
نشاط تربية المواشي بقرى ومداشر بلديات ولاية تيسمسيلت، هي مهنة توارثها الآباء عن الأجداد ولازالت مستمرة إلى اليوم من قبل بعض المواطنين، وذلك بحكم تمسك أهل تلك المناطق النائية بعاداتهم وتقاليدهم المحلية، فتربية المواشي بالقرى النائية هي في حقيقة الأمر نشاط مربح، لمن إستعان بالعمل والإتقان في تربية هذه الثروة الحيوانية.
وكما تعرف هذه المهنة بالنشاط الحر، لدى ملاك الماشية من الأبقار والأغنام، إذن فالظروف تكون مواتية لتربية جيدة إلا بتوافر الكلأ والماء، وإلى جانب اتساع مساحات الرعي التي تعد عاملا إيجابيا لذات الغرض، وللحديث عن تربية المواشي وكذا عن الإقبال عليها خصوصا بذات المناطق كان لنا لقاء مع العديد من أصحاب تلك الثروة الحيوانية، بكل من دواوير النواصر ببلدية “عماري” ودوار “القواسم” ببلدية الملعب ودوار لمهال. وفي هذا السياق، فإن تربية المواشي تعرف رواجا واسعا في هذا النشاط، عبر مستوى المناطق السالفة الذكر، من قبل أهالي تلك المناطق القروية من الولاية، وذلك بحكم ما تزخر به من أراضي خصبة وملائمة لحرفة الرعي، وممارسة نشاط تربية المواشي من خلال كثرة الأعشاب واخضرار المراعي طوال السنة، ناهيك عن وفرة مياه الأودية المشكلة من الأمطار المتساقطة. وفي هذا الصدد، تجد العديد من القرويين بمناطق مختلف من بلديات الولاية يمارسون نشاط الرعي بتربيتهم للماشية من رؤوس الأغنام والأبقار والماعز، وهي مهنة تعد بحسبهم النشاط الوحيد والرئيسي لديهم لكسب قوتهم المعيشية، إذ تجد في الماشية منافع كثيرة في جوانب عديدة، نذكر منها الصوف والحليب والسمن وحتى اللحم، كما تباع الماشية في الأسواق الأسبوعية والتي تصل أسعارها ما بين 30إلى 50ألف دج للنعجة. أما مادة الصوف فقدرت هي الأخرى بأسعار مرتفعة، إلى جانب الحليب والزبدة دون اللجوء إلى اقتنائها من المحلات التجارية، وفي هذا الإطار، قمنا وفي خرجة استطلاعية إلى دواري كل من “النواصر والقواسم”، ما لاحظناه من الوهلة الأولى، هي تلك المناطق الريفية الجميلة التي تتميز بأراضي فلاحية صالحة لمختلف المزروعات، إلى جانب مواقعها الخلابة التي طبعتها في ذلك الجبال الشامخة والغابات على امتداد الحدود الإقليمية. وما لفت انتباهنا كذلك، هو قطعان الماشية والأبقار، حيث تراها بأعداد كثيرة ترعى في تلك الأراضي الخصبة المعشوشبة، بالإضافة إلى مجاري مياه الأودية التي زينت تلك المراعي الخضراء، ولدى وصولنا بتلك المناطق التقينا مجموعة من المواطنين، وهم ملاك لتلك الثروة يمتهنون حرفة الرعي بتربية المواشي من الأغنام والأبقار، ولدى لقائنا بهؤلاء سألناهم عن نشاط تربية الأغنام، إلى جانب منافعها والصعوبات التي يتلقونها ذكروا لنا بأنهم يمارسون هذا النشاط ابتداءا من السن 20 سنة، وحتى إلى غاية يومنا الحالي، بحكم طبيعة المنطقة والظروف المواتية، مشيرين في ذلك أن هذه المهنة، تعد كسب قوتهم المعيشي ولعائلاتهم، فتربية المواشي استمروا فيها على نهج أبائهم وأجدادهم. ومن جهته، يقول “يوسف” أب لستة أولاد، قاطن بدوار القواسم ببلدية الملعب، أن تربية المواشي تعد مكسب رزقنا ولأولادنا، وأنه في السنوات المنقضية كانت هذه المهنة في تضاؤل بسبب العوامل الطبيعية كنقص المغياثية، والذي أدى إلى نقص في الأعشاب، وحتى إلى جانب غياب المياه عن الأودية والمجمعات، حيث نلجأ إلى عملية حفر حوافي الوديان التي تقع بالجبال ونستخرج التراب على عمق مترين، أي عن طريق الحفر بالفأس وذلك للإستخراج المياه المشكلة الراسبة بذلك المكان، وهي مياه الأمطار المتساقطة في الفترة الحالية، وهو حل نلجأ إليه عندما تقل المياه في فصل الصيف، إذن الكمية التي نجلبها تكون في الواقع كافية للماشية من أغنام وماعز وأبقار. حيث أن لكل واحد منا 80 إلى 100 رأس من هذه الماشية، واليوم الحمد لله المراعي كلها خصبة، وبها الأعشاب الكافية لسد الإحتياجات من هذه الماشية، ضف إلى ذلك بقايا الحصيدة من التبن والبراري، التي بها الأعشاب، كذلك المياه متوفرة عبر الوديان، وعن منافع الأغنام. ذكر ذات المتحدث، في هذا الجانب، أنها تتجلى في مادة “الصوف” التي تستعمل في نسيج الزرابي إلى جانب السمن واللبن والحليب واللحوم، كما يقوم مربي الماشية أيضا ببيع الأغنام في الأسواق الأسبوعية، من أجل اقتناء بعض الحاجيات اليومية للعائلة، وكل هذه المنافع يقول محدثنا، أنها لا تأتي هكذا بل بالاعتناء بالماشية من خلال تسخير لها الكلأ والماء، وتوسيع إسطبلات مريحة لها حتى تكون في أفضل حال.
جطي عبد القادر