تكنولوجيا

المنصة الرقمية تثير فضول الكتاب الشباب

عالم الإبداع في الأدب الرقمي

لم تعد الرقمنة حكرا على الإطارات والبنوك والقطاعات الاقتصادية الحيوية الخرة بل تعده لتشمل الفضاء الثقافي بكل مناحيه، ومختلف الفنون وبشكل خاص المجال الأدبي، وعليه فإنّ المثقفين والمفكرين والأدباء سارعوا إلى اغتنام الفرصة واستغلال هذه التكنولوجيا الجديدة للتعريف بإنتاجاتهم الأدبية عبر المنصات الرقمية.

 وعليه أصبح الدب الرقمي يعرف مع مرور السنوات إنتشارا واسعا ويستقطب الكثير من المثقفين والدباء وخاصة الشباب التواق لاكتشاف هذه التقنية الجديدة، بل وأصبح يحتل مساحة مهمة من حديث القراء والكتاب عبر وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي، وأصبح الكثر يفضّل نشر كتاباته الأدبية لما لها من شهرة وسرعة اللأنتشار وشمولية القراءة. وعليه لم يعد الأدب حكرا على المطابع ودور النشر ولم يعد الدباء والكتاب رهينة هذه المؤسسات الثقافية بل لم يعد قراءهم يُعدون بالعشرات او المئات بل بالأاف والملايين في وقت قياسي. ولعل من بين هذه المنصات الأدبية الرقمية منصة (واتباد) الرقمية المتخصّصة في نشر القصص والكتب والروايات، حيث ساهمنت بشكل كبير في اكتشاف أدباء جدد وحصلت مؤلفاتهم على الملاين من القراءة، الأمر الذي دفع بدار نشر فرنسية عريقة مثل (هاشيت) إلى توقيع عقد مع عدة كتاب شباب لتصدر مؤلفاتهم في نسخة ورقية، لاقت بدورها إقبالا من القراء في فرنسا، حتى أنها باعت حسب آخر الأرقام التي نشرتها الصحافة الفرنسية أكثر من 350 ألف نسخة.

 الاستفادة من مزايا ثورة الاتصال الرقمي

 الجزائريون من جهتهم شغوفون بكل ما هو جديد خاصة في مجال التكنولوجيا الحديثة ولا بدّ أنهم سمعوا بالأدب الرقمي وعرفوه وتصفحوه أيضا، وهم يدركون أيضا سر النجاح المدوّي الذي يمكن أن يلفت الانتباه إلى نوع أدبي مهم وإلى جيل جديد من الكتاب الشباب الذين يجيدون الاستفادة من مزايا ثورة الاتصال الرقمي التي نعيشها وطالت كافة مجالات حياتنا، ومن الطبيعي أن يتأثر الأدب بها، فأصبح الأدب الرقمي أو الأدب الإلكتروني” نوعا إبداعيا يتألّف من أعمال أدبية تنشأ في بيئة رقميّة باستخدام الإنترنيت والحواسيب الشخصية، ولا يمكن تلقيه إلا عبر ذات البيئة الرقمية التي ينشأ فيها ويستفيد من مزاياها ووسائطها الإلكترونية”. وعليه فإنّ انتشار الأدب الرقمي مرتبط بمدى انتشار تكنولوجيات التواصل الحديثة في المجتمعات ومدى استعدادها لتقبل الرقمنة. وقد ساعدت جائحة كورونا كثيرا على الاتجاه أكثر فأكثر نحو العالم الافتراضي الرقمي، ليكون جزء مهما من حياة الأفراد بغض النّظر عن التفاوت بين الشعوب في التّطور التقني والإمكانات المادية. حيث استغل العديد من الكتّاب الشباب أو من الأشخاص الذين يخالون أنفسهم موهوبين ويحبون الكتابة ليقرأ لهم الآخرون، الفضاء الرقمي بمنصّاته وشبكاته الاجتماعية لنشر كتاباتهم وإبداعاتهم، لاسيما مع ما توفره من مزايا، مثل سرعة الانتشار والتفاعلية مع القراء، بالإضافة إلى معايير وخصائص أخرى توفرها البيئة المتعدّدة الوسائط التي لا يتيحها النّص الورقي، مثل الروابط الإلكترونية وإمكانية التّحميل والتّخزين وسرعة استحضار النصوص عبر الهواتف الذكية والألواح الرقمية، مجانا عبر المنصّات المفتوحة أمام ملايين المتلقين والمساهمين أيضا.

عدم نضوج التجربة والمفهوم محليا وعربيا

 ومع التّطور الحاصل في البيئة الرقمية وأثرها على الحياة، يبدو توجه الجيل الجديد خاصة نحو الأدب الرقمي، ضرورة معرفية وثقافية وتكنولوجية تساير العصر رغم عدم نضوج التجربة والمفهوم محليا وعربيا، مما يعني أنّ هذا النّوع من الأدب ما يزال يتطلّب عملا نقديا يوضحه ويضبط مفاهيمه، لاسيما وأنّ الحرية المطلقة في النّشر قد ترهن قيمة المحتوى وجودته وسلامته اللغوية، فبعض القراء والكتّاب أيضا يرون أن رواية ” رهينة ” مثلا، ليست إلا نوعا من الأدب الذي يستهدف فئة من المراهقين وهي لم تكن بالنسبة لهم بحجم توقعاتهم. فهي كما يصفها الكاتب الجزائري الكبير واسيني الأعرج “.. نوع من أدب الدارك رومانس الحر في لغته، لا رقابة عليه مطلقا، لا في الوقائع ولا في الأحداث ولا في اللغة..” فطبيعة الإنترنيت، لا تعترف بانتشار الجيّد فقط دون السيّئ، بل إنها تساعد على انتشار السيّئ أو “التافه” أسرع وأكثر من الجيّد. ولذلك، يضيف الكاتب واسيني الأعرج الذي كتب مقالا نقديا عن “رهينة” قائلا:”.. كل شيء يتم عبر المنصة، عالم افتراضي آخر لا نعرفه جيدا، لأنّنا عندما ندخل الى منصة واتباد، كأنّها أدغالا لا نعرفها، من النصوص المختلطة فيها القيّم وفيها المبتذل، سوق حقيقيّة”. فالعالم الرقمي يتيح للجميع النّشر والتّباهي والتّعليق وإطلاق الألقاب والأحكام غير المنصفة المضخّمة لنصوص لا إبداع فيها، بل تجدها تعج بالأخطاء النّحوية والإملائية، بغض النّظر عن دعم اسم الكاتب قبل دعم إبداعه ! هواجس الملكية الفكرية كما يطرح الأدب الرقمي إشكالات أخرى متعلّقة بصعوبة الحفاظ على الملكية الفكرية وحماية المحتوى من القرصنة والنسخ وهذا الجانب متفاوت أيضا في الضبط القانوني بين الدول، لاسّيما وأنّه من خصائص البيئة الرقمية سهولة النّشر والمشاركة عبر الشبكات والمواقع ليحصل المحتوى على انتشار وتفاعل أكبر، وهذا هو سبب شهرته. وفي سيّاق الملكية الفكرية أيضا، يمكن التّساؤل عن طبيعة ومنشأ النصوص الإبداعية في حدّ ذاتها، هل هي إبداع خالص أم هي نصوص رقميّة منتجة أيضا باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي باتت بدورها تطرح إشكالا متعلقا بمدى استخدام هذا النوع من التطبيقات الذكية في العلوم الإنسانية وفي الفن والأدب أيضا؟

هشام رمزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى