أنهى الرئيس عبد المجيد تبون، حالة الترقب التي طبعت المشهد السياسي خلال الشهرين الأخيرين، بتوقيعه على المرسوم الرئاسي المتضمن إصدار الدستور الجديد في استفتاء الفاتح من نوفمبر المنصرم، في الجريدة الرسمية.
وبعد توقيع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على المرسوم الرئاسي المتضمن الإصدار في الجريدة الرسمية للدستور المعدل، ما يعني أن صدوره في الجريدة الرسمية، بات مسألة ساعات فقط، علما أن قانون المالية 2021 صدر الأربعاء الفارط في الجريدة الرسمية على موقع الأمانة العامة للحكومة مباشرة بعد توقيعه.
وجاء قرار الرئيس تبون مخالفا لمطالب البعض من السياسيين، الذين رفعوا لواء إلغاء الدستور الجديد، جراء نسبة المشاركة المنخفضة للناخبين، والتي لم تصل عتبة 24 بالمائة، وهو القرار الذي يعبر عن خيار سياسي يندرج في صميم صلاحيات القاضي الأول.
وإن تبنى الدستور الجديد الكثير من البنود التي جاءت في دستور 2016، على غرار بند تحديد العهدات الرئاسية بولايتين لمدة خمس سنوات، غير قابلتين للتجديد، إدراج الأمازيغية ضمن المواد الصماء، غير القابلة للتعديل مستقبلاً، إلا أنه تضمن توجهات جديدة كانت محل نقاش مستفيض في المجتمع، من قبيل الترخيص للجيش الوطني الشعبي، للقيام بمهمات خارج حدود البلاد، في مجال حفظ السلم تحت وصاية الأمم المتحدة.
ومن بين ما جاء به الدستور الجديد، العودة إلى العمل بمنصب رئيس الحكومة بعد نحو 12 سنة من إلغائه، وتطعيمه بصلاحيات أوسع، عكس منصب الوزير الأول الذي يعتبر مجرد منسق بين أعضاء الطاقم الحكومي بعد تجريده من كافة صلاحياته تقريبا، وإلزامية إسناد رئاسة الحكومة للأغلبية البرلمانية، في حال فاز حزب الرئيس إذا كان متحزباً، علما أن الرئيس في الدستور المعدل لم يكن ملزما باختيار رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، فأويحيى قضى أكثر من عشر سنوات على رأس الحكومة بالرغم من أن حزبه لم يكن الفائز الأول في التشريعيات.
كما تحدث الدستور الجديد عن سريان مبدأ تحديد العهدات باثنتين، على المترشحين للمجالس الوطنية المنتخبة، بهدف تجديد الطبقة السياسية، كما وعد الرئيس، وإنشاء محكمة دستورية أوكلت لها مهمة مراقبة مدى دستورية قرارات السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وكذا المعاهدات الدولية التي تصادق عليها الجزائر، وأعاد النظر في تنظيم الساحة الحزبية والجمعوية والإعلامية، من خلال تبني مبدأ التصريح بدل الترخيص.
وتفتح البداية المرتقبة بالعمل بالدستور الجديد، المجال أمام دخول البلاد مرحلة جديدة، كونه (الدستور) سيكون مقدمة لتغييرات واسعة في المنظومة القانونية للبلاد، بداية بالقانون العضوي المتعلق بالانتخابات، الذي يعيش آخر فصول إعداده، وهي الخطوة التي تسبق الدعوة لانتخابات تشريعية ومحلية مسبقة.
كما يتوقع أن تتم الدعوة في الأسابيع القليلة المقبلة لمراجعة القانون العضوي المتعلق بالأحزاب وكذا القانون العضوي المتعلق بالإعلام، وهي من الورشات التي يفرضها التعديل الدستوري الجديد، من باب المطابقة.
هذا ما سيتغير بعد دخول الدستور الجديد حيز التطبيق
بمجرد توقيع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على مرسوم اصدار وثيقة الدستور الجديد في الجريدة الرسمية، يصبح ملزم التطبيق والعمل به في تسيير شؤون البلاد والعباد، وهو ما يحيل على تساؤلات حول ما سيتغير بمجرد حيز التنفيذ؟
تضمن الدستور الجديد، عددا هاما من المواد والتعديلات الجديدة، منها ما يتعلق بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، الحقوق الأساسية والحريات العامة والواجبات، تنظيم السلطات والفصل بينها وبين مؤسسات الرقابة والهيئات الاسـتشارية.
من بين هذه المواد التي تضمنها الدستور الجديد نذكر منها، المادة 88 التي تنص على أن مدة العهدة الرئاسية خمس (5) سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة. لا يمكن لأحد ممارسة أكثر من عهدتين متتاليتين أو منفصلتين، وفي حالة انقطاع العهدة الرئاسية بسبب استقالة رئيس الجمهورية الجارية عهدته أو لأي سبب كان، تعد عهدة كاملة.
كما ينص الدستور الجديد في مادته المادة 103، على أن يقود الحكومة وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعيــة عن أغلبية رئاسية ويقود الحكومة رئيس حكومة، في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية. تتكون الحكومة من الوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة، ومن الوزراء الذين يشكلونها.
أما المادة 93 من الدستور الجديد، يمكن لرئيس الجمهورية أن يفوض للوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة، بعضاً من صلاحياته. وستشرع الحكومة في مراجعة قوانين الإنتخابات والأحزاب والإعلام وغيرها لتكييفها مع الدستور الجديد يتم الذهاب بعد تجهيز هذه القوانين إلى انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة.
محكمة دستورية بدلا من المجلس الدستوري
وفي باب مؤسسات الرقابة، جاء من بين المواد الجديدة، المادتان 185 و191 من الدستور الجديد، تم من خلالهما استحداث محكمة دستورية بدلا عن المجلس الدستوري.
وتعتبر المحكمة الدستورية في الدستور الجديد، مؤسسة مستقلة مكلفة بضمان احترام الدّستور. تضبط المحكمة الدستورية سير المؤسسات ونشاط السلطات العمومية.
تحدد المحكمة الدستورية قواعد عملها، كما تنظر في الطعون التي تتلقاها حول النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية والاستفتاء، وتعلن النتائج النهائية لكل هذه العمليات.
حرية التعبير من أهم مضامين الوثيقة
وفي مجال حرية التعبير تم إجراء بعض التعديلات بحيث تضمن حرية الصحافة على وجه الخصوص ما يأتي، حرية تعبير وإبداع الصحفيين ومتعاوني الصحافة، وحق الصحفي في الوصول إلى مصادر المعلومات في إطار احترام القانون، الحق في حماية استقلالية الصحفي والسرّ المهني. والحق في إنشاء الصحف والنشريات بمجرد التصريح بذلك.
بالإضافة، الحق في إنشاء قنوات تلفزيونية وإذاعية ومواقع وصحف إلكترونية ضمن شروط يحددها القانون، الحق في نشـر الأخبار والأفكار والصور والآراء في إطار القانون، واحترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية، لا يمكن أن تستعمل حرية الصحافة للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم.
كما يحظر نشر خطاب التمييز والكراهية، لا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية، لا يمكن توقيف نشـــاط الصحـــف والنشريات والقنوات التلفزيونية والإذاعية والمواقع والصحف الإلكترونية إلاّ بمقتضى قرار قضائي.
هكذا سيتم التعامل مع المتعسفين في استعمال السلطة
من ضمن المواد المهمة التي جاءت بها وثيقة الدستور، المادة 25 من الدستور الجديد، بحيث يعاقب القانون على استغلال النفوذ والتعسف في استعمال السلطة.
كما تضمنت المادة 24 من الدستور الجديد، أنه يحظر اسـتحداث أي منصب عمومي أو القيام بأي طلب عمومي لا يستهدف تحقيق المصلحة العامة. لا يمكن أن تكون الوظائف والعُهدات في مؤسّسات الدّولة مصدرا للثراء، ولا وسيلة لخدمة المصالح الخاصّة. يجب على كل عون عمومي، في إطار ممارسة مهامه، تفادي أي حالة من حالات تعارض المصالح.
يجب على كل شخص يُعيّن في وظيفة عليا في الدولة، أو ينتخب أو يُعيّن في البرلمان، أو في هيئة وطنية، أو ينتخب في مجلس محلي، التصريح بممتلكاته في بداية وظيفته أو عهدته وفي نهايتها. يحدد القانون كيفيات تطبيق هذه الأحكام.
وفي المادة المادة 11 تمتنع المؤسّسات عن القيام بما يأتي: الممارسات الإقطاعيّة، والجهويّة، والمحسوبيّة، إقامة علاقات الاستغلال والتّبعيّة، السّلوك المخالف للأخلاق الإسلاميّة وقيم ثورة نوفمبر.
هذه هي الهيئات الاستشارية الجديدة
أقر الدستور الجديد، بتثبيت واستحداث هيئات استشارية جديدة في مختلف المجالات.
تنص المادة 204 من الدستور الجديد، على دور السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته التي تعتبر مؤسسة مستقلة. دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات لممارسة مهامها. ومادته 213، ينص الدستور على أن المرصد الوطني للمجتمع المدني هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية ويقدم المرصد آراء وتوصيات متعلقة بانشغالات المجتمع المدني.
يساهم المرصد في ترقية القيم الوطنية والممارسة الديمقراطية والمواطنة ويشارك مع المؤسسات الأخرى في تحقيق أهداف التنمية الوطنية. يحدد رئيس الجمهورية تشكيلة المرصد ومهامه الأخرى.
فيما تعتبر المادة 218 من الدستور الأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيات هيئة مستقلة ذات طابع علمي وتكنولوجي، ويحدد القانون تنظيم الأكاديمية وتشكيلتها وسيرها ومهامها.