
في حدث غير مألوف، شهدت شبكة الإنترنت الفضائي التابعة لشركة “سبيس إكس” انقطاعًا واسعًا يوم الخميس. مما أدى إلى توقف الخدمة عن عشرات الآلاف من المستخدمين حول العالم. وقد أرجع الخبراء هذا التوقف إلى خلل داخلي في البرمجيات التي تتحكم في الشبكة الأساسية. وهو ما أثار قلقًا واسعًا بشأن مدى الاعتمادية التي يمكن أن توفّرها هذه التقنيات الحديثة في المستقبل القريب.
بدأت الإشارات الأولى للانقطاع في الساعات الأخيرة من مساء الخميس بتوقيت أوروبا وأمريكا الشمالية. حيث تسارعت الشكاوى والتقارير من المستخدمين. وبحسب منصة رقمية تتابع الأعطال التقنية حول العالم. فقد تجاوز عدد البلاغات حاجز الستين ألفًا خلال ساعات قليلة فقط. وهو رقم يعكس ضخامة الحدث وامتداده عبر قارات متعددة.
ردود فعل رسمية وتطمينات بعد الانقطاع
أصدرت الشركة المسؤولة عن إدارة الخدمة بيانًا مقتضبًا عبر منصاتها الرقمية تعترف فيه بوجود انقطاع فعلي في شبكتها. مؤكدة في الوقت نفسه أنها تبذل جهودًا مكثفة لمعالجة العطب واستعادة الاستقرار للخدمة. وقد أفاد نائب رئيس قسم الهندسة بالشركة أن السبب يعود إلى عطب داخلي في البرمجيات المركزية التي تشغّل الشبكة. مضيفا أن الخدمة قد بدأت في التعافي الجزئي بعد مرور نحو ساعتين ونصف من بداية الانقطاع.
وقدّم المسؤول اعتذاراته للمستخدمين، مؤكدًا أن الفريق الفني يعمل بجد لتحديد السبب الجذري واتخاذ تدابير تمنع تكرار الحادثة مستقبلًا. كما شارك المدير التنفيذي للشركة تعليقًا مقتضبًا يشير فيه إلى التزام الشركة بالتحقيق في تفاصيل الحادث ومعالجة جذوره بشكل نهائي. وهو ما فتح المجال أمام تكهنات واسعة حول ما إذا كانت المشكلة مرتبطة بخلل تقني بحت، أم بتحديث برمجي غير ناجح. أو حتى باختراق سيبراني خارجي.
الخبراء يقرعون ناقوس الخطر حول مرونة الشبكات الحديثة
تعليقًا على الحادث، قال خبير تحليل البيانات الرقمية في مؤسسة متخصصة إن هذا الانقطاع يعد من أوسع الأعطال التي شهدتها الشبكة منذ نشأتها. وهو أمر غير معتاد نظرًا للمرونة المعروفة بها هذه الخدمة التي تنتشر في أكثر من 140 دولة ويستخدمها ما يزيد عن ستة ملايين شخص. كما أشار إلى أن الحادث ربما يكون الأطول من نوعه في تاريخ الخدمة. وهو ما يثير تساؤلات جدية حول جاهزية الشبكة لمواجهة التحديات المستقبلية.
ومع التوسع المستمر في استخدام هذه التقنية، لتغطية المناطق النائية وتوفير حلول اتصال فورية. خصوصًا في حالات الطوارئ. بات الاعتماد على هذه الشبكات مسألة حيوية بالنسبة للجيوش ومؤسسات النقل وحتى المستخدمين الأفراد. وهو ما يجعل من أي خلل في النظام تهديدًا حقيقيًا للبنية التحتية الرقمية العالمية.
من جهته، يرى مدير مختبر الفضاء والأمن السيبراني بإحدى الجامعات الأميركية أن ما حدث يشير إلى احتمالين رئيسيي. إما أن الشركة كانت بصدد تجربة تحديث برمجي لم يمر بمرحلة اختبار كافية، أو أنها تعرضت لهجوم تقني مخطط له بعناية، مقارنًا الوضع بما حصل العام الماضي عندما تسبب خلل في برنامج أمني عالمي في توقف ملايين الأجهزة العاملة بنظام التشغيل الشهير عن العمل، وهو ما أدى إلى اضطرابات في قطاعات حيوية أبرزها الطيران والاتصالات.
ومع أن الشركة لم تؤكد رسميا تأثير الانقطاع على خدماتها العسكرية الأخرى، إلا أن خبراء الأمن السيبراني يطالبون بتوضيح شفاف لما جرى، خاصة أن المنظومة تضم وحدات ذات حساسية عالية تعمل بموجب عقود ضخمة مع هيئات أمنية رسمية، ما يعني أن أي توقف غير مخطط له قد تكون له تبعات أمنية وعسكرية لا يُستهان بها.
الإنترنت الفضائي بين الاعتماد العالمي ومخاطر الأعطال المفاجئة
لقد أعاد هذا العطل النادر تسليط الضوء على هشاشة بعض الركائز التكنولوجية الحديثة، رغم ما يُروّج لها من مرونة وتطوّر، فخدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية التي تمثل حلًا عصريًا لتجاوز ضعف البنية الأرضية، لا تزال رهينة أخطاء بشرية أو تقنية قد تؤدي إلى شلل مؤقت يهدد ثقة المستخدمين، كما أن هذه الحادثة جاءت في وقت تعمل فيه الشركة على توسعة نطاق خدماتها، ليشمل تقديم رسائل طوارئ مباشرة إلى الهواتف في المناطق المعزولة، وهو مشروع طموح يستدعي مراجعة دقيقة لكفاءة الأنظمة التشغيلية.
منذ إطلاقها قبل نحو 5 سنوات، أطلقت الشركة آلاف الأقمار الصناعية لتشكيل شبكة متكاملة منخفضة المدار، ما ساعد على جذب اهتمام واسع من المستخدمين الأفراد والحكومات على حد سواء، لكن الأحداث الأخيرة قد تجعل بعض الجهات تعيد النظر في مدى اعتمادها الكامل على هذه المنصات، خصوصًا في ظل احتمال تكرار مثل هذه الأعطال.
يكشف الحادث الحالي أن التوسع التكنولوجي السريع، لا يجب أن يغني عن ضرورة وجود خطط طوارئ جاهزة وأنظمة دعم فعالة، لضمان استمرار الخدمات في ظل التحديات المتزايدة التي قد تفرضها الطبيعة الرقمية الجديدة لعالم اليوم.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله