
صرح وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة ياسين المهدي وليد منذ شهور أنه تم إحصاء أكثر من 5.000 شركة ناشئة في الجزائر، وأكد بأن أكثر من 1.100 شركة منها قد حازت على علامة شركة ناشئة أو مشروع مبتكر. كما ارتفع عدد حاضنات الأعمال الناشطة في الجزائر، من 14 إلى 60 حاضنة بين سنتي 2020 و2023. واعتبر الوزير وليد هذه الأرقام “استثنائية وتبعث على الفخر“. وحول تمويل المشاريع الناشئة، أوضح الوزير أيضا أن الصندوق الوطني لتمويل المؤسسات الناشئة، تمكّن من جمع ما قيمته 58 مليار دينار، من الصناديق الاستثمارية على مستوى ولايات البلاد. وسيزيد هذا الحاصل من استثمارات الصندوق في الشركات الناشئة بشكل معتبر. علمًا أن المشروع الناشئ الواحد يحصل على استثمار يتراوح بين 5 ملايين و150 مليون دينار، يضيف الوزير.
تعتبر الشركات الناشئة من أهم الرهانات التي اتخذتها الدولة من أجل تطوير إقتصادها وتشجيع الإبتكار لدى الشباب وزرع روح المنافسة في أوساطهم للمساهمة في التنمية المستدامة. وعليه سبق وان أطلقت الجزائر صندوقا سياديا لدعم هذه الشركات الناشئة، بالرغم من الأزمة الحادة التي كانت تمر بها، كخيار استراتيجي لا بديل عنه، مما ما يترجم حجم الرهان الذي إتخذته الحكومة الأولى للرئيس عبد المجيد تبون، والثقة التي وضعتها في هذه الكيانات الإنتاجية والخدماتية كبديل أمثل للشركات التقليدية، وفي ظل تدني أداء المؤسسات الاقتصادية الكبرى وتراجع عدد مؤسسات الاستثمار الخارجي التي عجزت عن تحرير اقتصاد البلاد من التبعية لعائدات النفط التي تمثل نحو 92 في المائة من إجمالي صادرات الجزائر، حسب بيانات رسمية. باتت الجزائر تراهن على المؤسسات الناشئة والمشاريع الصغرى باعتبارها الأكثر ملاءمة لأوضاع البلاد خاصة لتوفير التنمية ومواطن الشغل في الجهات.
محاربة البيروقراطية ورفع كل العراقيل الإدارية
إنطلاقا من هذه القناعة الراسخة لدى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قرر إطلاق صندوق لتمويل المؤسسات والشركات الناشئة، من أجل مساعدتها وبشكل خاص تمكين أصحاب المشاريع المبتكرة من إنشاء مؤسساتهم بعيداً عن عراقيل البنوك واشتراطاتها للتمويل، ولعل الرؤية إتضحت أكثر اعد إنعقاد مؤتمر وطني، شارك في فعالياته أكثر من ألف شاب من أصحاب المشاريع والمؤسسات الناشئة والأفكار المبتكرة وممثلي هيئات حكومية ومالية ومتعاملين اقتصاديين وخبراء وممثلي جمعيات وجامعات ومراكز بحثية.، حيث أنّ رئيس الجمهورية وقتئذ، شدد على ضرورة محاربة البيروقراطية ورفع كل العراقيل الإدارية لتمكين الشباب من تجسيد مؤسساتهم الناشئة، كما أكد على وجه الخصوص بأن مشروع دعم المؤسسات الناشئة العاملة في القطاع الرقمي والتكنولوجيا، يُعتبرُ جزء لا يتجزأ من خطة الإنعاش الاقتصادي التي تقوم عليها ركائز “الجزائر الجديدة”والتي تبناها منذ توليه الحكم في ديسمبر 2019. وعليه، فقد سبق للوزير المنتدب المكلف بالمؤسسات الناشئة، ياسين وليد، أن أكد في تصريح واضح ومباشر بأنّ من مهام هذا الصندوق الذي أطلقه رئيس الجمهورية “سيتولى تمويل المشاريع الناشئة، وتحمّل الأعباء الأولية، بما فيها تغطية الخسائر الممكنة للمشروع، أي أنه سيكون بمثابة ممول ومُؤمن في نفس الوقت، وذلك ما يسمح للشركات الناشئة بالمبادرة والابتكار، بعيدا عن حساب الربح والخسارة”. كما أضاف مستطردا:” بالطبع ستكون هناك دراسة حول نجاعة الشركات وهوامش الخسارة قبل تمويل شركة “STAR-UP”، وسيكون الصندوق تحت وصاية رئاسة الحكومة ووزارة المالية ووزارة المؤسسات الناشئة التي ستضع الأولويات فيما يتعلق بالمجالات الأكثر ربحا.” كما صرح الوزير المنتدب في سياق متصل مع “العربي الجديد” عقب المؤتمر الوطني حول المؤسسات الناشئة أنّ “الحكومة اتخذت قرارات أخرى لدعم المؤسسات الناشئة منها الإعفاء من دفع الرسم على النشاط المهني والضريبة على الدخل الإجمالي والضريبة على أرباح الشركات لمدة ثلاث سنوات ابتداء من تاريخ النشاط، وكذلك ضريبة القيمة المضافة على المعدات، وتحريرها من قيود نسبة رأسمال المال الاستثماري، التي لا تجيز الاستحواذ على أكثر من 49 في المائة من رأسمال مؤسسة واحدة، لتنويع مصادر التمويل.”
المراهنة على مؤسسات ناشئة ذات محتوى اقتصادي واستثماري
يجب الإشارة بأنه بدأت طفرة الشركات الناشئة في الجزائر تظهر في الأفق بعد سنة 2010، ولكنّ لم تجد الأرضية الخصبة والأجواء الملائمة والتدابير المساعدة والبيئة المناسبة من أجل التطور والتنوع والابتكار بما يلائم طموحاتها ويتماشى مع أهدافها بسبب البيروقراطية والعراقيل والفساد الإداري وغياب التنظيم والإطار القانوني إضافة إلى عدم مرونة الإجراءات المالية، بالإضافة إلى عدم فتح الحكومات السابقة لأبواب الحوار مع رواد هذا القطاع من الاقتصاد الذي فرضه التطور التكنولوجي. وعليه ظلت هذه الشركات الناشئة رغم قلتها تكافح من أجل إثبات ودودها والرقي والازدهار، وباتت العديد من المشاكل تعرقل تطورها رغم حاجة البلاد الملحة لها.
وحسب أراء الخبراء الإقتصاديين فإنهم يؤكدون على ضرورة المراهنة على المؤسسات الناشئة ذات محتوى اقتصادي واستثماري نظرا لنجاعتها، لأنّ الأزمة الاقتصادية تستوجب رؤية حديثة تتفاعل مع الأسواق الصاعدة التي يطغى عليها الاقتصاد الرقمي، وعليه فإنّ الحكومة اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى بفتح قنوات اتصال مع ممثلي الشركات الناشئة لوضع إطار قانوني ينظم عملها ، بالنظر لخصوصياتها، فهي مثلا تعمل مع العديد من القطاعات الوزارية وليس مع التجارة والمالية والصناعة كما هو الحال مع الشركات التقليدية. بل وأكدوا على أن الشركات الناشئة في أمس الحاجة إلى حاضنات تكنولوجية كما هو معمول به دوليا، مثل “سيليكون فالي” في أمريكا أو “فرانش تك” في فرنسا، التي من شأنها مساعدها على التطور داخليا وخارجيا من خلال تبادل الخبرات والتجارب. كما أنه بريهم أيضا، فإن البيروقراطية هي عدو الشركات الناشئة، فمن حيث المبدأ يتطور هذا النوع من الشركات بسرعة، إلا أن الإدارة الجزائرية لا تستطيع مواكبة هذه السرعة، فلا يمكن أن ينتظر شاب من 6 أشهر إلى سنة حتى يتلقى الضوء الأخضر لإطلاق مشروعه، فالفكرة في تطور دائم ومضي الوقت يقتلها قبل ترجمتها على أرض الواقع. من جهتها، بذلت الدولة كل ما في وسعها في السنوات الثلاث الأخيرة، من أجل الخروج من أزمة مالية حادة كانت تعاني منها بسبب تهاوي إيرادات النفط ومما زاد الطين بلة، ما ترتب عن تداعيات فيروس كورونا. وهذا ما أكده حينها الديوان الوطني للإحصاءات في بيان سابق، إن اقتصاد البلاد انكمش بنسبة 3.9 في المائة في الربع الأول من العام 2020 بعد نمو بنسبة 1.3 في المائة في نفس الفترة من عام 2019، مشيرة إلى أن ذلك ناجم عن إجراءات العزل العام جراء تفشي فيروس كورونا والأداء السيئ لقطاع النفط والغاز الحيوي، وأن قطاع الطاقة انكمش بنسبة 13.4 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020، أي ما يقرب من ضعف الانكماش الذي بلغ 7.1 في المائة قبل عام، وفقا للديوان الوطني للإحصائيات، حيث انخفضت عائدات الطاقة بنسبة 26 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام بسبب تراجع الإنتاج والصادرات، وكذلك انخفاض أسعار النفط العالمية جراء تفشي كورونا.
تحديد المعايير الجديدة للحصول على علامة “مؤسسة ناشئة“
كشفت الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول ، المكلفة باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة في ماي 2022 في بيان لها، عن المعايير الجديدة التي تسمح بإثبات الطابع الابتكاري للمؤسسة والحصول علامة “مؤسسة ناشئة”. وأوضح البيان أنه للحصول على علامة “مؤسسة ناشئة” (label startup)، قامت الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول، المكلفة باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، منذ التعديل الأخير للإطار القانوني، بـ “إدراج أربعة معايير موضوعية يمكن من خلالها إثبات الطابع الابتكاري لنشاط المؤسسة”. وأبرز البيان أنه “يكفي أن تتوفر المؤسسة المعنية على معيار واحد لكي تتحصل على علامة “مؤسسة ناشئة”. وحسب البيان تتمثل هذه المعايير في “النفقات في البحث والتطوير (إذا كانت الشركة تنفق 15 بالمائة من حجم أعمالها في البحث و التطوير) وصفة الأعضاء المؤسسون (إذا كان نصف أعضاء الفريق المؤسس يملكون شهادة دكتوراه أو أكثر) وملكية فكرية (إذا تحصلت الشركة على براءة اختراع أو برنامج مسجل سواء على المستوى الوطني أو الدولي). ويتمثل المعيار الأخير في تقديم نموذج مبدئي, حيث يمكن لطالب العلامة أن “يقدم على الأقل نموذجا مبدئيا للابتكار المقدم”، يضيف البيان مشيرا إلى أن “هذا النموذج يمكن أن يأخذ عدة أشكال كمنصة إلكترونية كاملة أو تجريبية (demo) أو نموذج أولي للمنتوج إذا كان مصنعا (prototype) أو رابط نحو تطبيق المعني أو فيديو تجريبي”. وذكر البيان أن علامة “مؤسسة ناشئة” تمنح عدة مزايا ضريبية بالإضافة إلى دعم الوزارة المنتدبة وإمكانية الحصول على التمويل. وأشارت الوزارة المنتدبة إلى أن طلب العلامة يتم عن طريق التسجيل على موقع www.startup.dz.
صندوق بقيمة 80 مليون دولار لتمويل الشركات الناشئة في الجزائر
وفي سياق متصل، تم التوقيع في 26 جانفي 2023 إتفاقية بين المدير العام لمسرّعة الأعمال الجزائرية Algeria Ventureومدير الاستثمارات في صندوق “SEAF” الاستثماري الأمريكي هيبرتوس فان دير فارت، لإنشاء صندوق بقيمة 80 مليون دولار، لتمويل الشركات الناشئة في الجزائر. وحسب ما ذكره وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة ياسين المهدي وليد، سيتمّ إنشاء صندوق التمويل الجديد “Algeria Innovation Fund”، كمؤسسة استثمارية جزائرية وفق التشريعات المعمول بها في الجزائر. “ويأتي هذا الاتفاق إنسجاماً مع الأهداف التي سطرتها “ألجيريا فانتور” لاستقطاب رأس المال المُخاطر الدولي، لفائدة الشركات الناشئة الجزائرية”، يقول الوزير. ويعتبر صندوق SEAF الأمريكي، أحد أهمّ مسيّري رأس المال المُخاطر في العالم. إذ يشارك في تمويل شركات ناشئة في أكثر من 30 دولة. وسيخصّص مبلغ 20 مليون دولار من الصندوق الجديد، للاستثمار في الشركات ذات الامتداد الدولي. وهي فرصة حقيقية لتعزيز دور الشركات الناشئة في التنمية الاقتصادية.
أحمد الشامي