تكنولوجيا

الـجـمـارك

رقمنة القطاعات والإدارات العمومية المهمة

أصبحت الرقمنة خيارا استراتيجيا ووحيدا للنهوض بالاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته وإداراته، بطريقة سلسة يمهد لجزائر جديدة الكترونية من خلال التحول الرقمي. هذا ما فرضه التطور التكنولوجي الحاصل في مجال المعلومات والاتصالات، بحيث أنّ الرقمنة لا تقف عند استخدام التطبيقات التكنولوجية فحسب، بل أصبحت منهاجا وأسلوب عمل يجمع المؤسسات الحكومية لتجعل تقديم الخدمات أسهل وأسرع، ولعل البداية كانت بمحاولة إلغاء الوثائق في إيداع الملفات، ووقف استخدام الورقة والقلم على مستوى الإدارات، واستبدالها بالمعطيات الإلكترونية وإتمام العمليات المختلفة عبر تطبيقات النت.

كما أنّ الرقمنة تشكل أحد التزامات لرئيس الجمهورية، والتي جاءت تحت الرقم 25، ما يشير إلى توجه جديد لسياسية الدولة الجزائرية نحو رقمنة كل القطاعات وجعل التحول الرقمي مشروع الجميع وليس مشروع دائرة وزارية واحدة أو مؤسسة، ورغبة سياسية قوية في الإسراع نحو هذا التحول، لجعله محركا لمختلف البرامج التنموية، وقد منح الرئيس مهلة 6 أشهر على أقصى تقدير لتجسيد مشروع الرقمنة في القطاعات المتعثّرة على غرار مصالح أملاك الدولة والضرائب والجمارك والتي ستكون قريبا تحت مجهر التقييم المرحلي الأوّلي إلى جانب مجالات أخرى.

لا بديل عن الرقمنة

سلك الجمارك لم يعد إستثناء بل مثل كل القطاعات الأخرى مدعوا إلى المساهمة بشكل أكبر في جهود الدولة الرامية إلى مكافحة الفساد، وعليه فإن ضرورة تكثيف الجهود الجمركية في مجال محاربة ظاهرة تهريب الآثار والمخطوطات ومساهمة هذا السلك الحساس في العمل على تشجيع الاستثمارات الخلاقة للثروة ومناصب الشغل، ومرافقة الإنعاش الاقتصادي لاسيما في ظل الأزمة متعددة الأبعاد التي تمس كافة بلدان العالم يقتضي “تجنّد كل المؤسسات، وبالأخص جهاز الجمارك لما له من دور أساس في حماية الاقتصاد الوطني وفتح آفاق جديدة لتسهيل الاستثمار المحلي والأجنبي وترقية التجارة الخارجية، بما يمكّن من تنويع الاقتصاد وجلب موارد مالية جديدة،من خلال تعزيز التأطير، وتثمين الموارد البشرية، وعصرنة أساليب التسيير. وعليه يتعين على الجمارك الجزائرية أن تشارك بشكل أكبر، في المجهود الذي تبذله الدولة بحزم لمكافحة الفساد” وإنّ تحقيق هذه الأهداف يستدعي جعل التكوين، محورا أساسيا في مسار عصرنة الجمارك، من خلال تعزيز المبادلات والتعاون على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف؛ قصد الارتقاء بهذه المؤسسة إلى إدارة تتسم بأكثر قدر من الشفافية والحداثة والأداء، وتشبث إدارة الجمارك بمواصلة جهود ترسيخ أخلاقيات وأدبيات مثالية لدى السلك، عبر تكريس مبادئ حسن الحوكمة، والامتثال الصارم للقيم العالمية في هذا المجال، وفقما ينص عليه تصريح “أروشا” للمنظمة العالمية للجمارك. ويعتبر تحقيق الرقمنة الشاملة هدفا حيويا بالنسبة للدولة، لهذا أتاح رئيس الجمهورية لوزارتي الرقمنة والمالية إمكانية الاعتماد أحسن الخبراء والكفاءات الوطنية ومكاتب الدراسات الدولية، كما يفرض هذا المسعى على وزارة المالية مواكبة هذا التطور، خاصة وأنه يجري العمل على اقتناء أنظمة مالية متطورة بهدف تحقيق هذا الهدف ذي الأبعاد الاقتصادية.

أهمية تعجيل التحول الرقمي

وعليه فإن الرقمنة أصبحت تشكل المحور الأساس في تطوير العمل الجمركي، إذ تسمح للجمارك الجزائرية بالوصول إلى المستوى العالمي، وتسهّل عملها، مبرزا في هذا الصدد، أهمية الاعتماد على الوسائل العصرية في الرقابة الجمركية. بحيث تبنت الجمارك نظاما معلوماتيا جديدا يُعتبر قاطرة لمشروع رقمنة الجهاز، حيث سيساهم في تسهيل إجراءات الجمركة ومحاربة تضخيم الفواتير، وتقديم تسهيلات أكثر للمتعاملين الاقتصاديين، خاصة في مجال التصدير خارج المحروقات، كما يسمح بإنشاء شباك موحد. وخلال اليوم العالمي للجمارك الشهر الماضي، أكد وزير الما لية فايد لعزيز على أهمية تعجيل التحول الرقمي وتأمين الإيرادات، مبرزا أهمية برنامج الرقمنة الذي باشرته دائرته الوزارية والذي شمل جهاز الجمارك “في ظل التحديات التي يواجهها داخليا وما تفرضه ضرورة أداء خدمة جمركية ترقى لمستوى تطلعات المرتفقين والمتعاملين الاقتصاديين. كما أنّ أهمية الرقمنة تكمن أيضا في تأمين الاقتصاد والمواطن، بجانب مواكبة التطورات التكنولوجية والمعلوماتية على الصعيد الدولي التي تنعكس بدورها على الممارسات التجارية الدولية.

 المركز الوطني للإشارة ونظام المعلومات للجمارك

وفي إطار تجسيد مبادرة التحول الرقمي لجهاز الجمارك، أشرف وزير المالية، لعزيز فايد شهر نوفمبر الماضي، على تدشين مقر المركز الوطني للإشارة ونظام المعلومات للجمارك الذي يعتبر صرحا جديدا للنظام الرقمي للقطاع، بحيث أن  هذا الجهاز الجمارك قد شرع في تنفيذ برنامج الرقمنة على غرار غيره من أجهزة الدولة لأجل تسهيل الإجراءات والمعاملات الإدارية، في إطار ترقية الخدمة العمومية، مما يتطلب منه السهر على أداء مهامه بالشكل الذي يتطلع إليه المواطنون والمتعاملون الاقتصاديون، خاصة في ظل الرهانات والتحديات التي يواجهها داخليا، فضلا عن تأمين الاقتصاد والمواطن، وكذا في سياق ما تمليه المعطيات الدولية لأجل مواكبة العصرنة وما تفرضه من تكنولوجيات حديثة وما لها من تأثير وانعكاسات على الآليات الاقتصادية والممارسات التجارية الدولية. وأكد السيد وزير المالية حينها بأن ّالنتائج الملموسة في الميدان من خلال تدشين هذا المركز ليست معزولة وتندرج ضمن خطة عمل تستهدف الرقمنة الشاملة لكل قطاع المالية”، مشيرا إلى حرصه التام على متابعة المشاريع الجاري تنفيذها، وسيرورة التحول الرقمي في كافة مديريات القطاع المالي، بما في ذلك ترقية وتعميم وسائل الدفع الالكترونية وتحقيق الشمول المالي.

من جهته، سبق وأن كشف المدير العام للجمارك السابق نور الدين خالدي، أن ادارة الجمارك الجزائرية عازمة على مواصلة مسار الاصلاحات على كل المستويات وذلك تنفيذا لتوجيهات للسلطات العليا في البلاد، التي تسعى لدعم الاقتصاد الوطني وتخليصه من العراقيل البيروقراطية، ومرافقة المؤسسات في عمليات التصدير ومنح التسهيلات الجمركية الضرورية، أنه تم تبني مقاربة حديثة للتسيير من اجل ادارة جمركية عصرية ومتطورة وتعميم الرقمنة في عمليات الجمارك خالدي تحدث عن النسخة الجديدة للنظام المنسق لتعيين وترميز البضائع لسنة 2022 والاجراء الجديد المتعلق بطلب قرارات مسبقة حول منشأ البضائع. وأضاف مستطردا بأن تعديلات النظام المنسق لسنة 2022 جاءت بنحو 351 تعديل وشملت شريحة كبيرة من البضائع موزعة على عدة قطاعات ويكون الهدف الرئيسي من هذه التعديلات هو التكفل بمسائل مرتبطة بالصحة والأمن وحماية المجتمع ومكافحة الارهاب والأمن الغذائي وحماية البيئة ومواكبة التطور التكنولوجي والممارسات التجارية الحالية.

نموذج رقمنة الرسوم الجمركية بالجزائر

بذلت الجمارك الجزائرية جهود لرقمنة القطاع كسبيل لتسيير العمليات اليومية وتعزيز التجارة الخارجية، وتعد رقمنة الرسوم الجمركية من أهم طرق تحقيق القيمة المضافة والنهوض بالقطاع، لذا من خلأل هذا المبحث سيتم التطرق لمحاولة بناء نموذج لبرنامج الكتروني متعلق برقمنة الرسوم الجمركية وتحديد اهم أهدافه على التجارة الخارجية.

أولا: مفهوم وأسباب بناء نموذج رقمنة الرسوم الجمركية: يعتمد النموذج على استخدام تكنولوجيا المعلومات المبنية على أسس علمية بحتة للتمكن من تحديد وحساب المعدل الفعلي للرسوم الجمركية المطبقة على السلع المستوردة والمصدرة آليا وبدقة، في حين يتم تقدير الرسوم الجمركية بواسطة النظام المنسق للمنتج ومن المهم ادخال المعلومات بشكل صحيح لتقليل

نسبة الخطأ ويتكون النموذج من:

1- اسم المنتج بالتدقيق ورمزه السلعي للقدرة على تحديد مقدار الرسوم الجمركية المفروضة مثل (اسم المنتج طفايات الحريق المحمولة – رمزه)

2- قيم الرسوم الجمركية المتعلقة بكل السلع المستوردة من الخارج أو المصدرة إليه، وتدفع أثناء عبور هذه السلع الحدود وولوجها التراب الجمركي الخاضع للضريبة أو خروجها منه.  مثل: 70 بالمائة DD

3- الرسوم على القيمة المضافة وتعتبر رسم حيادي يطبق على العمليات التي تكتسي طابقا صناعيا أو تجاريا أو حرفيا أو خدمات المهن الحرة (باستثناء خدمات القطاع الإاري العمومي) مثل: 19 بالمائة TVA

4- قيمة، كمية السلعة مع تحديد العملة. مثل: قيمة السلعة 50000 وكمية السلعة 2000 كلغ والعملة بالدولار

5- بلد الإستيراد، بلد التصدير فقد تكون الرسوم الجمركية أقل من الرسوم العامة السارية أو قد لا يتم فرضها على الإطلاق إذ كانت السلع المستوردة منشأ ها في بلد معين، وذلك بالإثبات عن طريق رموز السلع التفضيلية للإشارة الى معدلات الرسوم المنخفضة.

ثانيا: أسباب بناء نموذج رقمنة الرسوم الجمركية: يعاني قطاع الجمارك الجزائري من عراقيل تقلل حجم المعاملات التجارية الدولية بشكل غير متوقع، ويعود بناء النموذج للعديد من الأسباب أهمها:

1- تؤدي معدلات الرسوم الجمركية المعقدة وضرائب الإستيراد الأخرى، واستغراق وقت في الحساب والتحصيل مع إمكانية الخطأ إلى زيادة التكلفة الإجمالية للشحنة الدولية وتعريض السلع للتلف مما يتم تثبيط سير العمليات داخل الموانئ وتقليل حجم التجارة عبر الحدود.

2- إن محاولة فك رموز التعريفة الجمركية على الشحنات ليس بالسهل، وال يقتصر الأمر على أن لكل دولة معدلات وقواعد مختلفة، بل يمكن أن تتغير هذه الأسعار والقواعد بشكل كبير من منتج ٍلأخر.

3- تفشي الفساد والرشوة وماله أثر في تقليل الإيرادات الضريبية واغراق المنتجات المحلية.

4 – يتعين على موظفي قطاع الجمارك التأكد من تحصيل الرسوم مع تقليل نسبة الخطأ ومنع التهرب الضريبي بالقبض على المهربين وجعلهم يدفعون.

5- هدم العالقات التجارية مع العملاء الدوليين نسبة للعراقيل التي يتم مواجهتها بقطاع الجمارك كالعراقيل الإدارية وتضخيم الرسوم.

أهداف نموذج رقمنة الرسوم الجمركية

تكمن رقمنة الرسوم الجمركية وبناء نموذج لها في تحقيق جملة من الأهداف الداعمة للتجارة الخارجية أهمها:

1- رفع كفاءة التجارة الخارجية والقدرة التنافسية بتقليل التكاليف والوقت المستغرق من طرف المصدرين والمستوردين، بإمكانية معرفة قيمة الرسوم للقدرة على تسويتها قبل وصول البضاعة.

2- مكافحة الفساد بتعزيز الشفافية والسرعة في التقدير وماله دور في تكثيف حجم عمليات الإستيراد والتصدير.

3- الحساب التلقائي للرسوم والتقليل من ادخال البيانات يدويا وجهود التصحيح بتركيز خبرة موظفي الجمارك بمجال واحد.

4- حماية الإنتاج المحلي والحد من الإغراق.

5- تحسين تحصيل الإيرادات وتخطي تفعيل التجارة الخارجية الى النهوض بمجالات عديدة كالإستثمار في مشاريع تنموية.

6- تسهيل التجارة عبر الحدود بتبسيط الإجراءات المصاحبة لها وحماية السلع من التلف، إضافة الى تسريع خروج الشحنات من الموانئ لإدخال غيرها.

7- يساعد النظام الآلي على جمع المزيد من الرسوم الجمركية كأموال إضافية لإعادة تحسين ورقمنة قطاع الجمارك بأكمله وان تقطع شوطا طويلأ في الوصول الى اهداف التنمية المستدامة.

بناء نموذج رقمنة الرسوم الجمركية

يتم من خلال هذا البرنامج الإكتروني حساب الرسوم الجمركية بمكتب الجمارك بحضور العميل أو عن بعد في حالة عدم حضوره، وأن يقوم بإرسال المستندات المطلوبة ليتم حساب قيمة الرسوم الجمركية بنفس طريقة حضوره، وذلك قبل وصول البضاعة لتسهيل الإجراءات الجمركية والحد من الفساد بالحفاظ على ايرادات الدولة من جهة وتسيير خر وج البضاعة من الميناء لتفادي الإكتظاظ وتكثيف عمليات الإستيراد والتصدير وحماية السلعة من جهة أخرى، وفي ما يلي سيتم اتمام كل من عملية حساب الرسوم بمكتب الجمارك.

بالرغم من محاولات الجزائر في تهيئة جزء من البنى التحتية والبرمجيات وبناء المواقع التجارية وتطوير عدد مستخدمي الأنترنت لنقل الإقتصاد من التقليدي الى الإقتصاد الرقمي، وبالإعتماد على الشبكة الحاسوبية محاولة بذلك رقمنة العديد من القطاعات كالتجارة الإلكترونية، عصرنة الجهاز المصرفي، رقمنة الضرائب والموانئ الى غير ذلك لتسيير الإجراءات وتسهيل الدفع والتداول الإلكتروني المتعلق بالمبادلات الدولية، إلا انها لا تزال تعاني التأخر وعدم مواكبتها للركب العالمي وهذا راجع لضعف حجم الإستثمارات وعدم قدرتها على تصنيع موارد تكنولوجيا المعلومات والإتصالأت محليا بل مازالت في تبعية مباشرة للأسواق الأجنبية. لذا من الضروري استغلأل كل الطاقات والموارد المتوفرة وجلب الإستثمارات الأجنبية للإستفادة من التكنولوجيا الحديثة وغيرها من الإبتكارات التي تدخل بإدخال الاقتصاد الرقمي على الإقتصاد الوطني.

بقلم: رامـي الـحـاج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى