوك، بوركبة، المعازيز، سيدي يحيى، بوسدرة، الكاف، عين تغاليميت، الزوية، حيداس، ربّـان، محمد صالح…وغـيرها، وتتوفر على أشجار الكاليتوس والبساط الغابي وزراعة الحمضيات التي تعد المصدر الأساسي لتغـذية النحـل.
وحسب المربين، فإن التكاليف الباهظة التي تقع على عاتق النحال، جعلت من الأسعار مرتفعة نوعا ما، مناشدين في هذا السياق السلطات المعنية مساعـدتهم وتقـديم الدعم لهم حتى يتسنى لهم تخفيض أسعاره، ويكون بالتالي في متناول جميع المواطنين من جهة، وجعله من جهة أخرى غذاء للوقاية من مختلف الأمراض وليس الشتوية فـقـط.
مـنـتـجـو الـعـسل يطرحـون مشكل صعـوبة التسـويق
ورغـم هذا الإنتاج الوفـير من هذه المادة، إلا أن الإشكال الذي لازال يطرحه منتجو العسل بهذه البلديات الدائرتين وعلى مستوى بلديات ولاية تلمسان، صعوبة تسويق منتوجهم الذي تتزايد كميته سنة بعد سنة، وهو الأمر الذي دفع بأحد مربي النحل بـقـرى بلدية بوغرارة إلى مناشدة الدولة لمساعدة المربّين في البحث عن سبل كفيلة بتسويق منتوجهم للعسل الطبيعي الجزائري بالأسواق المحلية، خاصة وأنه لا يستعمل مواد كيمياوية في تغـذية النحل.
كما أكـد البعض الآخر أنهم يواجهون كذلك صعوبات في تسويق المنتوج، والناجمةعن صعوبة الاتصال بين المناطق الجبلية والحضرية، وانعدام وسائل النقل، ما يتعين دعم المربين والمنتجين بإمكانيات حقيقية للتنقل، في الوقت الذي شدّد فيه المنتجون على ضرورة التصدي بحزم للحرائق المهولة التي تنشب من حين لآخر في مناطق غابية مهمة، والتي تأتي كل سنة على كمية كبيرة من خلايا النحل وتحد بذلك من قدرة الإنتاج، مما تكبّد المربين خسائر مادية معتبرة.
وخلال جولتنا لإجراء هذا الاستطلاع مع المربّـين عبر العديد من المناطق المشهورة بإنتاج العسل، كان لنا حديث مع أحـد المربين، وهو مهندس في الفلاحة أجرى عدة أبحاث فيما يتعلق بإنتاج مختلف أنواع العسل، إذ أكد لـ “الـبديـل” أن الخاصية المميزة التي أضحى المجتمع يربطها اليوم، هو حصر مادة العسل لمعالجة الأمراض خاصة لدى فئة المسنين والأطفال، بالرغم من أن هذه المادة لها فوائد كبيرة على مدار السنة واعتقاد خاطئ في تحليله، على حدّ تعبيره – أن فئة قليلة فقط من المواطنين، مازالت لا تثق في المنتوج المحلي من العسل، وهي الفكرة التي يحاول النحالين القضاء عليها من خلال التقرب منهم في كل مرة، داعيا هؤلاء بفضل خبرته الكبيرة في المجال على التغذي بالعسل، ولو بكميات قليلة.
وأفضل طريقة للتزود بفوائد العسل بنسبة 100 بالمائة هي إذابة ملعقة عسل في كوب من الماء الدافئ يوميا في الصباح على الريق، والامتناع عن حصره في حالات المرض، كما أنه على الفرد تناول ما مقداره حوالي 08 كلغ من هذه المادة سنويا، وهو الأمر الذي تبقى بعيدا مجتمعاتنا مقارنة بالدول الأوربية، كونه سبق وأن زار بعـد هذه الدول كفرنسا، ايطاليا، اسبانيا، كـندا…وغـيرها، للاطلاععن كثب حول مدى إنتاج واستهلاك هذه المادة.
مشيرا إلى أن وجود حوالي 15 نوعا من العسل الطبيعي في الجزائر، لكن أشهرها عسل الكاليتوس الذي ينصح به لأمراض المسالك الهوائية، التنفسية والروماتيزم، وعسل البرتقال المفيد للأنفلونزا والأوجاع المعوية، وعسل السدر وهو من أجود أنواع العسل على الإطلاق ينصح به لعلاج العديد من الأمراض، منها فيروسات الكبد واضطرابات الجهاز الهضمي، وغيرها من الفوائد المتعدّدة التي اكتسبها، خاصة في مجال مقاومة أمراض الشتاء واكتساب الجسم للمناعة، مما يجعـل ثمن الكيلو غـرام الواحد منه يصل إلى حدود 5000 دج في أسواقنا المحلية، إلى جانب استعماله في المراهم وكريمات، والتي هي الأخرى عرفت إقبالا كبيرا وتحديدا من الجنس اللطيف، بحثا عن بشرة لينة خالية من التشققات، كما أن هناك العسل الشوكي المفيد لأمراض الجهاز البولي والبواسير، وغيرها من الأنواع المفيدة للكثير من الأمراض.
وستقام معارض خاصة بالعسل مستقبلا في الساحات العمومية بالمدن الكبرى لولاية تلمسان على غرار مغنية، الرمشي،الحنايا، المقاطعة الإدارية العريشة، وسبدو…وغيرها متبوعة بندوات وورشات تطبيقية عملية للمربين، قصد التعريف بهذه المادة وفوائدها أكثر، والتقنيات الواجب اتباعها في عملية تربية النحل وإنتاج العسل، مضيفا أنه مضى أكثر من 25 سنة في تربية النحل، مما علمته هذه الحرفة الصبر والتحكم في الذات.
كما كان لها الفضل في التعرف عـلى ربوع الوطن، نظرا لبحوثه المتواصلة عـن مراعي النحل، عبر مناطق ولايات الوطن، خاصة وأن المربّـي يحتاج إلى إيجاد مراع سليمة ونقية لنصب الصناديق والحصول على عسل طبيعي ذي جودة، إلا أن تعرض الصناديق للسرقة كثيرا ما يقوض جهد النحالين، ويسبب لهم خسائر كبيرة، مما يجعل المربي يرضى بالمردود كيفما كان، هذا العامل هو الذي يؤثر بشكل كبير على أسعار العسل الطبيعي.
لتبقى في الأخير الأسواق الفوضوية والأسواق الشعبية تصنع الحدث في مجال بيع هذه المادة من العسل بطرق غـير قانونية، دون رادع أو ناه وبأساليب غير منظمة،حيث تباع داخل قارورات بلاستيكية مستعملة أو زجاجات يتم استعمالها لهذا الغرض، أمام انعدام علامات تجارية أو تاريخ الإنتاج تحملها، حيث يجهل مصدرها تماما، وتحوّلت لدى بعض المواطنين عقب اقتنائها بعد أيام إلى مادة من السكر، مما دفع بالمواطنين الاتصال مباشرة بمنتجين بالقرى والمداشر الريفـية المختصة في إنتاج العـسل.
دعوة إلى تـنـظـيم الـشعــبة لـرفـع إنتاج العـسل
دعـت الجمعية الوطنية للتجار والمستثمرين والحرفيين، السلطات الوصية إلى تنظيم شعبة تربية النحل وإنتاج العسل الطبيعي، للنهوض بالإنتاج الوطني للعسل الذي لا يزال ضعيفا، ولا يتعدى حسبها حاليا 10 آلاف طن سنويا، بالرغم من التنوع المناخي من ولاية إلى أخرى، والذي يسمح بإنتاج عدة أنواع من العسل في الوقت الذي لا يتجاوز فيه حاليا 15 نوعا، باعتبار بأن شعبة تربية النحل في الجزائر تواجه عـدة عراقيل تجعلها غير منظمة، ولا تسمح لها برفع الإنتاج الوطني، ما يبقي على سعره مرتفعا بسبب قلة العرض، داعية إلى الاهتمام بالمراعي وعدم استخدام مبيدات كيميائية لقتل الحشرات بطريقة فوضوية وغير مدروسة، كون هذه المبيدات تتسبب في قتل النحل.
كما طالبت بمرافقة مربي النحل لمساعدتهم على رفع وتنويع إنتاجهم، ودعمهم في اقتناء المواد المستوردة التي يعالجون بها النحل، وكذا منحهم الإمكانيات ومرافقتهم للرفع من إنتاجهم بتوفير المادة الأولية والنحلة المالكة، والعمل على توسيع وتهيئة أماكن تربية النحل وحمايتها من الحرائق، بالإضافة إلى تسطير برامج وطنية لتكوين النحالين عبر كافة ربوع الوطن حول الطرق الحديثة لتربية النحل.
كما اقترحوا اعتماد نظام التعاونيات لتطوير شبكة توزيع العسل ليسوق بمختلف المحلات والفضاءات التجارية كغيره من المنتوجات، مثلما هو معمول به في أغلب الدول، مـع ضرورة إنشاء مخبر لمراقبة النوعية من أجل محاربة الغش، حيث يلجأ حاليا بعض الأشخاص إلى عرض كميات من العسل الاصطناعي للبيع على أساس أنه عـسل طبيعي ويتحايلون على الزبائن.
في ذات السياق، ذكرت جمعية التجار بأن الجزائر تتوفر على عـدة إمكانيات تؤهلها لرفع الإنتاج الوطني من العسل، من 08 آلاف طن إلى أكثر من 15 ألف طن، والمساهمة في خلق 150 ألف منصب شغل في مدة لا تتجاوز الـ 03 سنوات في حال توفر إرادة لذلك وتم رفع العراقيل ودعم مربي النحل، مشيرا أحد أعضائها في تصريح خص به “البديـل” إلى أن المساحة الشاسعة للجزائر وتنوع المناخ يسمحان برفع الإنتاج وتنويعه، علما أن من بين 32 نوعا من أنواع العسل المنتجة في العالم، لانجد في الجزائر سوى 15 نوعا، وتصنف الجزائر التي تحصي 60 ألف نحال في المرتبة الـ 44 عالميا في ترتيب البلدان المنتجة للعسل، والتي تتصدرها الصين بإنتاج سنوي يصل إلى 550 ألف طن، وتركيا بـ 350 ألف طن سنويا واللتين تمثلان حصة الأسد في الإنتاج العالمي المقدر بـ 02 مليون طن سنويا.
ع. أمــيــر