
وسط حضور مكثف غصت به مدرجات قصر الثقافة بتلمسان، أعطيت إشارة انطلاق فعاليات مهرجان الحوزي في طبعته الـ13، بعرض فني مميز حمل عنوان “الحوزي رحلة تراث وميراث”، استحضر شيوخ وفطاحلة الشعر الملحون ممن أبدعوا في نظم قصائد شعرية معبرة، أبعد في تدوينها شيوخ الحوزي من أمثال (المنداسي، بن مسايب وبن سهلة بن تريكي) وغيرهم من الشعراء والفنانين، الذين تعاقبوا على عاصمة الزيانيين وكتبوا أسماءهم من ذهب في فن الحوزي العريق.
تحت شعار “الحوزي رحلة تراث وميراث”، أشرفت ممثلة وزير الثقافة والفنون رفقة والي تلمسان والسلطات المحلية على الافتتاح الرسمي للطبعة الـ 13 للمهرجان الثقافي الوطني لموسيقى الحوزي، أحد أكبر المهرجانات التي تعبر عن تاريخ وثقافة عاصمة الزيانيين. وأكد مدير الثقافة والفنون لولاية تلمسان، “أمين بودفلة”، أن الطبعة هذه السنة كانت مميزة ومليئة بالنشاطات التي تعرف بهذا الفن الأصيل الذي يعود إلى مئات السنين، حيث ستعرف التظاهرة الثقافية التي تقام بقصر الثقافة “عبد الكريم دالي”، مشاركة عدة جمعيات من مختلف مناطق الوطن سيقدمون طابقا حوزيا منوعا.
كما سيتم على هامش المهرجان، تنظيم سهرات فنية وندوات فكرية ثقافية حول تاريخ الحوزي والموسيقى الأندلسية، مع ورشات مختلفة لتعليم العزف على الآلات الموسيقية المستعملة في الحوزي كالكمان والعود، وتلقين بعض التقنيات الجديدة في هذا الطابع للشباب الناشط بهذه الجمعيات من طرف فنانين تألقوا في موسيقى الحوزي. كما برمج على هامش هذه الطبعة معرضا حول تاريخ الموسيقى الأندلسية وعرض بعض الآلات الموسيقية الأندلسية القديمة، وكذا اللباس التقليدي المستعمل لدى الأجواق الأندلسية، ومعرض أخر بالصور والأفلام الوثائقية والمنشورات حول الطبعات الماضية للمهرجان، وكذا أبواب مفتوحة على جمعيات الموسيقى الأندلسية لتلمسان، للتعريف بهذا الفن الأصيل وبهذا التراث وفسح المجال للانخراط وتحفيز المنخرطين بها على ابتكار نصوص جديدة في موسيقى الحوزي الذي يعتبر طبع موسيقى تقليدي قائم بذاته ينتمي إلى أسرة الموسيقى الكلاسيكية للتراث الوطني.
وتعتبر موسيقى الحوزي موسيقى محلية تجسدت فيها عبقرية الجزائري وحسه الفني والإبداعي، فهذه الموسيقى التي ولدت وترعرعت عند احواز تلمسان بعاصمة الزيانيين منذ القرن الـ15 ميلادي علـى يد الشاعر “سعيد بن عبد الله المنداسي”، أصبحت أكثر طابع غنائي أندلسي انتشار في المدن الجزائرية وأنتجت أشهر الوصلات الغنائية، كما أنها تخطت الحدود إلى دول الجوار، ففي الوقت الذي كانت مدينة تلمسان تمثل إحدى أهم الحواضر الثقافية والفنية بالجزائر وشمال إفريقيا، بحكم كونها عاصمة للدولة الزيانية.
ظهر الحوزي بصفته أحد روافد الموسيقى المحلية والموجهة لعامة الناس البسطاء منهم والنبلاء، وهذا ما يعكس حب الجزائري للفن بكل طبقاته الاجتماعية، فهو لم يكن حكرا على النبلاء فقط. أما عن تسميته، فيرجع المؤرخون أنها نسبة لأحواز مدينة تلمسان، أي أطراف المدينة التي كان يسكنها البسطاء، بمعنى إن الحوزي كان أصله من عامة الناس، فالحوزي أحد أنماط الموسيقى الأندلسية ذات الإنتاج المحلي التي تختلف عن الأندلسي في عدة نقاط، أهمها اعتمادها على مقطوعات شعرية منظومة باللسان الدارجة واللهجة العامية الجزائرية في قالب موسيقي خاص يقترب من حيث الأداء من النغم الأندلسي، ويتميز بقلة اللجوء إلى نغمات متعددة وقصة المسافات.
وعند دراسة تاريخ موسيقى الحوزي يمكن رؤية عبقرية الجزائري التي جعلت منه خزان الموسيقى وجعلت أغانيه تتخطى حدودنا الجغرافية لتصل إلى العالمية، فالجزائري يعشق لهجته ويعتز بها لدرجة أنه نقلها للعالم على شكل موسيقى بمختلف طبوعها وألوانها.
جرفاوي. ع