تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي العملي: من النماذج العملاقة إلى التطبيقات التي تخدم المستخدم

الذكاء الاصطناعي العملي .. لم يعد المشهد الراهن في عالم الذكاء الاصطناعي يقتصر على سباق بناء النماذج التأسيسية الضخمة، التي استقطبت استثمارات هائلة خلال السنوات الماضية، إذ إن العديد من الشركات الناشئة بدأت في تحويل دفة الاهتمام نحو التطبيقات العملية وواجهات الاستخدام، لتفرض بذلك مسارا جديدا ينافس مباشرة كبريات المختبرات التقنية التي أنفقت مليارات الدولارات على تدريب نماذج معقدة.


 

حيث يشير خبراء إلى أن هذه المقاربة الجديدة غيرت قواعد اللعبة، وأظهرت أن قيمة الذكاء الاصطناعي لا تكمن فقط في حجم النماذج بل في طريقة تسخيرها لخدمة المستخدم.

هذا التحول، كشف عن أن النماذج التأسيسية التي كانت تعد سابقا ميزة استراتيجية فريدة لم تعد تحتفظ بالقيمة ذاتها، إذ بات يُنظر إليها كسِلعة قابلة للاستبدال بسهولة، تماما كما تباع حبوب البن لمقاهٍ متعددة، تقدمها في قوالب مختلفة دون أن يهتم المستهلك بمصدرها الأصلي، ومع تزايد هذه النظرة الجديدة فقد تراجعت الهيمنة التي طالما ارتبطت بالشركات العملاقة، وأصبحت المنافسة أكثر تركيزا على ما يتم بناؤه فوق هذه النماذج لا على النماذج بحد ذاتها.

 

الذكاء الاصطناعي العملي .. تراجع نفوذ الكبار وصعود البدائل

إن العوائد المتناقصة من التوسع في التدريب المسبق للنماذج جعلت الأهمية الحقيقية تكمن اليوم في مرحلة ما بعد التدريب، حيث أصبح الضبط الدقيق والتعلم المعزز هو الميدان الأكثر تأثيرا في تحسين الأداء، ومع وفرة البدائل مفتوحة المصدر وتزايد الخيارات المتاحة أمام المطورين، تضاءل الهامش الربحي للنماذج الأساسية، الأمر الذي يهدد بتحويل كبريات الشركات التي تصدرت المشهد خلال العقد الأخير إلى مجرد مورّدين ثانويين في سوق بات يتسم بالسلعية.

ويشير متابعون إلى أن المستخدم النهائي لم يعد يهتم كثيرا بهوية النموذج الذي يقف وراء المنتج الرقمي الذي يستعمله، سواء كان ذلك قائما على نموذج من شركة كبرى أو من بدائل أخرى متاحة، طالما أن النتيجة متشابهة والأداء يلبي التوقعات، هذا الواقع الجديد قلل من النفوذ التقليدي لتلك المختبرات التي اعتبرت سابقا المفتاح الذهبي لثورة الذكاء الاصطناعي، وجعل مسألة التميز ترتبط أكثر بما يقدمه التطبيق النهائي من حلول ملموسة للمستهلك.

ورغم أن الشركات العملاقة ما زالت تمتلك عناصر قوة مثل البنية التحتية الواسعة والسيولة الضخمة والانتشار العالمي، فإن الاستراتيجية التي ارتبطت بشعار “الأكبر هو الأفضل” لم تعد قادرة على جذب الانتباه كما في السابق، بل إن حجم الإنفاق المهول على سباق بناء النماذج العملاقة بات يعرض بعض اللاعبين لمخاطر جمة، لاسيما وأن المكاسب لا توازي دائما ما يُضَخ من أموال وموارد في هذا المضمار.

 

التطبيقات كعنوان للمستقبل القريب

إن المعطيات الراهنة تعكس أن المستقبل القريب للذكاء الاصطناعي قد يكون ملكا للشركات التي تركز على بناء التطبيقات العملية أكثر من تلك التي تضع كامل ثقلها في امتلاك النماذج الضخمة، فالقيمة المضافة أصبحت تكمن في تقديم أدوات ذكية تخاطب حاجات المستخدم وتندمج في حياته اليومية، لا في الإعلان عن نموذج جديد بقدرات خارقة قد لا يجد المستهلك العادي سبيلا مباشرا للاستفادة منها.

ويذهب مراقبون إلى أن الرهانات التي يضعها بعض اللاعبين على استمرار جدوى النماذج العملاقة قد تكون شديدة الخطورة، خاصة مع إنفاق مليارات الدولارات في سباق لا يضمن بالضرورة أي أفضلية دائمة، ومع اتساع دائرة التطبيقات التي تبني على هذه النماذج وتوظفها بطرق مبتكرة، فإن موقع الشركات الناشئة يزداد قوة، بينما تجد الكيانات الكبرى نفسها أمام تحدي إعادة رسم استراتيجياتها كي لا تتحول إلى مجرد مزودين للموارد الأولية، في سوق يشهد تحولا متسارعا نحو التنوع والانتشار الأفقي.

في هذا السياق، تصبح المنافسة الحقيقية شبيهة بسباق “من يربح القهوة”، حيث يظل البن مجرد مادة أولية لكن القيمة الكبرى تتحقق عند من يحسن تقديمه في شكل مشروب يلبي رغبة المستهلك، وبالمثل فإن النماذج التأسيسية لم تعد الغاية في حد ذاتها بل أصبحت مادة خام تسابق التطبيقات على استثمارها وتوظيفها بطرق أكثر قربا من احتياجات الأفراد والمؤسسات، وهو ما يجعل مسار الذكاء الاصطناعي مفتوحا على تحولات أعمق خلال السنوات المقبلة قد تعيد صياغة موازين القوة في هذا المجال بالكامل.

بن عبد الله ياقوت زهرة القدس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى