تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي.. جدلية بين رافض ومؤيد له

الخبراء والباحثون والمختصون وحتى الفلاسفة دخلوا على الخط

لا يزال الجدل قائما حول “الذكاء الإصطناعي” ما بين رافض له جملة وتفصيلا وبين مؤيد له بشكل مثير للإعجاب، وبين هذا التقاطع والتجاذب تتزايد الأسئلة بخصوص مخاطر الذكاء الاصطناعي المحتملة وما مدى حقيقة تهديداته للبشرية بالفناء مستقبلا؟

المسألة قد تكمن بالنسبة للرافضين للذكاء الإصطناعي، فيما بخشونه مستقبلا من تفوق الآلة بقدراتها العجيبة على الإنسان الذي سيفقد زمام التحكم فيها وتخرج عن سيطرته المطلقة. وهذا ما يتخوّف منه أكثر الباحث الكندي (يوشوا بنجيو) الذي يعتبر أحد عرابي التعلم الآلي، حين صرح قائلا:” منذ اللحظة التي ستكون لدينا آلات مصممة لكي تستمر سنواجه مشاكل”. ورغم أنّ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) قبل شهور، قد دعت بلدان العالم إلى تطبيق توصيتها بوقف تطوير هذه البرامج على الأقل لمدة 6 أشهر، بعد التحذير من المخاطر التي سيترتب عليها مستقبلا على البشرية، بحيث أنها أكدت بل وأصرت وألحّت على الحاجة لتطوير ذكاء اصطناعي أساسه الأخلاق. رغم كل هذه المخاوف من خاطر الذكاء الإصطناعي يقول عنها الرافضون لها بأنها مجرد قلق زائد لا أساس له من الصحة لأنه مبني على سيناريوهات من علم الخيال واحتمالات تتنافى وحقيقة الذكاء الإصطناعي والغايات المتوخاة منه في تسهيل وتبسيط مناحي الحياة للإنسان والرقي أكثر بطموحات البشرية نحو قمة ما يمكن للتكنولوجيا الحديدة وللعلم تقديمه له.

 عندما تعرف الآلات كيف تصنع آلات أخرى بنفسها، مما يتسبب في انفجار في الذكاء

المخاوف يتقاذفها الخبراء والمختصين وحتى الأساتذة في العلوم الأخرى، كما هو الحال عند الفيلسوف السويدي (نيك بوستروم)، مؤلف كتاب (الذكاء الخارق) الذي أكد قائلا:” عندما تعرف الآلات كيف تصنع آلات أخرى بنفسها، سيتسبب في انفجار في الذكاء”. بل ويجزم بأنّ أدمغة الآلة إذا تفوّقت على أدمغة الإنسان في الذكاء العام، فإنّ هذا الذكاء الخارق الجديد، حسب رأيه:” يمكن أن يحل محل البشر باعتباره الشكل المهيمن للحياة على الأرض” .بل وأكثر من ذلك، طرح نظريته التي سماها (نظرية مشبك الورق)، ومن خلالها عرض يط سيناريو افتراضيا يقول فيه باختصار شديد:” إذا جرى برمجة الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال لتطوير إنتاج مشبك الورق ومنح الموارد فقد يقوم بتحويل المواد الأخرى إلى مشابك ورقية على حساب القيم والأولويات الأخرى، فمثلا قد يستهلك كميات هائلة من المواد الخام والطاقة لتعزيز الإنتاج حتى لو أدى ذلك للإضرار بالإنسان والبيئة أو حتى إبادة البشر”. هذه النظرية المتعلقة بمخاطر الذكاء الاصطناعي أصبحت مؤثرة جدا ومتداولة على نطاق واسع في الأوساط العلمية ولدى رواد التنكنولوجيات الحديثة، وكانت أيضا مصدر إلهام لكل من رئيس شركتي “تسلا” (Tesla) و”سبيس إكس” (Space X). ولعل صورة المقاتل الآلي من فيلم “تيرميناتور” (Terminator) -والذي أرسله ذكاء اصطناعي مستقبلي لوضع حد لكل مقاومة بشرية- حاضرة في أذهان الكثيرين من هؤلاء بشكل أكبر. ورغم ذلك فلحد الأن لا أحد يمكنه الجزم بأن الأمر سيصل إلى هذه الحالة الكارثية والمأساوية للذكاء الإصطناعي، رغم أنّ خبراء حملة “أوقفوا الروبوتات القاتلة” (Stop Killer Robots)، يؤكدون هذه الفرضية حسب ما ذكره في تقرير صادر عام 2021:” إن هذا ليس الشكل الذي ستسود به الأسلحة المستقلة في السنوات المقبلة”. فهل ستصبح تلك الآلات مستقبلا أساس الحروب والعمليات العسكرية الجديدة، ويطلق عليها اسم أنظمة الأسلحة المميتة الذاتية/ المستقلة، والتي يسميها مناهضيها بـ”الروبوتات القاتلة”؟.

الذكاء الاصطناعي لن يمنح الآلات الرغبة في قتل البشر

لا يجب أن نستبق الأحداث بل لا بد من النظر إلى الذكاء الإصطناعي من زاوية تفاؤلية وما يمكن تقديمه في تحقيق ثورة تكنولوجية رابعة للرقي بالبشرية جمعاء. هكذا ما ذهبت إليه الباحثة المختصة في الروبوتات (كيرستين دوتنهان) من جامعة واترلو في كندا، حين صرحت قائلة:” إنّ الذكاء الاصطناعي لن يمنح الآلات الرغبة في قتل البشر”. واسترسلت في القول:” إنّ الروبوتات ليست شريرة (بذاتها)”. هذا معناه أن الروبوتات هي فقط وسيلة بأيدي الإنسان الذي سيتحكّم في برمجتها وتطويرها وتحويلها من أداة للخير إلى أداة للشر وإلحاق الأذى بالأخرين.

 الإنسانية ستكون مجرد مرحلة عابرة في تطور الذكاء

هذه الرؤية المتفائلة للخبيرة (كيرستين دوتنهان)، لا يشاطرها إياها الكثير وفي مقدمتهم الفيلسوف (هو برايس) من جامعة كامبردج، حيث قال:” أنه في أسوأ الأحوال يمكن أن يموت جنسنا البشري من دون خليفة لنا”. ويضيف قائلا: “ومع ذلك، هناك إحتمالات أقل سوداوية، بحيث يمكن فيها للبشر المعززين بالتكنولوجيا المتقدمة البقاء على قيد الحياة”. وهنا يُلمّحُ (هو برايس) تلميحا صريحا إلى أن الأنواع البيولوجية البحتة ستنتهي بالانقراض. من جهته، قال الخبير (ستيفن هوكينغ) يوما لهيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) حول الذكاء الإصطناعي:” إنّ جنسنا البشري سيعجز يوما عن منافسة الآلات، لأنّ هذا من شأنه أن “يمهد لفناء الجنس البشري”. أما الباحث (جيفري هينتون) الذي حاول إنشاء آلات تشبه الدماغ البشري لحساب مجموعة (غوغل) فتحدث أخيرا بعبارات مماثلة عن “ذكاء خارق” يتفوق على البشر، بل وذهب أبعج من ذلك حين أكد لقناة (بي. بي. إس) الأمركيية أنه:” من الممكن أن تكون الإنسانية مجرد مرحلة عابرة في تطور الذكاء”.

بقلم: هشام رمزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى