
الذكاء الاصطناعي في خدمة القرآن الكريم .. الدكتور “علي كحلان” .. في زمن تتسارع فيه التحولات التقنية وتفرض الرقمنة حضورها في أدق تفاصيل الحياة. يتجدد النقاش حول علاقة التكنولوجيا بالنصوص الدينية. وعلى رأسها القرآن الكريم، وبين من يرى في الذكاء الاصطناعي فرصة لخدمة كتاب الله. ومن يخشى المساس بقدسيته. يبرز صوت الخبرة والاعتدال. في هذا الحوار. يقدّم الدكتور “علي كحلان”. الخبير في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. رؤية متوازنة للبديل تجمع بين الإيمان بالقيم والوعي بإمكانات التقنية.
القرآن يخاطب الروح… والذكاء الاصطناعي يخدم الوسائل
يرى الدكتور “كحلان” أن العلاقة بين النصوص المقدسة والتكنولوجيا ليست علاقة تضاد كما يتصوّر البعض. بل علاقة تكاملية إذا حُسن توظيفها. ويوضح قائلاً:”القرآن يخاطب القلب والروح. والذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية تتعامل مع البيانات والخوارزميات. الإيمان يضع القيم والضوابط، والتقنية توفّر الوسائل”.
هذا التصور يمنح مساحة واسعة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في خدمة القرآن دون المساس بقدسيته. خاصة إذا خضع العمل لضوابط أخلاقية وعلمية واضحة.
الدكتور “علي كحلان” .. الرقمنة لحفظ القرآن ونشره
وعن أهمية إدخال التقنيات الحديثة في خدمة النص القرآني. يذكّر الدكتور “كحلان” بأن القرآن هو الكتاب الأكثر تداولاً شفويًا في التاريخ. وهو محفوظ متناقل منذ أكثر من ١٤ قرنًا. ويضيف:”الذكاء الاصطناعي يساهم في نشره وحمايته. ويمنح الأجيال الجديدة في الجزائر والعالم وسائل حديثة للتعلم والحفظ”،
ويعتبر أن الرقمنة ليست ترفًا. بل ضرورة لضمان استمرارية الاقتراب من القرآن بلغة العصر وبوسائله.
من التلاوة إلى التيسير… التطبيقات الأكثر حضورا
وعن أبرز التطبيقات الممكنة في خدمة القرآن، يشير الدكتور “كحلان” إلى ٤ مجالات رئيسية:
- التعرف على الصوت لتصحيح التلاوة.
- تطبيقات مساعدة على الحفظ والمتابعة.
- أدوات البحث الموضوعي داخل الآيات.
- حلول موجّهة لذوي الإعاقة البصرية أو السمعية.
ويؤكد أنه كما اعتاد الناس استخدام الكتابة الصوتية على هواتفهم. يمكن للتقنية ذاتها أن تصبح وسيلة لضبط التلاوة وتحسين الأداء.
التكنولوجيا لا تُعلّم وحدها… لكنها تُساند
وفيما يخص دور التطبيقات في تعليم التلاوة وتصحيح الأخطاء. يوضح أنّ التقنية قادرة على رصد مواضع الخلل في التجويد وإسداء تصحيحات فورية. لكنها لا تلغي الحاجة إلى الشيخ أو الأستاذ.
ويقول:”التطبيق يسمع القارئ، يحدد الأخطاء ويقترح التصحيح. لكنه يبقى مكملًا لا بديلاً عن المعلم”.ويرى أن هذه الأدوات قادرة على تشجيع التعلم الذاتي مع الحفاظ على المرجعية البشرية.
متابعة الحفظ… كما يحدث في تطبيقات تعلم اللغات
أما بخصوص الحفظ، فيشير الدكتور “كحلان” إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تتبّع تقدّم الطالب. وتذكيره بالآيات المنسية، واقتراح مراجعات دورية. ويشبّه الأمر بما يحدث في تطبيقات تعلم اللغات التي ترافق المستخدم خطوة بخطوة.
ويعتقد أن هذا الأسلوب سيحدث نقلة نوعية لدى الأطفال والطلبة والراشدين على حد سواء. لأنه يجمع بين المتابعة الشخصية والتفاعل الذكي.
خدمة ذوي الاحتياجات… واجب وتقنية
ولا يغفل الدكتور “علي” بعدا إنسانيا مهما. إذ يرى أن المكفوفين والصم قادرون على الوصول إلى القرآن عبر حلول تعتمد على الصوت أو النصوص المترجمة أو شاشات متزامنة. باستخدام تطبيقات تدعم الذكاء الاصطناعي أو رموز QR. ويعتبر أن هذا الاستخدام “ليس مجرد خدمة إضافية بل حق معرفي وروحي ينبغي ضمانه”.
البحث الموضوعي… خطوة نحو الفهم العميق
وعن دور الذكاء الاصطناعي في تسهيل البحث داخل القرآن الكريم، يؤكد الدكتور أن مجرد إدخال كلمة مفتاحية مثل “العدل” أو “الرحمة” يمكن أن يكشف جميع الآيات ذات الصلة في ثوان معدودة، ما يختصر الوقت ويعمّق الوعي بالترابط الموضوعي للنص القرآني.
ثلاث تقنيات أساسية
ويعتبر أن التقنيات الأكثر فاعلية في هذا المجال هي:
- التعرف على الصوت
- معالجة اللغة الطبيعية
- الترجمة الآلية.
بحسب رأيه، هذا الثلاثي يشكل حجر الأساس لأي مشروع جاد يجمع بين التكنولوجيا والنصوص المقدسة.
التحديات التقنية… والخط الأحمر
لكن الدكتور “كحلان” يحذر من اعتبار الذكاء الاصطناعي معصومًا. ويؤكد أن “الدقّة هي التحدي الأكبر”. أي خطأ بسيط في قراءة أو تفسير آية قد يُغيّر المعنى جذريًا ويقود إلى إساءة أو التباس.
وللتغلب على ذلك، يرى أن إشراف العلماء واللغويين ضروري في كل مرحلة:
“الذكاء الاصطناعي يقترح، والإنسان يصحّح ويصادق”،ويؤكد أن دور التقنية مساعد، لا ناطق باسم النص.
ميثاق واضح… وحدود لا تُمسّ
ولكي لا يُساء استخدام التكنولوجيا، يدعو الدكتور علي إلى وضع ميثاق أخلاقي واضح، يقوم على فكرتين أساسيتين:
- الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة فقط
- لا يفسّر النص القرآني ولا يصدر الفتاوى.
ويشدد على أنّه لا ينبغي للآلة أن تحل محل الفقيه أو المفسر، بل تظل حاضرة في الجانب التقني فقط، مثل البحث، التلاوة، الحفظ والمساعدة البيداغوجية.
التعليم عن بعد… من بشار إلى العاصمة
وعن فرص التعليم الديني عن بعد، يرى أن التطبيقات الذكية بإمكانها ربط طالب في ولاية بعيدة بأستاذ في العاصمة، مع المتابعة المستمرة للأداء. ويشير إلى أن هذا “يمكن أن يوفّر فرصًا أكبر لتعليم القرآن في الجزائر وخارجها، دون أن يلغي الطرق التقليدية”.
في المساجد والمدارس… التقنية كأداة مساعدة
ويقترح الدكتور علي إدماج هذه الحلول داخل المؤسسات التربوية والمساجد ليس كبديل للدروس الحضورية، وإنما كمكمل يعين الأئمة والمعلمين على متابعة عدد أكبر من الطلبة بكفاءة وسرعة.
وعن توقعاته للسنوات القادمة، يؤكد أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمة القرآن ستصبح مألوفة مثل تطبيقات التعليم والدفع. ويقول:”سيتعامل معها الناس بشكل طبيعي، ولن تُنظر إليها كاستثناء”.لكن شرط ذلك، وفق رأيه، هو أن تكون نابعة من بيئة محلية تراعي الثقافة واللغة والخصوصية.
مشاريع جزائرية… وبحث علمي محلي
ويأمل الدكتور “علي” في رؤية تطبيقات “جزائرية خالصة” في هذا المجال، يطورها شباب وباحثون وطلبة الجامعات، وتحظى بدعم مؤسسات دينية وعلمية وطنية. ويعتبر أن ذلك ممكن إذا توفرت الإرادة والتمويل والاحتضان العلمي.
ويحدد ٣ ركائز لدخول الشباب هذا الحقل:
- إطار أخلاقي واضح
- صرامة علمية
- دعم فعلي من مؤسسات التمويل والبحث والابتكار.
الدكتور “علي كحلان” .. التكنولوجيا وسيلة لا غاية
وفي ختام حديثه، يوجّه الدكتور “كحلان” رسالة واضحة للقراء:”التكنولوجيا مهمة، لكنها بلا قيمة إذا لم تخدم الإنسان وكرامته وإيمانه. الذكاء الاصطناعي يجب أن يبقى وسيلة تقربنا من القرآن وتزيدنا تمسكًا بالقيم”.
هذا التصور لا يضع التقنية في مواجهة الدين، بل يجعلها في خدمته بوعي ومسؤولية، ويمنح الذكاء الاصطناعي بعدا تربويا وروحيا يُعيد تشكيل العلاقة بين الأجيال والنصوص السماوية بروح العصر.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله