حوار

المؤلف المسرحي “عبد القادر بلكروي” يفضفض لـ “البديل”:

المسرح فضاء يتنفس الحياة بشكل فني..."

في الوقت الذي يشهد فيه العالم تغيرات علمية وتكنولوجية أثرت على الحياة اليومية للفرد، أصبح لزاما على المثقف والمبدع مسايرة هذا الوضع الذي احتل جزء مهما من الوعي، وسرق اهتمام الجمهور، فبدأ في إفراغ الفضاءات الثقافية من جمهورها وجلبها نحو عالمه اللامتناهي.

ولأن المسرح يبقى عنصرا مهما في تكوين الوعي المجتمعي انطلاقا من عالم الطفولة، ورغم تراجعه أمام عاصفة التكنولوجيا الرقمية، إلا أنه يبقى يصارع من أجل البقاء. وللتعمق في هذا التغير الذي يشهده المسرح، اقتربت جريدة “البديل” من رجل المسرح الذي أتقن الإبداع في “مسرح الطفل”، وتألق في خوض “مسرح الكبار”، إنه الممثل والمؤلف “عبد القادر بلكروي”، فكان هذا الحوار المطول والمكون من جزأين:

 

كيف ترون المسرح اليوم؟

 

مرحبا، المسرح اليوم في رحلة البحث على تجديد تموقعه وسط المعطيات الجديدة التي يمر بها العالم والانسان في آن واحد. فالعالم لازال حاضرا بالنظر إلى التقاليد التي تزخر به، ودوره في الاستجابة إلى انشغالات الوافدين على قاعات العرض ومضامين العروض التي تقدم.

ومن ناحية أخرى، نجد أن بعض الدول تسعى جاهدة في تشجيع هذا الفن للعب الدور المنوط به… وما يلتمس من صحة الحالتين هي رفاهية الفرد وضرورة اعتنائه بازدهاره وتغذية عقله والبحث عما يوجد بداخله ليراه فنيا ويستهواه… وهناك قطب آخر تتدفق فيه طاقات شبابية تبحث عن سعادة الذات، فتلجأ إلى تجارب تريد منها رفع صوتها والتحدث عما ينقصها.. وبين هذا وذاك يبقى المسرح مهما كانت الظروف ذلك الفن الذي يواكب الأنسان عبر الزمن وشاهد على أوضاع البشر.

 

في الماضي كانت المسرحية تحفظ من طرف الجمهور، وأغلبها مازالت في ذاكرة المتفرج، لماذا لا ينطبق على مسرحيات اليوم؟

 

 

بين البارح واليوم هناك عدة عوامل تغيرت في المجتمع، مثلا في الجزائر ظل المسرح طلائعي يستهوى الجماهير الواسعة من خلال ما يقدم من عروض تحاكي أوضاعه وتطلعاته.

فقد كان هناك نظاما مؤسساتيا يوفر ما يساعد على الإنتاج المسرحي، فالشركات والجامعات تتوفر على مصالح للتنشيط، ويمكنها إبرام اتفاقيات مع المسارح والفرق قصد برمجة عروضهم.. هناك بعض العناوين سجلت حضورها بقوة وتركت بصمة في المجتمع، حتى أصبحت جزء من حياة المواطن.. ولا يسعني إلا أن أرد الجميل لأهله، كانت هناك حالات أخرى لما يسمى بـ “المسرح الحر” والذي تميز به المرحوم “محي الدين بشطارزي” في جولاته الفنية ودون ما ننسى الفنان “حسان الحساني” المدعو “بو بقرة” وفرقته.. ضف الى ذلك مسرح الهواة بأطيافه الجماهيرية المختلفة.

 

هل مازال للمسرح جمهوره أم بدأ في التراجع؟

 

يعتبر الجمهور مقياسا تحدد به صحة المسرح… فالعروض التي كانت تنتج وكانت لها صلة بالواقع والمجتمع بدأت تقل، وظهرت للوجود أنواع أخرى، مثل المونودرام ومسرحيات تنطق بالفصحى، جعلت جيل من المهتمين يغيبون عن قاعات العروض.

هذا الأمر لا يعني أن هذا التوجه كان إشكاليا، لا بل وجوده أمر عادي مادامت الجامعات لها أقسام فنون وهناك مهرجانات عربية تتنافس فيها، أمر أعطاها أحقية التواجد. زد على ذلك، المؤسسة المسرحية أصبحت تنتج بدفتر شروط عوض ما كانت تناقش النصوص علنيا، ويتم اختيار القابل لإنتاج النص الذي يحصل على رضا الأغلبية من خلال الآراء والتحاليل التي زكته.

ثم ظهور بداية والنتائج التي أفرزتها حقيقة التكوين الممنهج من طرف المعهد العالي للفنون، وبروز طاقات شبابية في فن التمثيل، السينوغرافيا، الإخراج، الكوريغرافيا وباقي فنون العرض… الوجه الجديد فتح قوس عند الفرق الحرة لمواكبة الموجة كما يقال.. وبقيت هناك فرق ومسارح تؤمن بمواضيع المجتمع والساعة كما ألفناها، لكن بوجه وشكل جديد، يبقى حسب رأيي المتواضع أن المسرح تيارات ومدارس واختلاف والكل له مكانته وجمهوره الخاص به.

 

أنت ككاتب ومؤلف مسرحي، هل يمكن أن تحدثنا عن النمطين: مسرح الطفل ومسرح الكبار، وأيهما أصعب؟

 

الكتابة للمسرح تختلف من كاتب لآخر، قد تكون لحظة اكتملت فيها نضج فكرة عاشت مع صاحبها لمدة عثر عليها، بداعي الاهتمامات التي يوليها للحياة، للإنسان، للأوضاع أو للحب.. ففي تلك اللحظة، ينطلق في صياغة القاموس الذي خزنه لفترة من خلال القراءات العديدة التي هضمها.. مرحلة يحس فيها الكاتب متعة وراحة.

هناك كتابة أخرى تستدعيها أنت وتحط عناوين لمراحلها، ثم تستدعي المواضيع التي أردت الخوض فيها، في هذه الحالة لابد أن تكون على دراية بمواقف تاريخية أو علمية تعرف بالموضوع تقدمه ثم تتسبب له في جدال أو صراع، ليستعرض مزاياه وجدارته لحل أزمة خلافه، وصولا عند النهاية السعيدة… وهناك ما يسمى بكتابة الخواطر أو القصص الشخصية التي تكون في أغلب الأحيان عرض فردي monologue.أما فيما يخص الكتابة للطفل، فتعتبر هذه القضية معقدة شيئا ما، أولا يجب على من يكتب لهذه الفئة أن يكون ناضجا يحترم الطفل كإنسان مادام هو رجل الغد، أن يكون على دراية بالمراحل العمرية للطفولة وخصائصها، أن يكون يمتاز بخيال واسع حتى يتمكن من إرضاء الطفل المتفرج.. أن يشتغل على حوار وجمل قصيرة، أن يزود نصه بأغاني لكل مرحلة في القصة وأن يبتعد عن البطش والدم والمواقف المأساوية.

 

 هل استوفى الطفل حقه من المسرح (هل هناك إشباع مسرحي للطفل بالجزائر اليوم)؟

 

مسرح الطفل اليوم في الجزائر يحتاج إلى دراسة موضوعية لتفادي بعض الممارسات التي لا تليق به… الرجاء ممن ينشطون في هذا المجال أن يعوا بمسؤوليتهم اتجاه هذه الشريحة التي نحلم أن تكون سعادتنا وحلمنا في المستقبل، لا أريد أن أغوص في هذا الموضوع، فقط أوجه كلمة للمهتمين أن يكونوا في مستوى عبقرية الطفل ومنطقه ويستجيبوا لما يستهواه ويرفهه.

 

ما الذي يقدمه المسرح للمتلقي أو لماذا يخدمه؟

 

المتلقي هو الجمهور الذي تقدم له العروض، هو الذي اليوم يحضر إلى قاعات المسرح ليتصالح مع إنسانيته ويقضي أوقات ليرى نفسه جزءمنها وطرف معبرا عن حميميته اتجاه هذا الفن الذي لا زال يقاوم لإثبات أهميته في حياتنا… وذلك رغم كل التقدم التكنولوجي وما انجر عنها من وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تلهم الكثير… لنتخيل لحظة فقط أن في عز الشتاء ودرجة الحرارة تحت الصفر يمكنك أن تنقر على الفأرة ليصلك العرض أينما كنت. فتختار أن تقوم لترتدي معطفك وتضع على رأسك قبعتك وتتجه إلى حيث يكون العرض لتعيش تلك الحميمية التي تبحت عنها وتسعدك.

 

مسرحية “هي وهو”، مازالت مطلوبة إلى اليوم، هل يمكن أن تقدم لنا لمحة عنها، وتكشف لنا سر تعلق الجمهور بها؟

 

مسرحية “هو وهي” مسرحية استثنائية بالنظر إلى موضوعها وظروف ولادتها، حيث تحكي أحداثا وقعوا في فترة عسيرة عشناها، وتطرقت في هذا الصدد إلى موضوع التساؤل والمخاطبة.

لماذا؟ تجري أحداثها في بيت تعيش فيه أسرة مكونة من زوجة أستاذة جامعية وزوج كاتب فنان وابنهم “ياسين” مريض، ويستحيل عليهم الخروج لاقتناء الدواء في فضاء خارجي تدور فيه حرب أهلية… وهنا أبرزت جانبا من الآلام والخوف وأخذ القرار لتجاوز هذه الأزمة. وبخصوص كتابة أحداثها، كنت قد كتبت هذا النص في مطلع 2012 وأنتج في مسرح وهران “عبد القادر علولة” سنة 2023، أخرجه الفنان المبدع “يسعد عبد النور” الذي جاء بقراءة ثانية جديدة، قلصت من السرد وفتحت مجالا للحركة والصورة، تم هذا العمل في ورشة حضرتها طيلة مدة الإنتاج مثلت فيها الفنانة “حورية” و”نسيمة” والسيدين “جهيد” و”العوني”.

 

لك أرشيف مسرحي مهم، ممكن معرفة أي مسرحية مازالت عالقة بذهنك إلى اليوم؟ ولماذا؟

 

من بين المسرحيات التي ماتزال عالقة بذهني.. هناك العديد ولكل واحدة منا سبب خاص لكل مسرحيات الأطفال، وذلك بالنظر إلى العلاقة الحميمية التي تجمعني بالبراءة، فقد بنيت علاقتي مع هذا النمط بكل صدق واهتمام على غرار مسرحيات النحلة البحيرة، الرجوع، كنز ليزة، يوسف والوحش والأرنب والقنفذ.. ما أصغر مني كممثل فيها. أما المسرحيات الموجهة للكبار، فهناك مسرحية معروض للهوى ما قبل المسرح “الجلسة مرفوعة”، كونها أول صرخة لمجموعة فنية تبحث عن التغيير في تسيير الممارسة الفنية، لحظات مسرح الليلة الأخيرة بعد الألف الشيخ آمود لخصوصيتها، فقد جمعت فنانين من كل القطر بفكر فني لا فرق فيها بين محترف وهاوي.

 من خلال مسيرتك، ما هو الفرق بين المسرحيين القدامى والحاليين (نصوص، مؤلفين، ممثلين وجمهور)؟

 

اختلفت الأوضاع التاريخية، ولكل مرحلة مؤلفين جزائريين تركوا بصمتهم، هناك من كان رائدا ويقال أن “علالو” هو من فتح القائمة وللأستاذ الباحث “بوكروح مخلوف” مصدر وجود أول نص مسرحي عربي عنوانه “دانينوس”، ثم جاء جيل آخر ممن كتبوا للمسرح “رضا حوحو” باللغة العربية وآخرون كتبوا باللغة الشعبية إبان الاستعمار، أما المؤلفين الذين عايشوا تلك الحقبة ظهروا بقوة متميزة عند عتبة الاستقلال(ولد عبد الرحمن كاكي، عبد القادر علولة،كاتب ياسين وآخرين)، كانو من أثروا ووضعوا “ريبرتوارا” ثريا للمسرح يليهم (سليمان بن عيسى، بوبكر مخوخ وامحمد بن قطا، والقائمة طويلة).

وهناك أدباء حولت رواياتهم إلى مسرحيات، أمثال (الطاهر وطار، بن هدوقة، رشيد ميموني، بوجدرة رشيد، نورالدين عبة ومالك حداد)،ومن المسرحيات التي عرفت رواجا كبيرا في الجزائر مسرحية (الخالدون، أبناء القصبة،البوابون 132سنة،ديوان القراقوز، كل واحد وحكمه، ابليس لعوار كاين منه الخطبة ذيال سيدنا، العلق، الخبزة، حمام ربي، حمق سليم، اللي اكل يخلص، البئر المسموم، مير وربي كبير، الأجواد، القراب والصالحين، اللثام، غسالة النوادر، يوم الجمعة خرجوا لريام، المحقور، الاقوال، الشهداء يعودون هذا الأسبوع، حافلة تسير، قالوا العرب قالوا، السوسة، اختار عودك، البياديق، الجلسة مرفوعة، امرأة من ورق، رجال ياحلالف، القطار الأخير، جحا باع حماره، معروض للهوى، أنت وأنا انسوا هيروسترات، فالسو، فوضى الأبواب، لحوينتة، عالم البعوش، أغنية الغابة،نوبة في الأندلس والكثير من العناوين الأخرى.

 

…إلى الموعد القادم مع الجزء الثاني والأخير 

حاورته: ميمي قلان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى