
الغش باستخدام الذكاء الاصطناعي .. كشفت دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة “نيتشر” الشهيرة، عن نتائج صادمة تظهر أن معدلات الغش بين الأفراد ترتفع بشكل ملحوظ عند استخدامهم لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
بينت الدراسة أن الأفراد يصبحون أكثر استعدادا للقيام بسلوكيات غير نزيهة عندما يفوضون المهام إلى الخوارزميات الذكية. أشارت الباحثة “زوي رهوان” المتخصصة في علم السلوك بمعهد “ماكس بلانك للتنمية البشرية” في برلين، إلى أن درجة الغش يمكن أن تكون هائلة في مثل هذه الحالات.
أوضحت الباحثة أن المشاركين في الدراسة كانوا أكثر ميلاً للغش عندما تمكنوا من إصدار تعليمات غير مباشرة للذكاء الاصطناعي، توحي بالأهداف المرجوة دون الطلب الصريح بالتصرف بشكل غير نزيه. يمثل هذا النمط من التفاعل الطريقة الشائعة للتعامل مع الذكاء الاصطناعي في الحياة الواقعية. قال الباحث “نيلسكوبيس” من جامعة “دويسبورجإيسن” في ألمانيا، إنه أصبح من الشائع بشكل متزايد أن يطلب الأشخاص من الذكاء الاصطناعي تنفيذ المهام نيابة عنهم.
الغش باستخدام الذكاء الاصطناعي .. تجارب متعددة تكشف النتائج المقلقة
شارك آلاف المتطوعين في 13 تجربة علمية باستخدام عدة نماذج من الذكاء الاصطناعي، شملت نماذج بسيطة طورها الباحثون و4 نماذج لغوية تجارية منها جي بي تي 4 أو وكلود.
تضمنت بعض التجارب تمرينا تقليديايطلب من المشاركين رمي حجر نرد والإبلاغ عن النتائج، مع ربط المكافآت بالأرقام المبلغ عنها، مما يتيح فرصة واضحة للغش. اعتمدت تجارب أخرى على لعبة محاكاة للتهرب الضريبي تحفز المشاركين على الإبلاغ الكاذب عن دخولهم بهدف الحصول على مكافآت مالية أكبر.
أشار الباحث “كوبيس” إلى أن هذه التمارين تهدف إلى الوصول إلى جوهر العديد من المعضلات الأخلاقية التي يواجهها الأفراد في الحياة الواقعية. أوضح الباحث أن المشاركين يواجهون إغراء خرق القواعد من أجل تحقيق الربح المالي. تنوعت مستويات تدخل الذكاء الاصطناعي في التجارب بين مهام ينفذها المشاركونبأنفسهم، وتعليمات مباشرة للخوارزميات أو من خلال تزويدها ببيانات تدريب متحيزة أو غير متحيزة.
عندما طلب من المشاركين الإبلاغ عن نتائج رمي النرد بأنفسهم كانت نسبة الغش حوالي 5 بالمائة فقط. لكن عند تفويض المهمة إلى الخوارزميات وتحديد أهداف مرتبطة بالربح أو الأمانة، انقلبت النتائج بشكل صادم، حيث قفزت نسبة الغش إلى 88 بالمائة. في بعض الحالات أعطى المشاركون تعليمات صريحة للذكاء الاصطناعي بالتحايل مثل قول أحدهم إن الضرائب سرقة مع طلب الإبلاغ عن دخل يساوي صفراً.
الخوارزميات تتفوق على البشر في الميل للغش
كشفت تجارب أخرى أن الخوارزميات تواجه صعوبة كبيرة في التعامل مع التعليمات الرمادية غير الواضحة، مما يجعلها أكثر ميلا للغش مقارنة بالبشر. عندما تلقى كل من المشاركين والذكاء الاصطناعي تعليمات بدرجات مختلفة من الالتزام بالأمانة بين الصدق الكامل والغش الكامل، أظهرت النتائج أن الخوارزميات كانت أكثر التزاما بالغش من البشر. بينت النتائج أن الخوارزميات التزمت تماما بالغش عندما طلب منها ذلك، بينما كان البشر أقل استعدادا للقيام بسلوكيات غير نزيهة بشكل كامل.
اختبر الباحثون أنواعا مختلفة من الضوابط والقيود المخصصة لمنع الذكاء الاصطناعي من تنفيذ سلوكيات غير أخلاقية. تبين أن الاعتماد على أنظمة الحماية المدمجة في النماذج التجارية لم يكن كافياً لردع السلوك غير النزيه. وأظهرت الخوارزميات امتثالاً كبيراً لطلبات الغش،خصوصاً في تجارب رمي النرد التي تضمنت مكافآت مالية.
حاول الفريق البحثي استخدام عبارات تحفيزية مستوحاة من المبادئ الأخلاقية للشركات المطورة، لتذكير النماذج بالالتزام بالأمانة،كان ملخص تلك المبادئ الأخلاقية يتضمن تذكير النماذج بأن الكذب وإلحاق الضرر ينتهكان مبادئ العدالة والنزاهة. لكن هذه الرسائل التذكيرية، كان تأثيرها محدودا جدا حيث قللت من الميل إلى الغش بدرجة طفيفة أو متوسطة فقط. قالت الباحثة “رهوان” إن لغة الشركات نفسها لم تتمكن من ردع الطلبات غير الأخلاقية الموجهة للذكاء الاصطناعي، ظهر الأسلوب الأكثر فاعلية في منع الغش من خلال إعطاء تعليمات محددة تمنع السلوك غير النزيه بشكل صريح.
أوضح الباحث “كوبيس” أن هذا النهج غير قابل للتطبيق على نطاق واسع في الحياة الواقعية، مما يؤكد الحاجة إلى تطوير مقاربات عملية أكثر للحد من هذه الظاهرة. تشكل هذه النتائج تحذيراً واضحاً من المخاطر الأخلاقية المصاحبة للاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجالات الحساسة. تبرز الحاجة الملحة لتطوير ضوابط أخلاقية أكثر صرامة وفاعلية للحد من إساءة استخدام هذه التقنيات المتطورة. وتمثل الدراسة إضافة مهمة للأبحاث المتعلقة بالجوانب الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، وتأثيرها على السلوك البشري.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله