القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي .. في ظل التسارع الكبير لتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها المباشر على المجتمعات والاقتصادات. تسعى الحكومات والهيئات التنظيمية في مختلف أنحاء العالم إلى صياغة أطر قانونية وأخلاقية. تهدف إلى ضمان الاستخدام المسؤول والآمن لهذه التقنيات المتنامية.
وتشير الباحثة “إيزابيلا ويلكنسون” في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني. إلى أن القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي يعد الإطار الأكثر شمولية على مستوى العالم لتنظيم هذا المجال. وقد بدأت قواعده الخاصة بنماذج الذكاء الاصطناعي ذات الأغراض العامة بالدخول الفعلي حيز التنفيذ مع مطلع هذا الشهر.
توضح الباحثة أن القانون الأوروبي يتسم بدرجة عالية من التعقيد فهو يفرض التزامات صارمة على الشركات . التي تقدم أنظمة ذكاء اصطناعي داخل حدود الاتحاد الأوروبي. ولمساعدة هذه الشركات على تلبية المتطلبات القانونية، ألزم القانون بإنشاء مدونة ممارسات خاصة بالنماذج المعروفة باسم جي بي آي.
وتشكل هذه المدونة وثيقة توجيهية تحتوي على مجموعة من الإرشادات غير الملزمة. قانونيا لكنها تساعد الشركات في إثبات التزامها في مجالات حساسة. مثل الشفافية وحماية حقوق النشر وضمان السلامة العامة.
القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي .. مدونة الممارسات ودورها
تشير الباحثة إلى أن الشركات التي تقدم نماذج جي بي آي والتي تختار عدم التوقيع على هذه المدونة. تظل رغم ذلك ملزمة بالامتثال لمقتضيات القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي. غير أن هذه الشركات يسمح لها بتقديم تقارير توضح الطرق البديلة التي تعتمدها من أجل إثبات التزامها بمختلف البنود القانونية. وهذا ما يجعل المدونة أداة مرنة تجمع بين التوجيه والإلزام بطريقة غير مباشرة. حيث تمنح مساحة للشركات لتكييف استراتيجياتها مع المتطلبات القانونية دون أن تكون مضطرة للتقيد بنصوص المدونة نفسها.
وتؤكد التقارير أن إعداد هذه المدونة جاء بعد عملية طويلة امتدت قرابة عام كامل. إذ شهدت هذه العملية مشاركة واسعة من علماء وباحثين بارزين في ميدان الذكاء الاصطناعي الذين أسهموا بخبراتهم في صياغة الوثيقة. وقد نشرت المدونة رسميا في مطلع شهر تموز ما فتح بابا واسعا للنقاشات حول مضمونها وجدواها.
الجدل حول القانون والآفاق المستقبلية
أثارت عملية إعداد المدونة كثيرا من الجدل والانتقادات. خاصة في الأوساط الأكاديمية والعملية. التي رأت أن جمع الاراء المتعددة وتحويلها إلى وثيقة عملية ليس أمرا سهلا. ورغم ذلك فإن المدونة قد تمثل خطوة محورية في تشكيل وتوجيه منظومة الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي. لا سيما تلك المرتبطة بنماذج جي بي اي التي ينظر إليها بوصفها أنظمة تنطوي على مخاطر نظامية قد تمس الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي إذا لم تضبط بضوابط صارمة.
ويتوقع أن يساهم هذا القانون مع مدونته المرافقة في تعزيز مفهوم المسؤولية لدى الشركات المطورة للتقنيات الذكية. فهو لا يقتصر على فرض العقوبات بل يسعى إلى إرساء ثقافة الالتزام الطوعي بالمعايير الأخلاقية والقانونية. وبذلك يصبح القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي تجربة فريدة قد تلهم مبادرات مشابهة في مناطق أخرى من العالم.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله
