تكنولوجيا

بين الترفيه والتهديد

دمى الذكاء الاصطناعي.. متعة رقمية تُهدد الخصوصية الرقمية

في عصر تهيمن فيه التكنولوجيا على تفاصيل حياتنا اليومية، لم تعد التريندات الرقمية مجرد موضة عابرة، بل تحوّلت إلى ظواهر ثقافية تتكرر في دورات سريعة. تنجذب إليها فئات واسعة من المستخدمين بحثاً عن المتعة والتسلية. وأبرز هذه الظواهر الحديثة، موجة “دُمَى الذكاء الاصطناعي”، التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” و”إنستغرام”. حيث يقوم المستخدمون بتحميل صورهم الشخصية لتحويلها إلى شخصيات خيالية أو كرتونية. تجربة ممتعة في ظاهرها، لكنها تخفي خلف ستارها تهديدات حقيقية تمسّ الخصوصية والأمان الرقمي.


  • وجه آخر للمتعة

قد تبدو المشاركة في هذه التطبيقات الرقمية أمرا بسيطا، إذ يحمّل المستخدم صورته، ويختار نمط التحويل، ثم يحصل على نتيجة مبهرة خلال ثوانٍ. إلا أن هذا المسار السهل والسريع يخفي وراءه سلسلة من العمليات المعقدة التي تتضمن معالجة بيانات حساسة وشخصية، كالوجه، وتفاصيل الخلفية، وأحياناً حتى الصوت. وهنا تظهر الإشكالية الكبرى: ما مدى أمان هذه البيانات؟ ومن يملك الحق في استخدامها بعد مشاركتها؟


يؤكد خبراء الأمن الرقمي أن هذه التطبيقات غالبا ما تطلب صلاحيات واسعة تتجاوز مجرد الوصول إلى الكاميرا أو معرض الصور، لتشمل معلومات الموقع، وقوائم الاتصال، بل وحتى روابط الشبكات الاجتماعية. وفي ظل غياب قوانين صارمة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي، تصبح بيانات المستخدمين عرضة للتخزين، والمعالجة، وإعادة الاستخدام من دون علمهم أو موافقتهم الصريحة. ووفقاً لما صرّح به براندون مولر، خبير الأمن في شركة كاسبرسكي، فإن مشاركة الصور الشخصية على منصات مشبوهة قد تفتح الباب أمام القراصنة لاختراق حياة المستخدم الرقمية، واستغلال بياناته في أغراض احتيالية.

  • مفارقة الوعي الرقمي

تكشف دراسات حديثة مفارقة لافتة في سلوك المستخدمين تجاه خصوصيتهم الرقمية، فبينما يحرص كثيرون على تغطية كاميرات أجهزتهم المحمولة، أو استخدام وضع التصفح الخفي، نجدهم في المقابل يقدّمون بياناتهم الخاصة بسهولة لتطبيقات غير معروفة، فقط من أجل المشاركة في تحدٍّ رقمي أو الحصول على صورة معدّلة. هذا التناقض يشير إلى ضعف الوعي الأمني لدى شرائح واسعة من المستخدمين، الذين يظنون أن المتعة العابرة لا يمكن أن تقود إلى نتائج خطيرة.

  • تهديدات غير مرئية

من أبرز المخاطر التي تنطوي عليها مشاركة الصور في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، خطر سرقة الهوية الرقمية، حيث يمكن استخدام الصورة لإنشاء حسابات وهمية بانتحال شخصية المستخدم.  وهذه الصور، إذا كانت عالية الدقة، قد تُستخدم في أنظمة التعرف البيومتري دون موافقة صاحبها. وتبرز أيضاً هجمات التصيّد، التي تعتمد على معلومات شخصية لخداع المستخدم أو أصدقائه، من خلال رسائل أو روابط تبدو موثوقة. وفي جميع هذه السيناريوهات، يجهل المستخدم غالباً أن بياناته قد سلكت طريقاً يصعب تتبعه أو السيطرة عليه.


لتفادي هذه التهديدات، يوصي خبراء الأمن الرقمي بعدة إجراءات وقائية، تبدأ بقراءة سياسات الخصوصية بعناية قبل الموافقة عليها، وعدم تحميل الصور الشخصية على منصات غير موثوقة.

يُفضَّل استخدام صور رمزية بدلاً من الصور المباشرة، وتقنين الصلاحيات التي تُمنح للتطبيقات. خاصة تلك المتعلقة بالكاميرا والموقع والبيانات البيومترية. كما يُنصح أيضا باستخدام برامج حماية موثوقة لرصد التهديدات، والحرص على تحديث التطبيقات باستمرار، ومراقبة الحسابات المهمة لرصد أي نشاط مريب.

  • الوعي الرقمي مسؤولية شخصية

التعامل مع التكنولوجيا مسؤولية فردية بالدرجة الأولى، تستدعي من كل مستخدم أن يكون واعياً ومطّلعاً على المخاطر المحتملة. فالمشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في كيفية استخدامه وتوظيفه. وعليه، فإن المتعة لا ينبغي أن تكون مبرراً للتساهل مع الخصوصية. لا يجب أن تتحول البيانات الشخصية إلى ثمن غير مرئي ندفعه مقابل القليل من الترفيه.</span>

  • ما بعد الصورة المعدّلة

حين يتحول وجهك إلى دمية افتراضية، قد يكون من الممتع مشاركتها مع الأصدقاء، ولكن ما لا تراه هو المسار الخفي الذي تسلكه هذه الصورة:

  • هل بقيت فقط في ذاكرة التطبيق؟ أم جرى تخزينها في خوادم بعيدة لا تعرف عنها شيئاً؟
  • هل استُخدمت لتغذية خوارزميات التعرف على الوجوه؟  أم بيعت لشركات التسويق؟

هذه الأسئلة قد تبقى من دون إجابة، ولكن الأكيد أن كل نقرة تحمل أثراً رقمياً لا يُمحى بسهولة.

وفي زمن تُختزل فيه الهوية في صورة، وتتداخل فيه المتعة مع الاختراق. يصبح من الضروري التفكير مرتين قبل مشاركة أي معلومة شخصية. ليست الدعوة هنا إلى التخلّي عن التكنولوجيا، بل إلى استخدامها بذكاء وحذر. مع وضع خصوصيتنا في مقدمة الأولويات. إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستستمر في التطور. يبقى وعي المستخدم هو الجدار الأول في مواجهة تهديدات العصر الرقمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى