
في لحظة امتزج فيها عبق التاريخ بروح التحدي المعاصر، تحوّلت دار الشباب “المجاهد دحماني” بالمنيعة، الخميس الماضي إلى منصة تُعيد الاعتبار للحرفة الجزائرية كأداة بناء في معركة التنمية المحلية.
وعلى هامش الاحتفال المزدوج بالذكرى الـ71 لاندلاع الثورة التحريرية، واليوم الوطني للحرفي، أطلق والي الولاية “بن مالك مختار” رسالة واضحة: “الحرفة ليست بقايا الماضي.. بل استثمار في المستقبل”.
معرض يتحدث بلغة الأصالة والإبداع
نُظم المعرض من طرف غرفة الصناعة التقليدية والحرف، بالتنسيق مع مديرية السياحة، وجمع 30 حرفيا وحرفية من مختلف بلديات الولاية، في تخصصات شملت النسيج، الطرز، صناعة الحلي، الجلد، المستحضرات التجميلية الطبيعية، الحلويات والخيمة التقليدية الصحراوية.
ولم يكن المعرض مجرد فضاء للعرض، بل كان لوحة حية جسّدت التنوع الثقافي للجنوب الجزائري، وقدرة الحرفيين على التوفيق بين الأصالة والحس الجمالي العصري. هذا التنوّع، كما وصفه الحاضرون، يُعبّر عن “هوية تُنسج بالأيدي وتُروى بالذاكرة”.
الحضور الرسمي.. من الاعتراف الرمزي إلى الدعم الفعلي
تميّز الحدث بحضور رسمي رفيع، تقدّمه والي الولاية مرفوقا بنائب رئيس المجلس الشعبي الولائي “بن جيلالي مبروك”، وعدد من المدراء التنفيذيين وممثلي غرف التجارة والصناعة والفندقة، ما يعكس تحوّلاً في النظرة المؤسساتية للقطاع الحرفي، من مجرد نشاط تراثي إلى محور اقتصادي متكامل.
وفي كلمته، أكد الوالي أن “ولاية المنيعة تملك طاقة بشرية خلاقة في مجال الحرف، قادرة على خلق الثروة إذا ما توفرت آليات الدعم والتسويق”. ودعا إلى إدماج الحرفيين ضمن المنظومة الاقتصادية عبر برامج تكوين فعّالة، وتسهيل وصولهم إلى الأسواق الوطنية والدولية، مع التركيز على التحول الرقمي والتسويق الإلكتروني كمدخل أساسي لتوسيع نطاق النشاط الحرفي.
تحليل: من حفظ الذاكرة إلى صناعة القيمة المضافة
إن تصريحات والي الولاية تمثل تحولا في الخطاب التنموي المحلي، إذ لم تعد الحرفة مجرّد مكوّن ثقافي، بل باتت تُطرح كـ قطاع واعد في مرحلة ما بعد المحروقات. النسيج اليدوي والجلود والعطور الطبيعية وغيرها من المنتجات التقليدية يمكن أن تشكّل عناصر جذب في السياحة الثقافية والبيئية، خصوصا في منطقة مثل المنيعة التي تمتلك رصيدا جماليا وإنسانيا متفردا.
أصوات القطاع.. التزام جماعي واستشراف للمستقبل
من جهته، أكد مدير السياحة والصناعة التقليدية “إسماعيل لبصير” أن هذه التظاهرة “فرصة لتجديد الالتزام بالحفاظ على الحرفة من جيل إلى جيل، وربطها بموسم السياحة الصحراوية كقاطرة للتنمية المستدامة”. أما مدير غرفة الصناعة التقليدية “بن جابو إبراهيم”، فأشار إلى أن الغرفة تعمل على “مرافقة الحرفيين لتجاوز تحديات التمويل والتسويق، وتوفير بيئة عمل تضمن استمرارية المهنة وتحفّز الإبداع”.
تكريمٌ يرمز للاعتراف ويفتح الآفاق
اختُتمت التظاهرة بحفل تكريم شارك فيه الوالي، شمل العارضين والمؤطرين، في بادرة رمزية تُجسّد الاعتراف بجهود “صُنّاع الهوية”. ولم يكن التكريم مجرد إجراء بروتوكولي، بل تعبير عن إرادة سياسية جديدة تضع الحرفي في قلب العملية التنموية، وتُعيد تعريفه كـ”فاعل اقتصادي” لا مجرد حافظ للتراث.
تُظهر تجربة المنيعة أن التراث حين يُدار بعقلية اقتصادية يصبح مورداً مستداماً، فالمنتج الحرفي لم يعد تذكاراً سياحياً، بل قصة وطن تُروى بخيوط من الصبر والجمال. إن ما بدأ في معرض صغير بدار الشباب قد يكون النواة الأولى لولادة قطب حرفي وسياحي واعد، يحمل توقيع “أنامل المنيعة” ويُجسد شعار المرحلة: من الأصالة تُولد التنمية، ومن التراث تُصنع الهوية الاقتصادية.
الهوصاوي لحسن



