
كشف الأستاذ والصحفي والباحث “علال بكاي”، في تصريح صحفي خص به “البديل” عن مسار “أحمد طالب الإبراهيمي” خلال طفولته،وكذا المهام في عمله التي كلف بهابعاصمة الزيانيين تلمسان، وتم الاستناد في هذا المقال الصحفي،بمعلومات من كتاب الراحل “أحمد طالب الإبراهيمي”، الذي ألفه الأخير باللغة الفرنسية ووسم بذاكرة جزائري.
في ذاكرة تلمسان، تبقى أسماء العلماء والمصلحين منارات لا تنطفئ، ومن بينهم الدكتور “أحمد طالب الإبراهيمي” الذي عاش طفولته الأولى بين أزقّة المدينة العتيقة هنا بتلمسان، حيث تعلم الحرف الأول من القرآن، وتشرّب عبق العلم والروح،رحل رجل الجزائر يوم 05أكتوبر ،2025 بعد مسيرة حافلة في خدمة الجزائر فكرا وثقافة وسياسة، لكنه ترك خلفه شهادة حيّة عن تلك السنوات التي شكّلت شخصيته، وعن صرحٍ خالدٍ في الذاكرة الوطنية: دار الحديث، المدرسة التي أسسها والده “الشيخ البشير الإبراه
يمي”، لتكون منارة للعلم والإصلاح.
سنوات الطفولة في تلمسان
عاش الدكتور “أحمد طالب الإبراهيمي” في مدينة تلمسان من مطلع عام 1933 إلى جويلية 1945، مع فترة انقطاع بين أوت 1941 وأكتوبر 1942، حين وُضع والده، الشيخ “محمد البشير الإبراهيمي”، تحت الإقامة الجبرية في آفلو بولاية الأغواط.
انتقل “الشيخ البشير الإبراهيمي” إلى تلمسان سنة 1933، بصفته أحد أبرز أعلام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، واستقرت العائلة بحي أغادير لأكثر من عقد من الزمن. هناك، عاش “أحمد طالب” طفولته الأولى في بيئة علمية ودينية أصيلة، تركت في نفسه حبا عميقا للمدينة وثقافتها.
التعليم بين العربية والفرنسية
تلقى “أحمد طالب الإبراهيمي” تعليمه الأول داخل أسرته وفي مدرسة قرآنية محلية، قبل أن يُسجل لاحقا في مدرسة فرنسية، وقد وصفت تلك المرحلة بأنها كانت “صدمة ثقافية”؛ إذ كان في منزله يتحدث العربية الفصحى والعامية، بينما وجد في المدرسة عالمًا فرنسيا بالكاملومنذ الصغر، أدرك التوتر بين ثقافتين متناقضتين: ثقافة الأسرة القائمة على الإيمان والهوية العربية، وثقافة الاستعمار القائمة على اللغة والنموذج الفرنسي.
دار الحديث منارة العلم والإصلاح
التحق “أحمد طالب الإبراهيمي” بمدرسة “دار الحديث”، الواقعة بشارع بوماريا في تلمسان، وهي المدرسة التي أسسها والده سنة 1937، وصمّمها المهندس المعماري “عبد الرحمن بوشامة”. أُقيم حفل افتتاحها يوم الاثنين 27 سبتمبر 1937، وقد أُحييت ذكراه الـ 88يوم الجمعة 26 سبتمبر 2025 في خلوة الشيخ السنوسي.
وخلال المناسبة، ألقى الأستاذ “محمد بن حامد بومشرة”، محاضرة بعنوان “ملخص عن كتاب حياة دار الحديث بتلمسان 1937ـ2010”. كما نُشرت على صفحات التواصل الاجتماعي مقالات تكريمية للمصمم المعماري الراحل “عبد الرحمن بوشامة”1970–1985، ولا يُعرف ما إذا كان الطفل “أحمد طالب”، الذي لم يتجاوز الخامسة آنذاك، قد حضر مراسم الافتتاح الكبرى إلى جانب والده أم لا.
بين المذكرات والشهادات
في كتابه “مذكرات جزائري: أحلام ومحن (1932–1965)”، الصادر عن منشورات القصبة، يروي “أحمد طالب الإبراهيمي” أن والده كان مترددًا في بادئ الأمر في إرسال أبنائه إلى المدرسة الفرنسية، غير أن الشيخ “عبد الحميد بن باديس” أقنعه بذلك. فالتحق أحمد بمدرسة دوفو(Duffaut)، المعروفة اليوم باسم مدرسة “ابن مرزوق”، المجاورة لدار الحديث بحي الفخّارين بوسط مدينة تلمسان. وتشير مصادر أخرى إلى أنه تابع دراسته في دار الحديث بين عامي 1943 و1945.
“أحمد طالب الإبراهيمي”يستعيد ذكريات طفولته من خلال الكتاب الذي ألفه
قال“أحمد طالب الإبراهيمي”:“أتذكر أنني رافقت والدي إلى منزل محمد بن كلفاط، الذي كان أكبر نحّاس في الجزائر آنذاك، وقد أقنعه والدي بتدريب الشباب لنقل فنه”، وهذه الحرفة التقليدية إلى الأجيال المقبلة بعد أن كان يرفض ذلك، ويضيف “طالب الإبراهيمي” أن “والدي كان أول من أدخل المسرح إلى الحياة الثقافية في تلمسان، وقد حضرت وأنا طفل عرضًا لمسرحية مجنون ليلى للشاعر أحمد شوقي، قدّمها تلاميذ الشيخ في قاعة سينما )الكوليزه.(.”.
هذه الشهادات، وردت في المداخلة التي قدّمها الدكتور الإبراهيمي “طالب أحمد” خلال الملتقى الدولي، الذي نظم حول دار الحديث بتلمسان،المنعقد في المركز الثقافي الجزائري بباريس يومي 20 و21 أكتوبر 2011، بتنظيم جمعية “أصدقاء تلمسان”، برئاسة الأستاذ “الهادي بن منصور”.
أول مجلس بلدي بعد الاستقلال
بعد استقلال الجزائر، تولّى الدكتور “أحمد طالب الإبراهيمي” بصفته وزيرًا للتربية الوطنية والثقافة، الإشراف على تنصيب أول مجلس شعبي بلدي لتلمسان يوم الأحد 5 فبراير 1967 في القاعة الكبرى لبلدية المدينة، برئاسة المرحوم “غوتيالشريف”،وكان الفقيد قد شغل بعد الاستقلال منصب رئيس الوفد الخاص (اللجنة التنفيذية المؤقتة) ببلدية تلمسان بين عامي 1962 و1964، قبل أن يُنتخب عضوًا في المجلس الشعبي الولائي، كما تولّى ابن أخيه الراحل “بن عودة الشريف”، وهو مناضل في الكشافة الإسلامية وحزب الشعب الجزائري، المنصب ذاته لاحقًا.
تلمسان في قلب الدبلوماسية والثقافة
في سنة 1976، رافق الوزير السابق “أحمد طالب الإبراهيمي” بصفته وزيرًا للإعلام والثقافة الأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك، السيد “الشاذلي القليبي”، في زيارة رسمية إلى تلمسان،أطلعه خلالها على أهم معالم المدينة التاريخية، مثل الجامع الكبير، قصر المشور وضريح سيدي بومدين، بهدف إبراز الدور الروحي والثقافي لتلمسان في الحضارة العربية الإسلامية.
كما زارت البعثة الرسمية مقر النقابة السياحية (SIT) المقابل لساحة المشور، حيث استُقبلت من طرف الصحفي “بن علي الحسّار”، رئيس المكتب الجهوي لوكالة الأنباء الجزائرية، والمسؤولعن قسم الآثار والمعالم التاريخية، إلى جانب الأستاذ “المختار الهدّام”، مدير ثانوية “الشهيدة مليحة حميدو” ومستشار تربية بثانوية الدكتور “بن زرجب”.
وداع رجل الفكر والوطن
رحل الدكتور “أحمد طالب الإبراهيمي” الطبيب، المفكر، والوزير الأسبق للتربية، والإعلام والثقافة، والشؤون الخارجية يوم 5 أكتوبر 2025 بالعاصمة الجزائرية، عن عمر ناهز 93 عاما، بعد مسيرة زاخرة بالعطاء والفكر والإصلاحرحمه الله رحمة واسعة، وجعل ذكراه نبراسا للأجيال القادمة.
إعداد:بكاي عمر